تونس - حياة الغانمي
دعا أعضاء الحكومة التونسية، رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد، إلى الاستجابة لمقترحاتهم وشروطهم القاضية بإشراكهم في إجراء التغيير الوزاري المرتقب. وفي المقابل، يتمسّك الشاهد باستقلالية اتخاذ القرار.
وأعلنت الأطراف الشريكة في الحكومة وفي وثيقة قرطاج على غرار نداء تونس والنهضة والاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الجمهوري، أنه لا بد للشاهد من التوفيق بين ما يمنحه إياه الدستور من حرية واستقلالية في اختيار أعضاء حكومته وبين ما جاءت به وثيقة قرطاج من صيغة توافقية للحكم.
وينص الفصل 89 من الدستور على أن الحكومة تتكون من وزراء وكتاب دولة يختارهم رئيس الحكومة بالتشاور مع رئيس الجمهورية بالنسبة لوزارتي الخارجية والدفاع. وأضاف الفصل 92 من الدستور على أن رئيس الحكومة يختص بإحداث وتعديل وحذف الوزارات وكتابات الدولة وضبط اختصاصاتها وصلاحياتها بعد مداولة مجلس الوزارة.. وبإقالة عضو أو أكثر من أعضاء حكومته.. ووفق هذا الفصل، فإن لرئيس الحكومة الاستقلالية التامة في إجراء التغييرات الوزارية وفق ما يراه صالحًا لحسن سير عمل الحكومة. باستثناء التشاور مع رئيس الجمهورية عند تعيين وزير الخارجية أو وزير الدفاع وعند إقالتهم.
وبالنسبة لحزب الغالبية في الانتخابات (نداء تونس) فإن الدستور لم يمنحه سوى حق اختيار رئيس الحكومة في البداية، ثم ينتهي تدخله في تسيير الحكومة أو في إجراء تغييرات على أعضائها.
وانبثقت منظومة الحكم الحالية (حكومة الوحدة الوطنية) عن وثيقة قرطاج التي أمضتها عدة أطراف في أغسطس/أب من العام الماضي والتزمت الحكومة بتنفيذها. هذه الوثيقة تعطي أيضًا – من حيث الشكل – الاستقلالية التامة لرئيس الحكومة عند إجراء التغييرات الوزارية، حيث لم تتضمن أيضًا أية إشارة إلى مسألة "التحوير الوزاري" ولم تضع أي شرط على رئيس الحكومة عند إجرائه بل تضمنت فقط توافقات من حيث المضمون أي البرنامج الذي التزمت الحكومة بتنفيذه. وبما إن يوسف الشاهد ينتمي إلى حزب الغالبية في الانتخابات (نداء تونس) فإن المنطق السياسي والحزبي يقتضي أن يعود إلى حزبه كلما فكر في إجراء تغيير وزاري. المنطق نفسه يقول إن لهذا الحزب الأولوية في الحقائب الوزارية على الأقل بالتوازي مع نتائجه في الانتخابات. وهو ما ذهب إليه أخيرًا حزب نداء تونس وتحديدًا مديره التنفيذي حافظ قائد السبسي بالتأكيد أولا على ضرورة إجراء تغيير وزاري وثانيا بتقديم "وصفة" لهذا التغيير: أن يكون "في العمق" وبإعادة هيكلة الحكومة والالتزام باختيارات الشعب التونسي التي عبر عنها في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2014 وأعطت ثقتها لحركة نداء تونس كحزب أول فائز. هذا المعطى يضع على الشاه
د عبئا ثقيلا وفق ما يمليه العمل السياسي من أخلاقيات" وهو عبء الانضباط الحزبي واحترام مواقف الحزب ورغباته.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن وثيقة قرطاج التي لا تفرض على الشاهد أية قيود أو شروط في تسيير حكومته وفي هيكلتها وشكلها، الا أن بعض الأطراف في الوثيقة يحاولون أيضا إملاء شروطهم.. وهو ما يحمل يوسف الشاهد مسؤولية معنوية كبرى تفرض عليه احترام مواقف الأطراف الموقعة على الوثيقة والمشاركة في الحكومة حاليا والأخذ بمقترحاتهم في إطار التوافق والتشارك الذي جاءت به هذه المنظومة وأعلنه رئيس الجمهورية عندما أطلق مبادرة حكومة الوحدة الوطنية.
ويدعو اتحاد الشغل إلى القطع مع المحاصصة الحزبية في التغيير الوزاري المرتقب واتباع مقاييس موضوعية أبرزها الكفاءة ونظافة اليد والتجربة والحنكة والتمتع بالروح الوطنية الحقيقية للأسماء التي سيتم اقتراحها إلى جانب إعادة هيكلة بعض الوزارات. وترفض حركة النهضة أيضًا عقلية "تقسيم المناصب"، مع التأكيد على احترام اختيارات رئيس الحكومة يوسف الشاهد. فهل يرضخ الشاهد لضغوطات وشروط حزبه وبقية الشركاء في منظومة حكومة الوحدة الوطنية أم يتمسك بالاستقلالية التي منحها إياه الدستور ووثيقة قرطاج؟