طرابلس - فاطمة سعداوي
تمكن الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر ، السبت ، من تحرير منطقة الجفرة التي كان دخلها عبر منطقة ودان ، الجمعة ، وأعلن آمر غرفة عمليات الجيش العميد عبدالسلام الحاسي تحرير مناطق الجفرة كافة ، بما فيها قاعدتها الجوية من مسلحي "سرايا الدفاع عن بنغازي" الذين انسحبوا منها.
ونشر الناطق باسم "اللواء 12 مجحفل" محمد الأفيرس شريطًا مصورًا يظهر دخول الجيش إلى مدينة هون ، آخر معاقل "سرايا الدفاع" في الجفرة ، وتمركز قواته أمام المجمع الإداري فيها.
وأفاد شهود بأن الجيش تمكن من التقدم إلى الجفرة بعد انتفاضة أهالي مدينتي ودان وسوكنة ضد عصابات المرتزقة من المعارضة التشادية ، بينما صدر أوامر وحدة التحري لتوقيف جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في الجفرة، محمد الشريف بأن اشتباكات ودان أسفرت عن سقوط 11 قتيلًا و8 جرحى.
ووقعت مواجهات الجمعة ، بين قوات عملية الكرامة الموالية لحفتر وقوات مجلس شورى مجاهدي درنة ، أدت إلى مقتل عنصر وجرح 2 آخرين من قوات الكرامة في محور بوضحاك جنوب مدينة درنة ، وذكر مصدر من مجلس الشورى أن قواتهم صدت الهجوم بعد أكثر من 8 ساعات من المواجهات.
على صعيد آخر، علّق الناطق بإسم الجيش الوطني العقيد أحمد المسماري السبت ، على إعلان رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج إنشاء 7 مناطق عسكرية في ليبيا تتبع له بصفته القائد الأعلى للجيش.
وقال المسماري إن قيادة الجيش مستعدة لاستقبال السراج ، إذا ما وافق على شروطنا ، من دون أن يذكر تلك الشروط ، مشيرًا إلى أنه لن يستطيع الموافقة لأن الميليشيات خلفه وعضوي المجلس الرئاسي العماري وكجمان لن يوافقوا.
واعتبر المسماري في مؤتمر صحافي عقده في بنغازي مساء الخميس ، قرار إنشاء 7 مناطق عسكرية في ليبيا ، باطلًا قانونيًا وأخلاقيًا وعسكريًا وغير توافقي ، والسراج لا يمتلك أي صفة قانونية أو عسكرية ليصدر قرارًا كهذا.
وأضاف المسماري "رئيس المجلس الرئاسي عبدالرحمن السويحلي وأمراء الحرب في طرابلس هم وراء هذا القرار ، ولهذا القرار أبعاد سياسية كبيرة ونستغرب صمت الجهة السياسية الممثلة في البرلمان ، حيث أن موضوع التقسيم خطر اجتماعيًا ولا يصب في مصلحة المصالحة أو الدولة الليبية ، نحن نسعى إلى التماسك والترابط".
وأكد المسماري أن لا أطماع سياسية لدى قيادة الجيش الليبي من خلال السيطرة على الجفرة وإنما هدفها هو القضاء على الجماعات المتطرفة ، مشيرًا إلى أن المعركة ضد التطرف هي معركة دولية وليست محلية فقط.
وتطرق المسماري إلى موضوع الضربات الجوية المصرية على درنة ، أكد أنها تمّت بالتنسيق مع السلطات الليبية ، موضحًا أن وجود قياديين للجماعات المتطرفة في درنة يعملون على إنشاء خلايا لضرب الجيش المصري.
وكشف المسماري عن تسجيل وحدات القوات المسلحة خلال الآونة الأخيرة هبوط طائرات عسكرية مقبلة من دولة قطر ، لافتًا إلى أن الشعب الليبي أقوى من المخطط القطري الداعم للتطرف.
ومن جانب أخر عززت مصر في الأعوام الأخيرة تسليحها في أفرع القوات المسلحة الرئيسة ، فزودت قواتها الجوية سربًا من طائرات "الرافال" الفرنسية قوامه 24 طائرة ، تسلمت منها 9 طائرات على مدى العامين الماضيين ، إضافة إلى تعزيز أسطولها الجوي من طائرات الأباتشي و "إف 16" ، فضلًا عن امتلاك طرازات متقدمة من المقاتلة الروسية "سوخوي".
كما شهدت القوات البحرية المصرية نقلة نوعية في تسليحها تمثلت في امتلاكها للمرة الأولى حاملتي طائرات من طراز "ميسترال" الفرنسية ترسو إحداها في البحر الأحمر والثانية في البحر المتوسط، فضلًا عن امتلاكها غواصة ألمانية حديثة تعاقد الجيش المصري على تزويده 4 منها ، وتسلم العام الماضي أولها، وهي نوع من الغواصات يمثل إضافة وقفزة تكنولوجية للقوات البحرية المصرية ، واشترت مصر فرقاطتين بحريتين من طراز "فريم" الفرنسي.
ويعد هذا التطوير في القوات البحرية والجوية رافقة تطوير في تسليح القوات البرية أيضًا، ممثلًا في تطوير صناعة الدبابة "أبرامز" في إطار مشروع مصري أميركي ، فضلًا عن تطوير التسليح الشخصي.
كثير من الصفقات العسكرية المصرية لا تُعلن تفاصيله، لكن الصفقات التي يُمكن اعتبارها إضافة نوعية أو تطويرًا غير نمطيًا لأسلحة الجيش يتم إعلانها ، ضمن سياسة تنويع مصادر التسليح التي اتبعتها مصر منذ عام 2013 بعد إطاحة الرئيس السابق محمد مرسي ، وممارسة الولايات المتحدة ضغطًا على الجيش المصري عبر تعليق واشنطن جزءً من المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر.
وهذه الصفقات الكبرى التي دخل الجيش المصري بمقتضاها مرحلة جديدة من التصنيف الدولي بامتلاكه للمرة الأولى أصنافًا من الأسلحة لم تكن ضمن منظومته العسكرية، أبرزها حاملات الطائرات ، طالما قوبلت بجدل داخلي ، إذ تعالت أصوات مطالبة بالحد من التسليح في تلك المرحلة التي تواجه فيها البلاد مشكلات اقتصادية هيكلية، وتوفير النقد الأجنبي لمواجهة تلك المشكلات ودفع الاقتصاد المتردي، لكن الرد غير المباشر على تلك المطالب كان يأتي على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي وقيادات عسكرية لتؤكد أن امتلاك تلك الأسلحة بات ضرورة في ظل ما تعانيه منطقة الشرق الأوسط من تعقيدات وتداخلات ، لحماية الأمن القومي المصري وسط منطقة تموج بالتغيرات والاضطرابات.
وتمثل الترجمة العملية لتلك التصريحات واقعًا في الضربة العسكرية الأخيرة التي وجهها الجيش المصري لمعوقل متطرفين في مدينة درنة شرق ليبيا تورطوا في دعم وتدريب عناصر شاركت في مذبحة قتل فيها نحو 30 مسيحيًا في صحراء المنيا ، أثناء رحلة دينية إلى دير الأنبا صموئيل ، وفقًا لما صدر من تصريحات رسمية مصرية.
وقال وزير الخارجية المصري ، سامح شكري ، إن معلومات دلت على أن معسكرات المتطرفيين في ليبيا تمثل خطرًا على الأمن القومي المصري ، جازمًا بأن منفذي هجوم ليبيا شنوا هجمات سابقة ضد مصر، وأنهم على صلة بالمعسكرات التي قصفت في ليبيا.
وحسب مسؤول أمني بارز، فإن منفذي هجوم المنيا يتبعون خلايا عنقودية "داعشية" تورطت في تفجيرات الكنائس التي أرقت مصر في الشهور الماضية ، وتلك المعطيات كافة دفعت مصر إلى ضرورة الرد ، لردع تلك التنظيمات ، وهو هدف تحقق في رأي وزير الدفاع الفريق أول صدقي صبحي ، الذي قال إن الضربة الجوية حققت نتائجها في ردع تلك التنظيمات ومن يدعمها.
واستهدف القصف المصري بحسب المعلومات المتوافرة، درنة والجفرة في الوسط، لتعزيز الوجود العسكري عند مثلث الحدود المصري ، الليبي ، السوداني ، وهي منطقة تمثل تحديًا أمنيًا بالنسبة إلى مصر، بسبب وعورة تضاريسها ، فضلًا عن استخدامها في تهريب المتطرفين والأسلحة ، مما يفسر انتقال درجة الخطر من المنطقة الشرقية في سيناء إلى المنطقة الغربية، خصوصًا في الجانب الجنوبي من الصحراء الغربية.
وتثار التساؤلات حول مدى إمكانية الجيش المصري من الرد في غضون ساعات بتوجيه ضربة جوية ضد معسكرات المتطرفين في درنة من دون التطوير الذي شهده على صعيد التسليح والتدريب في الفترة الأخيرة ، لينفيه مسؤول سابق في الاستخبارات ومستشار أمني جاري.
وأشار المستشار الأمني إلى أن قصف معسكرات المتطرفين بعد ساعات من قتل المسيحيين عمل ليس سهلًا ، حيث أن أول دلالة على هذا الأمر أن جهاز الاستخبارات والاستطلاع في الجيش وفي الاستخبارات العامة يمتلك معلومات مدققة عن تمركزات تلك الجماعات التي تقع على بعد نحو 200 كيلومتر غرب الحدود المصرية ، ولها طرق للوصول الآمن إلى منطقة الحدود على رغم سيطرة الجيش الوطني الليبي على المنطقة من درنة إلى مساعد الليبية المتاخمة لمدينة السلوم المصرية.
وأوضح المستشار الأمني أن البداية تكون دائمًا بتدقيق تلك المعلومات التي في حوزة أجهزة الاستخبارات المصرية مع معلومات الجيش الوطني الليبي الذي تدعمه القاهرة ، وبعد ذلك يتم البدء بتوجيه الضربة التي يشارك فيها أكثر من 60 طائرة استطلاع وتأمين ومقاتلات وتتم على مراحل، أولها الاستطلاع وتأكيد المعلومات من خلال طائرات استطلاع تنفذ مهمتها في ظل حماية جوية من الطائرات متعددة المهام التي ترافقها طوال خط السير وفي منطقة العودة، وطائرات لاكتشاف أي تهديدات أرضية وطائرة لتأمين الاستطلاع اللاسلكي وتأمين الأسراب حتى نهاية المهمة ، فضلًا عن توفير تأمين إلكتروني بواسطة تشكيلات عدة تمثل دعمًا إلكترونيًا لطائرات الضربة ، وبعد الاستطلاع والتأمين يبدأ تنفيذ الضربة الجوية عبر مجموعة من الهجمات الجوية المركزة التي تقتضي تأمينًا من القوات البحرية من ناحية الساحل ، وهذا التأمين تم على الأرجح من خلال حاملة الطائرات "ميسترال" الراسية في البحر المتوسط.
ولفت المستشار إلى أن الضربة الجوية تتم من خلال مجموعة من الهجمات المركزة على أنساق متعددة، منها نسق الحماية والتأمين من الدفاع الجوي المعادي، ونسق الإطلاق، ونسق المسح الذي يقوم بالتأكد من تدمير الأهداف المحددة، ونسق تأمين القوات حال استهداف إحدى طائرات السرب، وهذا النسق يكون جاهزًا لتنفيذ عملية إنزال محتمل لقوات "كوماندوز" من طائرات "الأباتشي" و"الشنوك" ، لتأمين منطقة التقاط الطيار في حال اضطراره إلى القفز، فضلًا عن أن أسراب "الأباتشي" الهجومي تكون مستعدة للهبوط لإعادة ملء خزانات الوقود.
وأوضح أن النتيجة المباشرة لتنفيذ الضربة الجوية في درنة بهذا المقدار العالي من الدقة والسرعة تُظهر كفاءة القوات ومدى التنسيق العالي في العمل الجماعي وارتفاع مستوى التدريب ، حيث أن الصفقات العسكرية الأخيرة جعلت مصر قادرة على توسيع مسرح العمليات العسكرية ليطاول نقاطًا خارج أراضيها ، وهو أمر بات ضروريًا في ظل الأوضاع التي تشهدها المنطقة حاليًا.
وأضاف المستشار الأمني أن طائرات "الرافال" الفرنسية التي امتلكتها مصر هي طائرات متعددة المهام، وتحقق السيطرة الجوية بدرجة عالية، وتملك خصائص فنية وأنظمة قتالية متطورة، فضلًا عن أنها مزودة أنظمة استطلاع وقتال في الوقت ذاته، ويمكنها تعقب العديد من الأهداف الجوية والأرضية وصد الهجمات المعادية.