روما ـ ريتا مهنا
خرج الرئيس الإيطالي سيرغيو ماتاريلا، عن صمته الذي استمر لأعوام، حتى أن رئيس الوزراء الإيطالي السابق سلفيو بيرلسكوني، وصفه بغير المرئي، واللطيف لدرجة الهشاشة، وقارنه في إحدى المرات بالراهب، إذ قرّر الرئيس ذو الشعر الأبيض الإثنين، رفض تعيين وزير الاقتصاد في الحكومة الجديدة لأنه معادٍ لليورو، ليصبح بذلك الشخصية الأكثر جدلا في السياسية الإيطالية والأوروبية.
الرئيس يُثير جدلًا سياسيًّا
أمر الرئيس بتشكيل حكومة تكنوقراط، وبعد ذلك أشاد به البعض، ووصفوه بحامي شجاعة الديمقراطية الإيطالية، والمحافظ على المؤسسات والصحة المالية للبلاد، لكن على الجانب الآخر، أبدى الشعبويون غضبهم من قرار الرئيس، واصفين ذلك بتجاوز لحدوده الدستورية، وسيطرة أوهام العظمة عليه، ومنعه إرادة الشعب وتدمير الديمقراطية الإيطالية.
ومع عدم الاستقرار الذي سيطر على الأسواق الإيطالية، صباح الإثنين، بسبب الأحداث السياسية الإيطالية، أعطى ماتارلا تفويضًا جديدًا لتشكيل الحكومة، لكارلو كوتاريللي، وهو اقتصادي ومسؤول سابق في صندوق النقد الدولي، والذي قال للصحافيين إنه سيشكل حكومة تسيير أعمال، بهدف تمرير الميزانية وتوجيه إيطاليا إلى انتخابات جديدة.
وإذا صوّت البرلمان لصالح حكومة تسيير أعماله، فستجرى الانتخابات في أوائل عام 2019، وإذا لم يحدث ذلك، وهو الأمر الذي يبدو أكثر ترجيحا، فسيتوقف على الفور، وستُجري الانتخابات في وقت ما بعد أغسطس/ آب.
الهدف طمأنة المستثمرين الأجانب
يبدو أن الهدف الرئيسي للسيد كوتاريللي، هو ضمان طمأنة المستثمرين المتوترين في إيطاليا والخارج، بأن البلاد في أيد أمينة، حيث قال "بالطريقة المطلقة فإن الحكومة بقيادتي ستضمن وجود إدارة حذرة لحساباتنا القومية، كما أن مشاركة إيطاليا المستمرة في منطقة اليورو أمر أساسي".
كان ولاء السيد ماتاريللا، لليورو هو الذي دفع إلى انهيار حكومة حركة خمس نجوم والرابطة المناهضة للاتحاد الأوروبي والمهاجرين.
وقرّر الرئيس الإيطالي أن وزير الاقتصاد المقترح بولو سافونا، يحث على تركل منطقة اليورو، ويمكن أن يقود إيطاليا للتخلي عن المنطقة دون مناقشة عامة كافية، إذ إن له مواقف غامضة ومتغيرة بشأن هذه القضية.
الشعبويون يتعهدون بإقالة الرئيس
استخدم السيد ماتاريلا صلاحيته الدبلوماسية لمنع الحكومة الجديدة لحماية حسابات التوفير الإيطالية، وأعاد الأحزاب الشعبوية المعادية لليورو إلى انتخابات جديدة.
وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي في صحيفة كورييري ديلا سيرا، فرانشيسكو فيرديرامي، الإثنين، إن التصويت المقبل سيكون استفتاء على أوروبا وعلى اليورو والنموذح الدستوري الإيطالي، لأنه من الواضح بنفس القدر أن رئاسة الجمهورية تعرضت للتهديد بالإقالة، خلال الحملة الانتخابية، وستكون الانتخابات واحدة من أهداف القوى الشعبوية والقومية لفعل ذلك.
ودعا لويجي دي كايو، القائد السياسي لحركة خمس نجوم، أعضاء الحزب لمعارضة ماتاريلا، واصفًا ما حدث بأكثر الليلالي ظلامًا في الديمقراطية الإيطالية، وطالب الشعب بتعليق الأعلام الإيطالية على النوافذ، والسير في الشوارع، والتعبير عن غضبهم على مواقع الاجتماعي.
وكتب دي مايو، منشورًا عبر موقع "فيسبوك"، قائلًا إن السيد ماتاريلا أثار مشكلات في السوق من خلال خلقه لحالة عدم اليقين، مؤكدًا "لا نريد ترك اليورو"، واصفًا أن ترك اليورو مزاعم اختلقها مستشارو ماتاريلا.
الرئيس يثير جدلًا بين الدستوريين
اتهم العديد من المحللين والسياسيين السيد سالفيني، الذي رفض طلب السيد ماتارلا باستبدال وزير الاقتصاد المقترح بمسؤول كبير في الجامعة، بتفجير الحكومة بشكل يهدف لزيادة الدعم الانتخابي في الانتخابات الجديدة، كما أنه يريد أن يكون رئيس الوزراء.
وأعلن الأعضاء البارزون في حركة الخمس نجوم أن حكومة التكنوقراط الجديدة قتلت فور وصولها، وقالوا إنهم سيقدمون إجراءات مساءلة ضد السيد ماتاريللا في البرلمان.
وجادل البعض بأن النكسة المحتملة والمخاطر المتمثلة في الانتخابات المقبلة تستحق إبقاء الشعبويين في الحكم، حيث إنهم أظهروا أيضًا عدم اكتراث المؤسسات الإيطالية.
وكتب ماريو كالابريس، محرر في صحيفة لاريبويليكا اليومية ذات الميول اليسارية، في مقالته الافتتاحية في الصفحة الأولى "إذا كان الرئيس قد استسلم للإنذارات والتهديدات، وإذا تراجع عن اعتراضه، فإن ضوابط وتوازنات الدولة ستنكسر إلى أجزاء في الحالتين".
برلسكوني يساند الرئيس الإيطالي
وقدم السيد برلسكوني، رئيس الوزراء السابق والشريك في الائتلاف للسيد سالفيني، دعمه للسيد ماتارلا، قائلاً إن حركة خمس نجوم غير مسؤولة كما هو الحال دائمًا، وتتحدث دائما عن الاتهامات والمساءلة، مؤكدًا أن حزب "فورزا إيطالي" ينتظر تقرير الرئيس، ولكن وقت الضرورة سيكون جاهزًا للتصويت.
وتسببت تلك اللغة الداعمة في ظهور علامات على حدوث كسر مع السيد سالفيني، الذي قال إن دفاع برلسكوني عن السيد ماتارلا جعله يبدو مثل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، كما ألمح السيد سالفيني إلى أنه كان مستعدًا للتنافس مع حركة خمس نجوم في الانتخابات المقبلة، قائلاً إن الأجندة السياسة التي توصل إليها الطرفان لم تكن ورقة خردة، وأنه كان هناك قاعدة جيدة للعمل معاً.".
وكشف سالفيني وحركة الخمس نجوم عن لغة الحملة التي اتهموا فيها إيطاليا، بالاحتجاز كرهينة من قبل ألمانيا، والأسواق الدولية، والمصرفيين، والرئيس الإيطالي.
وناقش الدستوريون في إيطاليا، ما إذا كان السيد ماتارلا، مارس وضمن حقوقه، ففي صحيفة كورييري دي سيرا، قال ماسيمو لوسياني، أستاذ القانون الدستوري في جامعة لا سابينوا في روما "إن الرئيس مارس حقوقه الدستورية، لأنه يعتتقد بأن اختيار وزير معين لوظيفة حكومية رئيسية يضع مصلحة بلادنا في خطر، وهذا تقييم مؤسسي"، وكلن باولو فلوريس داركيس، أستاذ القانون، كتب في مجلة السياسية ميكرو ميغا، أن الرئيس يستطيع الاعتراض على تعيين وزير، إذا وجد أن سلوكه يتعارض مع الشرف، ولكن الاعتراض كان على معارضة وزير الاقتصاد لمنطقة اليورو، وبالتالي يقع ذلك خارج صلاحيات رئيس الجمهورية.
وتعرضت السوق المالية الإيطالية لاضطرابات بسبب رفض السيد مارتالا للوزير وحل الحكومة، وأكد محللون في البنك المركزي الألماني أن التطورات السياسية في إيطاليا ن المرجح أن تبقي أسواقها المالية في حالة عدم يقين.
وانخفض مؤشر الأسهم الرئيسي في إيطاليا بأكثر من 2%، في تعاملات بعد الظهر في أوروبا، وتضررت السندات الإيطالية.
واتسعت الفوارق بين السندات الحكومية الإيطالية ونظريتها الألمانية بشكل كبير منذ بداية العام، مما يشير إلى أن المستثمرين ينظرون إلى الديون الإيطالية باعتبارها استثمارًا أكثر خطورة.