الرباط - المغرب اليوم
يتوجَّسُ صنّاع القرار المغربي من ضعفِ المشاركة السّياسية في الانتخابات التّشريعية المرتقب أن تشهدها المملكة في عام 2021، ويظهرُ هذا التّوجس في مطالبة بعض الأحزاب القريبة من السّلطة بتطبيقِ إلزامية التّصويت كخيار لمواجهة "شبح" العزوف الانتخابي، والذي تكرَّرَ خلال آخر محطة انتخابية في المغرب.
هذا العزوف بدا واضحاً كتوجّه تعبيري يعكسُ سخطاً مجتمعياً من الوضع السّياسي والاقتصادي في البلاد؛ وهو ما دفع الملك محمّدا السّادس إلى المطالبة بصياغة نموذج تنموي جديد، وإفساح المجال أمام الشّباب للدّخول إلى الساحة السّياسية عوض ركوب قوارب الهجرة.
ولعلّ المتتبّع للمشهد السّياسي المغربي سيلاحظُ أنّ الأحزاب فقدت الكثير من قوّتها التّأطيرية ولم تعد تؤثّر في الرّأي العام، حسب العديد من المتتبّعين، الذين حذّروا من "مغبّة تسجيل أدنى نسبة تصويت في الانتخابات المقبلة على غرار ما وقع عام 2007، والتي بلغت 37 في المائة فقط".
ويبدو أنّ المغرب مقبل على تسجيل أدنى نسبة تصويت خلال الانتخابات المقبلة. ولعلَّ من تمظهرات هذه الحالة "حملة المقاطعة" التي انتشرت على مواقع التّواصل الاجتماعي، كما أنّ المشاركة في الشأن العام والانخراط في الأحزاب لم تعد يجذب الشّباب، إذ لا تتعدّى نسبة الشباب المنخرطين في حزب سياسي 1 في المائة، حسب بحث سابق أنجزته المندوبية السامية للتخطيط.
مصادر مسؤولة أكد أن أكبر تحدّ يواجه الانتخابات التشريعية المقبلة في المغرب هو العزوف السياسي وليس تغيير القوانين الانتخابية، حيث انتقدت "ضعف الأحزاب السياسية في تأطير المواطنين المغاربة، خصوصا فئة الشباب التي باتت لا تؤمن بالعمل السياسي".
وخلال محليات 2015، طالبَ المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالسّماح لحاملي السّلاح بالتصويت في الانتخابات، باعتبارهم "مواطنين مغاربة لهم كامل الحقوق السّياسية والمدنية. مطلبُ إشراك الجيش في العملية الانتخابية يبدو من الخيارات التي يمكن الارتكان إليها لتفادي السّقوط في "اختبار "2021.
وطالبت أحزاب معارضة آنذاك بالسّماح لحاملي السّلاح، بمن فيهم حراس الغابات وموظّفو السجون وأيضا شرطة المرور الذين ليس لهم وظيفة أمنية ومع ذلك يدخلون ضمن نطاق العسكريين وبالتّالي فهم ممنوعين من حق الانتخاب.
ومثّلت خطوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آنذاك، فرصة حقيقية لتجديد النّقاش حول مشاركة الجيش والأمنيين في الانتخابات، حيث طالبت بتعديل القانون 57.11 الخاص باللوائح الانتخابية العامة، بشكل يسمح لحاملي السلاح من رجال درك وأمن ومخابرات بالمشاركة في الانتخابات.
وظلّت الأحزاب المغربية ترفضُ التّعاطي مع هذا الموضوع بمبرّر أنّ مؤسسة الجيش لا يجب أن تنخرط في الحياة السّياسية، ويجب أن تحافظ على حيادها التّام بعيداً عن الصراعات الحزبية والانتخابية؛ بينما يرى بعض المتتبعين أنّ "هناك وظائف شبه عسكرية لا يحمل ممتهنوها السّلاح، لكنهم مع ذلك ممنوعين من ممارسة الحق السياسي في التصويت".
اقتراحُ المجلس الوطني لحقوق الإنسان السماح بمشاركة الجيش في الانتخابات وتمكين أعوان القوة العمومية وسائر الأشخاص الذين أسندت إليهم مهمة أو انتداب من حق التّصويت يعتبره المحلّل مصطفى السحيمي "بعيداً عن المنطق"، مبرزاً أنّ "العسكريين المغاربة يجب أن يظلّوا بعيدين عن المجال السّياسي".
وعلى الرغم من "توجّس" السحيمي من خطوة السّماح لأفراد القوات المسلّحة بالتّصويت في الانتخابات، فإنّه يعتبر "هؤلاء مواطنين مغاربة يتمتعون بكامل الحقوق المدنية التي يكفلها الدّستور"، مؤكّداً أنّ "الحسن الثّاني كان قد حسم في هذا الموضوع، ورفضَ بشكلٍ قاطع أيّ مناورة في هذا الاتجاه".
ويرى السحيمي أنّ "تسْييس" الجيش خطير للغاية؛ لأنّ الأمر "يتعلّق بمؤسسة حساسة وفتح المجال أمام العسكريين للانتخاب والتّصويت سيحدث انقساماً داخل المؤسسة العسكرية، بين من سيشارك ومن سيقاطع، كما سينتج عنه اختلافات في دعم الأحزاب بعينها"، مردفاً: "لا نريدُ انتخابات وسط الجيش، يجب الحفاظ على الوضع كما هو بشكله الحالي".
وقال السحيمي إنّ "الأمر يتعلق بجسم متجانس "corps homogène"، يجب أن يحافظ على وحدته وعلى حياده التّام"، مبرزاً أنّه "يجب أن تكون هناك اقتراحات جديدة خارج النّسق العسكري بتوجيه من الأحزاب والنّقابات".
من جانبه، يرى المحلّل عبد الصّمد بلكبير أنّ "إدارة الدّولة المغربية لا تملك الشّروط والأدوات للتفكير في هذا الموضوع"، مبرزاً أنّ "هناك فئات من حاملي السّلاح يمكن أن تشارك في الانتخابات؛ من بينهم حراس الغابات وموظفو السّجون". وتابع: "هناك توجه لإقرار إلزامية التصويت في المغرب، وهذا ليس في صالح الدّيمقراطية".
وقال بلكبير إنّ "ظاهرة العزوف الانتخابي حالة عامة في كل المجتمعات"، لافتا إلى أنّ "مساحة ممارسة السّياسة في البلاد تضيق وتتقلّص؛ بينما يتّسع في المقابل الحقل الثّقافي والمدني والخيري"، مشيرا إلى الاضمحلال التّدريجي لإدارة الدّولة.
وقد يهمك أيضا" :
أزمة فقدان الطوابع المالية تّربك مؤسسات لبنان والمسؤولون يتنصلون من تبعاتها
محمد علاوي يوضح سبب اعتذاره عن تشكيل الحكومة العراقية