الدار البيضاء - جميلة عمر
ناقش حقوقيون وقضاة وأطباء مختصون في الأمراض النفسية والعقلية، الجمعة، في الدار البيضاء، مشكلة "السجن والصحة العقلية في المغرب"، وذلك في إطار يوم دراسي نظمه: المرصد المغربي للسجون والمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي.
وخلال كلمة افتتاحية أكد رئيس "المرصد المغربي للسجون" عبد الرحيم الجامعي، أنّ الحق في الصحة يعتبر حقًا من حقوق الإنسان المنصوص عليها في القانون الدولي، ومن الحقوق المقررة دستوريًا في المغرب، مبرزًا أنّ العناية الصحية بالسجناء التي تؤول مهمتها إلى المندوبية العامة للسجون، تعد من المواضيع المعقدة التي تشكو منها السجون وتواجه آثارها على مستويات مختلفة.
وأوضح الجامعي في معرض تشخيصه لوضعية الصحة العقلية والنفسية في السجون، أنّ هناك مجموعة من التجاوزات المتمثلة في ضعف وقلة الإمكانات المادية والبشرية والطبية، وانعدام مصحات للطب النفسي والعقلي داخل المؤسسات السجنية وغياب خبراء متفرغين ومؤهلين لمعالجة هذا النوع من الأمراض.
كما أشار إلى أنّ السجن يعتبر في حد ذاته فضاء لانتعاش الاكتئاب ويؤدي إلى الإحساس بالملل والقلق والإحباط والتعب، ناهيك عن عوامل أخرى ذات الصلة بظروف الاعتقال وبظاهرة الاكتظاظ.
وأضاف أن هناك تجاوزات قانونية تتجلى في عدم مواكبة الظهير الخاص بمعالجة الأمراض العقلية والنفسية في المغرب، المحدث عام 1959، لوضعية الأمراض العقلية والنفسية، أضف إلى ذلك التدخل الضعيف لوزارة "الصحة" في مجال السجون والصلاحيات المحدودة لوزارة "العدل" في عمليات المراقبة ونوعية وفعالية العلاقات بين وزارات: العدل والصحة والتضامن والشؤون الاجتماعية.
من جهتها تحدثت عضوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان السعدية وضاح، عن أهمية الزيارات التي تم إجراؤها في عدد من السجون للوقوف على وضعية السجناء وحقوق المرضى في المؤسسات الإصلاحية في المغرب، وما تمخض عنها من توصيات مهمة تهم البنيات التحتية والتجهيزات والموارد البشرية وأيضًا الجانب التشريعي، وتبرز غياب سياسة عمومية مندمجة لحماية السجناء المرضى، اعتبارًا لتداخل عدد من القطاعات العمومية.
ونبهت وضاح لمناسبة مشروع مسودة إصلاح القانون الجنائي، إلى ضرورة الاهتمام بموضوع الطب النفسي وتعميق المقترحات في شأنه.
وبيّن مدير الأبحاث والاتصال في المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي الهيثم الشبلي، أنّ الاهتمام بموضوع الصحة العقلية داخل السجون، لم يظهر إلا في الأعوام القليلة الماضية، موضحًا أنه يكاد يكون جديدًا من حيث طرحه على ساحة اهتمام المؤسسات السجنية، ومشيرًا إلى أن هناك قوانين وضعت عام 1955، وتنص على المعايير الدنيا لمعاملة السجناء مفترضة أن السجين يعاني بالضرورة من الآثار السلبية للاعتقال التي تنعكس جليًا على سلوكاته ووضعيته النفسية وتجعله في أمس الحاجة إلى رعاية في مجال الصحة النفسية والعقلية.
وتابع الشلبي أنّ هذه التشريعات القانونية تطورت في ما بعد لتظهر معها معايير جديدة تعرف بمعايير بانكوك، وتوصي بتمتيع السجين، وخاصة منه المريض نفسيا وعقليا، بحد أدنى من العناية الصحية التي يلاقيها الإنسان الذي ينعم بحريته خارج السجن.
أما رئيس مصلحة الطب النفسي في المستشفى الجامعي "ابن رشد" في الدار البيضاء البروفسور عمر بطاس، فعالج موضوع "الحماية العلمية والطبية للسجناء المرضى نفسيا وعقليا.. أية مسؤولية"، لافتًا إلى ارتفاع عدد طلبات التدخل الطبي لفائدة المصابين بالأمراض العقلية والنفسية في السجون وموضحًا أن عددًا من بلدان العالم تعرف الظاهرة نفسها.
وشدد بطاس على أنّ هذه الظاهرة لها علاقة بعالم السجون وارتفاع عدد المعتقلين الاحتياطيين والموضوعين في إطار الحراسة النظرية، مذكرًا بدوره في النقص الحاصل في الموارد البشرية، خصوصًا منها المكونة في الطب النفسي، وبضعف تكوين الحراس وكيفية معاملتهم للسجناء المرضى نفسيًا وعقليًا.
وأردف أنّ فضاء السجن يساعد على تفاقم الأمراض النفسية، إذ يجمع بين سجناء تختلف جرائمهم وتتباين اضطراباتهم النفسية، وأهمها أمراض المزاج والاكتئاب والانفصام والإدمان والأمراض العصبية.
ولم تفته الإشارة إلى ظاهرة الانتحار في صفوف هذا النوع من المرضى وإلى أهمية الوقاية والتكوين المستمر للعاملين في السجون، مبرزًا أنّ السجن والصحة العقلية إشكال يتطلب تفكيرًا جماعيًا، فالمسؤولية لا تعود لإدارة السجون لوحدها، بل تعود أيضا للمنظومة الصحية التي لا تستطيع المواكبة ولا العلاج.
وقال رئيس قسم الرعاية الصحية في المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج توفيق أبطال، إن موضوع الصحة العقلية في السجون يمثل بالنسبة إلى المندوبية مشكلة أساسية، مؤكدًا من جهته أن هناك تخصص في الأطر والتجهيزات والبنيات التحتية، ونوهًا إلى أنّ وضع الصحة النفسية والعقلية يدعو إلى القلق وفق الدراسة الميدانية التي أنجزتها وزارة الصحة العمومية، وذكّر بالإطار القانوني الذي يؤطر العمل الصحي داخل السجون مقدمًا أرقامًا بخصوص المؤسسات السجنية في البلاد ومراكز الإصلاح والتهذيب 77 وعدد النزلاء بها إلى غاية نيسان/ابريل 2015 74 ألف و920 سجين وألف و844 سجينة، 3995 من مجموعهم مصابون بأمراض عقلية ونفسية.
واستطرد أنّ عدد الأطباء: 77 طبيبًا عام 2014، والممرضين 50، موجهًا إلى توظيف أخصائي في الأمراض العقلية والتعاقد مع ستة آخرين وتوظيف 32 مختصًا في علم النفس و16 مساعدًا اجتماعيًا، واسترسل أنّ هناك طبيب لكل 787 سجين وطبيب أسنان لكل ألف و228 سجين، وممرضًا لكل 192 سجين.
وزاد أن الجهود المبذولة في مجال الخدمات الطبية المقدمة للسجناء المرضى عقليًا ونفسيًا، تبقى من دون مستوى طموحات المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، مذكرًا للمناسبة ببعض الإكراهات والصعوبات وجسامة المسؤولية المناطة بطبيب المؤسسة السجنية في تدبير الشأن اليومي.
وشدد بدوره على وجود إكراهات ذات صلة بطبيعة الفضاء السجني، من قبيل الاكتظاظ وما يخلفه من آثار سلبية على صحة السجناء وسلامتهم النفسية، وأخرى مرتبطة بالإمكانات البشرية، مثل عدم توفر بعض المؤسسات السجنية على أطباء قادرين، وقلة الأطر شبه الطبية المتخصصة في الأمراض العقلية، ناهيك عن إكراهات تتعلق بالخدمات الطبية المقدمة في المستشفيات العمومية وضعف الطاقة الاستيعابية لمستشفيات الطب النفسي.