فجيج-المغرب اليوم
في الثالث من أيار(مايو) الماضي حلّت الذكْرى الخامسة لرحيل المفكّر والفيلسوف المغربي محمد عابد الجابري، وقد مرَّت الذكْرى في شبْه صمْت، رُغم المقام العالي لصاحب "نقد العقل العربي" ودوره البارز في خلخلة ورجّ برْكة ذات الفكر، وكانَ منَارةً فكريّة وإنْ أزعجَ نورها الساطعُ عيونَ البعْض ممّن لم يتقبّلوا حصّة الصدمات الكهربائية التي أخضع لها ابن مدينة فجيج العقلَ العربيَّ طيلة حياته.
اجتمع ثلّة من المثقفين في لقاءٍ استضافَ المخرج السينمائي المغربي عز العرب العلوي، الذي أنجز فيلمًا وثائقيًا عن حياة محمد عابد الجابري بُثّ على شاشة قناة "الجزيرة" القطرية، وكان اللقاء، وإنْ كانَ مخصّصا لمناقشة الفيلم الوثائقي، مناسبةً لاستحضار الدّورِ البارز الذي لعبَهُ محمد عابد الجابري، ليسَ في المجال الفكري فحسبُ، وإنّما في المجال السياسي أيضا.
المُخرج عز العرب العلوي ذكر خلالَ اللقاء الذي نظمته مؤسسة محمد عابد الجابري، أنّه ارتأى الاشتغال على التعريف بأعلام المغرب "لأنّ ثمّة تعتيما عليها"، واعتبرَ العلوي أنَّ هدفه من الفيلم الوثائقي هُوَ تقديمُ فكر الجابري إلى المتلقّي العادي الذي لا يعرفه بطريقة بسيطة، مضيفًا، "بالنسبة لي هذا ربْح كبير، وهذه بداية للبحث".
ولَئنْ كانت ذكرى رحيل الجابري الخامسة قدْ مرّتْ في صمْتٍ أشبَه بالصمت الذي تَلا لحْظة وداعهِ الأخير، فإنَّ النقاشات الأكاديمية التي تدُورُ بيْن فيْنة وأخرى حوْل مسار الرجل الحافل، لا ترْقى إلى مُستوى قامته الفكريّة، ويُعبّرُ عن ذلك بكثير من الامتعاض عبد القادر الخضري، صديقُ الفيلسوف الراحل، "لستُ مقتنعا بمستوى النقاش الأكاديمي الدائر حوْل الجابري".
وبالنبرة نفْسها تحدّث الوزيرُ السابق عبد الله ساعف، وأحَدُ الذين قدّموا شهادتهم في حقّ الجابري في وثائقيِّ عزّ العرب العلوي، فإنتاجُ "جرّاح العقل العربي"، بالنسبة لساعف "أقْوى بكثير ممّا نتصوّر"، ويُلْقي ساعف جُزءً من المسؤولية على الإعلام، الذي يرَى أنَّ أقلامَ أهْله لمْ تسْبرْ بما فيه الكفاية أغوارَ محْبرة الجابري لتكشف كلّ كنوزها لغيْر المطّلعين عليها.
ويُعبّر الوزيرُ الأوّل السابق عبد الرحمان اليوسفي، في شهادته خلال الشريط الوثائقي عن ثِقْلِ الوزْن الفكري والسياسي لمحمد عابد الجابري، كاشفا أنّه حينَ تولّى مهمّة قيادة سفينة حُكومة "التناوب التوافقي" في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، استشاره في بعْض أعضاء الحكومة، وأخذَ بنصائحه "فطّبّقتُ منها ما استطعتُ تطبيقه وتخلّيت عمّا لم أستطع تطبيقه".
ويحْكي اليوسفي عن خصال الجابري، فيلفت إلى أنّه كان يتهرّب من كل ما هو رسميّ، ويتفادى حضور حفلات التكريم والأوسمة، وكلّ ما يمْكن أن يُضيّق على حرّيته واستقلاليته.
ويُعلّق المفكّر نور الدين أفاية على ذلك بجُملة معبّرة، "لقد انتصر فيه الجانب الفكري على جانب السلطة، وكان ذلك مكسبا للمغرب والمغاربة".
ويُضيف أفاية، "كنتُ أتمنّى لو كان حاضرًا في الظرفية الراهنة، ليقترح على الفكر العربي ما يتميّز به فكره من تنوير".