برلين ـ وكالات
"موسيقى غير إنسانية" هو عنوان مهرجان أقيم في برلين وعرضت فيه أشكال مختلفة من الموسيقى التي يغيب أو يتضاءل فيها دور العنصر البشري، وبدلا من ذلك تتولى الروبوتات المهمة، أو أنها مستوحاة من عالم الحيوانات وبمشاركتها أيضا!من المعروف عن العاصمة الألمانية برلين أنها تمثل مركزا للموسيقى التجريبية الإبداعية. فقد نشأت فيها مواهب موسيقية فذة، سواء في جانب التقنيات الإبداعية أو موسيقى الجاز الحر والبوب وغيرها، وهي إبداعات صنعتها الملكة الإنسانية بطبيعة الحال. لكن هناك نوع مختلف من الموسيقى عرض في مهرجان "بيت ثقافات العالم" في برلين مؤخرا، وهو ما أطلق عليه بـ "الموسيقى غير الإنسانية". ويقصد بذلك الموسيقى التي تعزفها الآلات والروبوتات أو حتى الحيوانات دون مشاركة العنصر الإنساني أو أن يكون دوره ضئيلا جدا وجانبيا. مهرجان "الموسيقى غير الإنسانية" الذي استمر أربعة أيام جاء بمناسبة انطلاق مشروع "أنثروبوسين" (Anthropocene) الذي يربط بين التغيرات المناخية ودور الإنسان.ويهدف المهرجان إلى حث الزوار على التفكير في الإنسان نفسه "من هو؟ وما هي حدود قدراته؟ من أين جاء وإلى أين يذهب؟"، حسب تعبير ديتليف ديدريشزن، المسؤول في المشروع. والفكرة تهدف إلى التنحي جانبا والنظر إلى الجانب الإنساني بعيون مختلفة، حسب تعبيره. ولذلك جاء التفكير في الموسيقى لتحقيق هذا الهدف باعتبارها أكثر قربا من الإنسان وبعد أن قمنا بتنحية "كل ما يتعلق بالفعل الإنساني جانبا". ويعتقد ديدريشزن أنه من خلال ذلك يمكن تكوين صورة جديدة عن الجنس البشري وتصور ما يمكن أن يقوم به. لكن إلى أي حد يمكن تجريد أي عمل من هذا النوع من البعد الإنساني؟ النحات كولجيا كوجلر يتحفظ في الإجابة على هذا التساؤل، مشيرا إلى أنه قام فقط بعمل البرمجة الأساسية تاركا للروبوتات تقرير تحريك الآلات بطريقة أوتوماتيكية، فالروبوت أو الإنسان الآلي له إرادته المستقلة وطريقته الخاصة، حسب تعبيره.وبعيدا عن عالم الآلات (الروبوتات) قدم الموسيقار دافيد روثنبيرغ، من ولاية أوهايو الأمريكية، نوعا آخر من الموسيقى في ألبومه "بوجز" مستخدما آلات نفخ خشبية وأزيز الحشرات في عزف سيمفونيته الموسيقية، فالرجل يحب الموسيقى المستوحاة من الطبيعة ومن عالم الحيوان. يقول روثنبيرغ من السهل تقنيا تسجيل الأصوات المصاحبة، لكن التحدي هو عندما يكون العزف بمصاحبة مخلوقات حية.ويكون العزف أصعب مثلا بمرافقة أصوات جمل البحر، أو ما يعرف بالحوت الأحدب، فهذه الحيتان تغني بنغمات معقدة وطويلة، لكنه في بعض الأحيان يستطيع أن يوافق بين أصواتها وبين عزفه. ويضيف الموسيقار الأمريكي بالقول إنه يعتقد "أن الحيوانات تعزف كل أنواع الموسيقى. وفي الطبيعة يجد المرء عناصر موسيقية أكثر مما هو موجود في اللغة".طريقة مختلفة من العزف الموسيقى عرضت في مهرجان "بيت ثقافات العالم" بواسطة الموسيقار أندرو بيكلر، المتخصص في مجال الموسيقى الإلكترونية. فكرة هذا النوع من الموسيقى تقوم على أساس الطلب المسبق من خلال الضغط على رقم معين في جهاز يشبه جهاز الهاتف المحمول وبالتالي يقوم الجهاز بالاتصال بالآلات التي تقوم تلقائيا بعزف الموسيقى.وحسب ديدريشزن فقد جذب المهرجان الشباب بصفة خاصة، مشيرا إلى أن الزوار يذهبون من خلال هذا المهرجان في رحلة إلى عالم جديد ومثير من الموسيقى. ويعترف المسؤول الألماني بأن المهرجان ربما أثار أسئلة أكثر مما قدم إجابات. والأهم في رأيه هو أن الناس يتخلون عن الاعتقاد بأن الموسيقى التي تعزفها الآلات الميكانيكية هي تشويه للموسيقى الأصلية، كما هو الحال مثلا مع موسيقى يوهان سباستيان باخ، التي يعتبرها البعض مقدسة ولا يقبل أن تعزفها آله ميكانيكية. ويعرب ديدريشزن عن أمله بأن يفكر زوار المهرجان بعمق حول الإنسانية والغرور الإنساني. وستقام في هذا العام أيضا فعاليتان في "بيت ثقافات العالم" حول "الموسيقى الشريرة" و"الموسيقى الغبية"!