الرباط - يوسف عصام
تـتـضح قيمة العمل الفني وجماليته من خـلال اللمـسة الفنيـة التي يضفيــها الفنان لتتفـاعل معـها النفــس وترحـل بهــا في فضــاءات منفصلة عن الـواقـع وكلها تمثلات تنبعث من قدرة الفنان على عكس شخصيته وإفراغ ما تشحنه نفسيته في أعماله الفنية.
هذا ما يميز أعمال الفنان المعطي حصاري، الذي تجعلك لوحاته تعي وتدرك أنها ترجمة لما يقع في اللاشعور من تراكمات اجتماعية، اقتصادية وسياسية لا يمكن التعبير عنها بشكل آخر.
المعطي حصاري من مواليد مدينة الفقيه بن صالح ترعرع في منطقة سهل تادلة الدائم الإخضرار، مما أثر في تكوينه وبناء شخصيته وموهبته، بعد إنهاء دراسته الابتدائية والإعدادية بالفقيه بن صالح توجه إلى مدينة مراكش التي حصل فيها على شهادة البكالوريا في تخصص الفنون التشكيلية، ثم درس سنتين من الأدب الفرنسي في جامعة القاضي عياض بنفس المدينة، والتحق بالمركز التربوي الجهوي في الرباط السويسي حيث حصل على دبلوم التخرج كأستاذ للتربية التشكيلية بمدينة أبي الجعد بإقليم خريبكة، التي نهل الكثير من رحيقها الفني وتأثر بأعمال ابنها الفنان الكبير أحمد الشرقاوي رائد الفن التشكيلي التجريدي في المغرب.
تأثر حصاري بالمدرسة التجريدية، وحبه الكبير للخط العربي، جعله يمزج بين الاثنين، ويحرص في أعماله على تحوير الحرف العربي عن مضمونه اللغوي والانتقال به إلى التجريد، وعن هذا الأسلوب يقول الفنان حصاري أنه ترجمة لأحاسيس دفينة في أعماق النفس، مما جعله يتحمس للشكل الهندسي النقي، وينجح في بث الروح في أشكاله الهندسية كالمربع والمستطيل والدائرة والخط المستقيم والمنحنى من خلال تجسيدها في شكل رموز متجذرة في التراث المغربي: تراث الأجداد كالوشم والحناء والزربية. وبحكم تأثر الفنان بهذا الفن الذي يعتبر جزءا من المعارف التي تحيل إلى التراث المغربي العربي الإسلامي، فقد عرف كيفية توظيفه كفن نبيل ضمن الأعمال التي تؤثت الساحة الفنية المغربية.
ويسعى الفنان في أعماله إلى الإبتعاد عن النقل المباشر للطبيعة والكشف عن حقيقة جديدة بتحويل الأشكال إلى رموز وتشكيلها في قالب جديد متماسك، مع إعطاء الحرف العربي شكلا جديدا متناغما مع باقي الرموز داخل اللوحة الفنية.
المتمعن في لوحات الفنان حصاري تثيره الروح التي يبعثها في الأشكال الهندسية والرموز وكذا الحروف التي تأخذ أشكالا غير مألوفة، لقد اعتكف الفنان على إبراز قيمة الأشكال وتحويلها إلى رموز بدل التركيز على مظهرها الخارجي، لأن قيمة العمل الفني وجماليته، كما يقول الفنان حصاري، "تـتـضح من خـــلال ســبر أغــواره وملامسة جوهره واللمــسة الفنيــة التي يضفيــها الفنـان لتتفــاعل معــها النفــس وترحـل بهــا في فضــاءات منفصلة عن الـواقـع وتبعث على السلام والتـوازن والتعـايش، وكلها تــمثلات تنهــل مــن عوالـم روحـانية تسـافر بالـمتلقي فـي سـماء المطلق اللامتناهي".