الرباط ـ المغرب اليوم
يرى الكاتب أحمد عبد الباري أن الأناشيد الوطنية للدول تحمل في طياتها قصصًا عميقة تعكس هوية الشعوب وتاريخها، لافتا إلى أنها “نشأت من رحم النضال والتحرر، وأصبحت رمزًا للوحدة والكرامة الوطنية، وتعكس قصص البطولات والتضحيات التي قدمها الأجداد من أجل الحرية والاستقلال في كل نغمة ونبرة”.
وأكد الكاتب المغربي، في مقال توصلت به جريدة بعنوان “النشيد الوطني.. ترانيم الهوية وصدى الوحدة الوطنية”، أن “النشيد الوطني المغربي الذي صاغ كلماته الشاعر البارز علي الصقلي الحسيني، وأبدع ألحانه الموسيقار الفرنسي ليو مورغان، وتم اعتماده رسمياً في عام 1956 بعد استقلال المغرب، يعد من أسمى الرموز التي تُجسد هوية وثقافة البلاد وصوت الأمة ووجدانها”.
وسجل عبد الباري أن “هذا النشيد يعكس عزة الشعب المغربي وفخره بانتمائه لأرضه، ويؤكد على أهمية الوحدة الوطنية والتضامن بين أبناء الوطن من جميع الأطياف”، مبرزا أنه “رمز حي ينبض بالحياة ويشعل في قلوب المغاربة شغفهم بوطنهم، ويجسد أحلامهم وآمالهم في المستقبل، حيث يتردد صدى النشيد في جميع المناسبات الوطنية والاحتفالات ليروي قصة أمة تستمد قوتها من تاريخها المجيد وترنو إلى مستقبل زاهر بروح التحدي والإصرار على التقدم والازدهار”.
كانت اللحظات الأولى من كل صباح مدرسي تمتزج بأنغام رسمية ذات وقار، حيث نصطف صفوفًا منتظمة في ساحة المدرسة ليعلن النشيد الوطني بداية يومٍ جديد. كان النشيد الوطني يُعزف، وكنا نردده بصوت واحد، بحماسةٍ طفولية لا تُدرِك معاني الكلمات التي تتراقص على ألسنتنا. لم نكن نفهم لماذا نُعبر عن حب الوطن بتلك الكلمات الرنانة ولا السر وراء تلك الألحان العظيمة التي تملأ الأفق. كانت تلك الأوقات، حيث تجمعنا الأغاني الوطنية في بداية كل يوم دراسي، تبني فينا ببطء شعورًا بالانتماء والفخر، حتى وإن كان فهمنا لها لا يزال يختبئ في طيات الجهل البريء.
تحمل الأناشيد الوطنية في طياتها قصصًا عميقة تعكس هوية الشعوب وتاريخها، حيث نشأت هذه الأناشيد من رحم النضال والتحرر، وأصبحت رمزًا للوحدة والكرامة الوطنية، فتتجلى قصص البطولات والتضحيات التي قدمها الأجداد من أجل الحرية والاستقلال في كل نغمة ونبرة.
وتمتد جذور الأناشيد الوطنية إلى العصور الوسطى، حيث كانت الأغاني الحماسية والموسيقى العسكرية تُستخدم بكثافة لرفع معنويات الجنود والشعوب خلال الحروب والمعارك. وكانت هذه الأغاني تحمل في طياتها دلالات الشجاعة والفخر بالانتماء، وتعزز الروح القتالية والوحدة بين أفراد الأمة.
ومع ظهور الدول القومية في أوروبا خلال القرن الثامن عشر وتنامي الشعور القومي، بدأ يتبلور مفهوم النشيد الوطني بشكله المعاصر كرمزٍ للسيادة والاستقلال. وسمح هذا التطور بتحول الأناشيد من مجرد أدواتٍ للتحفيز إلى رموزٍ للهوية الوطنية، تُعبر عن قيم وتقاليد الأمم.
ويُعتبر أحد أقدم الأمثلة على الأناشيد الوطنية في التاريخ هو النشيد الوطني الهولندي “ويلهلموس”، الذي يعود تاريخه إلى منتصف القرن السادس عشر. وقد كُتِبَ هذا النشيد في بداية كفاح الهولنديين للاستقلال عن الحكم الإسباني، وسرعان ما أصبح رمزًا للمقاومة ضد الاحتلال وتأكيدًا على الهوية الوطنية الهولندية. ويُظهر “ويلهلموس” كيف يمكن للنشيد الوطني أن يعكس تطلعات شعب بأكمله نحو الحرية والاستقلال، وكيف يمكن أن يلهم الأجيال المتعاقبة في الدفاع عن سيادتها والحفاظ على تراثها الثقافي.
ومع مرور الزمن تطورت الأناشيد الوطنية لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الاحتفالات الرسمية والمناسبات الوطنية في جميع أنحاء العالم، حيث تُعزز الأناشيد الوطنية مشاعر الفخر الوطني وتُعلي من قيم الترابط والتضامن بين الشعوب.
تتباين الأناشيد الوطنية بشكل كبير في مضمونها وألحانها في مختلف بقاع الأرض، لكنها تتفق جميعها في دورها كوسيلة للتعبير عن الهوية الوطنية والقيم الجماعية. وتُستخدم هذه الأناشيد لتعزيز الوحدة الوطنية وتقوية الروابط بين المواطنين، وكذلك لتعزيز الشعور بالفخر والانتماء إلى الوطن.
في المغرب يُعد النشيد الوطني “النشيد الشريف” من أسمى الرموز التي تُجسد هوية وثقافة البلاد. صاغ كلماته الشاعر البارز علي الصقلي الحسيني، وأبدع ألحانه الموسيقار الفرنسي ليو مورغان، وتم اعتماده رسمياً في عام 1956 بعد استقلال المغرب، ليكون صوت الأمة ووجدانها. ويعكس هذا النشيد عزة الشعب المغربي وفخره بانتمائه لأرضه، ويؤكد على أهمية الوحدة الوطنية والتضامن بين أبناء الوطن من جميع الأطياف. فهو رمز حي ينبض بالحياة ويشعل في قلوب المغاربة شغفهم بوطنهم، مجسداً أحلامهم وآمالهم في مستقبل مشرق. يتردد صدى النشيد في جميع المناسبات الوطنية والاحتفالات ليروي قصة أمة تستمد قوتها من تاريخها المجيد وترنو إلى مستقبل زاهر بروح التحدي والإصرار على التقدم والازدهار.
في الكويت يعكس النشيد الوطني الكويتي تاريخ البلاد ونضالها من أجل الاستقلال والسيادة. وهو من تأليف الشاعر أحمد مشاري العدواني، الذي تمكن فيه من تجسيد قيم الفخر والوطنية والاعتزاز بالأرض والشعب، وإبراز التراث العريق للكويت وعزيمة أبنائها.
ولعب النشيد الوطني دورًا كبيرًا في تعزيز الروح المعنوية للشعب الكويتي، خاصة خلال فترة الغزو العراقي في عام 1990 وحتى تحرير الكويت في عام 1991، حيث كان النشيد رمزًا للمقاومة والصمود والأمل، وكان يُعزَفُ في الأوقات الصعبة ليُذكر الكويتيين بوحدتهم وقوتهم وتصميمهم على استعادة وطنهم، فكان الشعب الكويتي يجدد به العهد على الوفاء للوطن والدفاع عنه بكل غالٍ ونفيس.
أما في فلسطين فيمتزج النشيد الوطني بروح المقاومة والكرامة ليكون صدىً لنضال شعب لم يتوقف عن السعي نحو الحرية. وبخلاف الأناشيد الوطنية الأخرى التي تتغنى بالاستقلال بعد تحقيقه، كانت للنشيد الوطني الفلسطيني قصة مختلفة، حيث سبقت كلمات “موطني” التحرير ليكون أول نشيد وطني غير رسمي، كتبه الشاعر الفلسطيني الراحل إبراهيم طوقان ولحنه الموسيقار اللبناني محمد فليفل، فصار لحنًا يصدح بالأمل والفخر، مستخدمًا أيضًا في أيام الجمهورية العربية المتحدة والعراق.
ثم جاء “فدائي”، النشيد الذي اعتمدته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1972 ليكون صوت الثورة والمقاومة. كتبه الشاعر الثوري سعيد المزين، ولحنه الموسيقار المصري الكبير علي إسماعيل. وفي خطوة تضامنية رمزية، أعاد الموسيقار اليوناني ميكيس ثيوذوراكيس توزيعه الموسيقي عام 1981، قبل أن يضع الملحن الفلسطيني حسين نازك التوزيع الموسيقي النهائي له عام 2005.
لم يكن النشيد الوطني الفلسطيني مجرد كلمات وألحان، بل كان جسرًا يربط بين الماضي والمستقبل، ويعزز وحدة الشعب الفلسطيني ويجدد العهد على الكفاح والمقاومة. كان صوتًا يعلو في الأوقات الصعبة ليذكر الجميع بوحدة الصف وقوة الإرادة. وقد أدرك مجلس الوزراء الفلسطيني أهمية هذا النشيد، فأصدر قرارًا بتوحيده وإعادة تسجيله وتعميمه على المؤسسات الحكومية والسفارات ليظل رمزًا لهوية وطنية لا تنكسر، وأملًا دائمًا بالنصر وعودة اللاجئين إلى ديارهم.
في كل مرة يُعزف فيها النشيد تنبعث من كلماته وألحانه قصص تضحيات وبطولات ليظل شاهدًا على قوة شعب مصمم على الحرية والتحرير.
النشيد الوطني لا يُعتبر مجرد رمز للسيادة الوطنية، بل يلعب دورًا حيويًا في تعزيز الوحدة الوطنية وتوطيد الهوية المشتركة بين المواطنين. من خلال ألحانه المؤثرة وكلماته الملهمة، يوفر النشيد الوطني إحساسًا عميقًا بالفخر والانتماء، ويسهم في بناء روابط معنوية بين أفراد الشعب. فيُعزف النشيد في المناسبات الوطنية الهامة مثل الاستقلال، اليوم الوطني، والمناسبات الرسمية، مما يُذكر الناس بتراثهم المشترك، تاريخهم الطويل، والأهداف المستقبلية التي يسعون لتحقيقها معًا.
النشيد الوطني هو أداة للتعبير عن التضامن والوحدة الوطنية، حيث يشعر المواطنون بالاتحاد تحت لواء وطني واحد عندما يتغنون به معًا. هذه اللحظات تجسد الانسجام والتزامن بين المواطنين من مختلف الخلفيات والأطياف، مما يعزز مشاعر الولاء والتفاني للوطن.
بهذه الطريقة يمكن للنشيد الوطني أن يلعب دورًا قويًا في توحيد الشعب، خاصة في أوقات الأزمات أو التحديات التي قد تواجه البلاد. يُذكّر النشيد الوطني الأفراد بأنهم جزء من كيان أكبر يتطلب من الجميع العمل معًا ودعم بعضهم البعض لتحقيق الازدهار والأمن الوطني.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
شاهد: لحظة عزف النشيد الوطني المغربي في مجمع محمد الخامس