القاهرة ـ أ.ش.أ
قبل أن يرحل عام 2015، وتحديداً خلال الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر، أصدرت مطبوعات «آكت سود» كتاباً «عن الفضول» لألبرتو مانغويل، من ترجمة كريستين لوبوف. في البداية، يجب عدم تذكير ألبرتو مانغويل بكون «الفضول نقيصة حقيرة»، لأنه، كتاباً بعد كتاب، يكذب هذه المقولة. وكتابه الأخير، «عن الفضول»، يحمل الدليل الجلي الرحب الذي يمكننا من تحديد أفقه الأدبي.
بالتأكيد، يفتح الكاتب أبواب فضوله الأدبي على مصاريعها، على صفحات تقارب الأربعمائة صفحة، بيد أنه يفعلها هذه المرة تحت «رعاية» دانتي أليغيري.
بعد سبعمائة عام على صدوره، هل أصبح «الكوميديا الإلهية» كتاب الكتب لدى مانغويل؟
بحسب مانغويل، فإن «الكوميديا الإلهية ربما قرئت على سبيل الفضول الإنساني، ولكنها ليست الحجة الوحيدة: قدمت متأخراً إلى الكوميديا الإلهية، حينما بلغت الستين من عمري، ومنذ بدأت القراءة، أصبح هذا الكتاب شخصياً ولا نهائياً لصورة كلية».
العلاقة الحميمية مع المكتوب بينت له أن الأدب لا حدود له: وهكذا، تتبدى القوة المزدوجة للقراءة، «نشاطاً» جلب مانغويل إليه بلا مراء آدابه النبيلة.
إذا كان الكاتب الأرجنتيني «فضولي الفضول»، مثلما أكد في بداية كتابه، فهذا لأنه يطرح أسئلة، وتلك الأسئلة بالتالي محرك تفسيراته الأدبية، تعليقاته، ملاحظاته، شكوكه أيضاً، التي لا يمكننا إنكار أهميتها: «مثلما يعرف كل متسائل، للتأكيدات مسعى الفصل، للأسئلة مسعى الربط. الفضول وسيلة لبيان انتمائنا إلى العائلة الإنسانية».
لا نندهش من رؤية أن العصر الحالي محشو باليقينيات: القراءة مخلخلة في العالم الكوني. لا نحسب عمليات التأثير، الندوات، المؤتمرات وجميع اللقاءات الجماهيرية المخصصة لأبطال التعاطف الأدبي.
لماذا؟ لأن هذا السؤال الدائم «لماذا؟»، بالضبط، ليس هو السؤال الجوهري. بدلاً من ذلك، وكما كتب مانغويل، «يعلموننا أن نسأل: ما الثمن؟» و«كم من الوقت يلزمك للانتهاء من هذا العمل».
تخلى الزمن واللذة عن مكانهما بفعل الإلحاحية والعائد. لقد مرت الرأسمالية من هنا. الزمن هو المال. التفكير، أي الارتكان إلى «الوقفة»، وبالتالي توقيف العالم الإنتاجي- الاستهلاكي.
وفي هذا الشأن، شأن الفضول الأدبي، قال مانغويل ذات يوم للأطفال لكي يحثهم على المطالعة: «في مكتبتي، هناك صفحة على الأقل مكتوبة لأجلكم. لا أعرف مكانها في أي كتاب. وعليكم العثور عليها». وبذا انطلق الأطفال بدافع الفضول يبحثون عنها خلال زيارة لمكتبته الشهيرة، ذلك الفضاء البابلي الذي سوف يظل على الدوام بطاقة هوية الكاتب.
من الممكن أن نضيف إلى هذه الملاحظة فقرة من كتابه الأخير: «تتمثل إحدى التجارب الشائعة في حياة معظم القراء في اكتشاف، مبكراً أو متأخراً، كتاب أفضل من كتب أخرى، يدفعهم إلى سبر أغوار الذات والعالم، كتاب لا ينضب معينه في الوقت نفسه الذي يهتم فيه بطريقة حميمية وفريدة بأدق التفاصيل».
بقول آخر: أريد أن أكتشف ذاتي وأدْرَج في تاريخ العالم بإقامة علاقة مع النصوص القديمة التي أحققها.