واشنطن - المغرب اليوم
يُمكن الآن تخزين بت واحد bit من المعلومات الرقمية بنجاح في ذرة واحدة، وذلك وفقًا لدراسة تم نشرها في مجلة نايتشر Nature""، تحتاج أجهزة الذاكرة المغناطيسية المتوفرة تجاريًا إلى ما يقرب من مليون ذرة للقيام بالوظيفة ذاتها.
وقاد أندرياس هاينريش Andreas Heinrich، المدير المعيّن حديثًا لمركز العلوم النانوية الكمومية Center for Quantum Nanoscience، في معهد العلوم الأساسية Institute of Basic Science "آي بي أس IBS، كوريا الجنوبية" الجهود البحثية وراء هذا الاكتشاف في مركز أبحاث آي بي إم في ألمادين IBM Almaden Research Center "الولايات المتحدة الأميركية".
وتُعد هذه النتيجة تطوّر كبير في مجال تصغير وسائط التخزين، وقد تكون أساس الحوسبة الكمومية quantum computing، وتستطيع أجهزة الكمبيوتر الخاصة بنا بفضل الأقراص المغلّفة بطبقة ممغنطة من المعدن، تخزين الملفات على شكل بتّات لكل منها قيمة إما 1 أو 0. ويتوافق اتجاه معيّن للمغنطة مع قيمة 0، والاتجاه الآخر مع قيمة 1، وفي حين يحتاج كل بت رقمي من المعلومات إلى مساحات صغيرة من القرص، تتكون من حوالي مليون ذرة، ذهب هذا البحث إلى أبعد من ذلك باستخدام أصغر كمية من المادة القابلة للاستعمال لهذا الغرض: ذرة واحدة.
وكَشَفَتْ ملاحظة في عام 1993 أن جزيئًا مفردًا يمكن أن يتصرف كمغناطيس، ويقوم بتخزين المعلومات؛ مما فتح مجالًا جديدًا للبحث؛ ومنذ ذلك الحين، ظهرت إمكانية استهداف الجزيئات منفردة2 وهندستها، كي تمتلك استقرارًا مغناطيسيًّا عند درجات حرارة أعلى بكثير من تلك الخاصة بالهيليوم السائل.
ومع ذلك، فقد كان هناك تساؤل غير مجاب عنه، عما إذا كان من الممكن التوجه إلى نطاقات أصغر، وصولًا إلى ذَرّة مفردة، أم لا، وبفضل التطوير المستمر والبارع لتقنية مجهر المجس الماسح (SPM)، وتحسين فهمنا للآليات المحيطة بديناميات التمغنط على النطاق النانوي، فقد حقق ناتيرر وآخرون – بشكل لا لبس فيه – الحد الأقصى لكتابة وقراءة المعلومات.
ويبين الباحثون على صفحات دورية Nature إمكانية تخزين البيانات على ذَرّة مفردة، باستخدام ذرة هولميوم مُرسبة على غشاء رقيق من أكسيد الماغنيسيوم.
ويمثِّل ترسيب ذرات مفردة على سطح ما نوعًا من تمديد الجدول الدوري، وذلك لإمكانية امتلاكها خواص مختلفة عن تلك التي تظهر عندما تكون الذرات جزءًا من جزيء، أو شبكة ممتدة. فعلى سبيل المثال، عندما يتم وضع ذَرّة من عناصر اللانثينيدات، مثل الهولميوم "Ho"، الذي يمتلك العديد من الإلكترونات غير المتزاوجة، على ذَرّة أكسجين تنتمي إلى سطح أكسيد الماغنسيوم "MgO"، فإنها تتعرض لحالة من طاقة الجهد الإلكتروستاتيكية، التي تتميز بعدم تماثل شديد. ونتيجة لذلك تُظْهِر تلك الذَّرّة تباينًا مغناطيسيًّا كبيرًا، بحيث تعتمد استجابتها للمجال المغناطيسي بشدة على اتجاه المجال.
ويُعَدّ التباين المغناطيسي الضخم هو أساس الاستقرار المغناطيسي الثنائي، حين تحتوي ذَرّة على طورين مغناطيسيين مستقرين، يتم تعريفهما بواسطة توجيه العزم المغناطيسي (المغزلي) الخاص بهما. يتطلب قلب الحركة المغزلية للذَّرّة التغلب على حاجز طاقة الجهد، وهو ما يجعل تلك العملية عسيرة بشكل متزايد مع تناقص درجة الحرارة. واكتُشِف مؤخرًا أن ذرات الهولميوم على أسطح أكسيد الماغنسيوم تُظْهِر استقرارًا مغناطيسيًّا ثنائيًّا.
وتثبَّت ناتيرر وزملاؤه مؤخرًا من أن تلك الظاهرة يمكن أن تنشأ في ذَرّة هولميوم مفردة، والأكثر إبهارًا من ذلك أنهم برهنوا على أن الطور المغناطيسي للذَّرّة يمكن أن يُكتب ويُقرأ باستخدام مجهر المسح النفقي "STM".
وطَبَّق الباحثون أولا فرق جهد مرتفع "ما يفوق نحو 150 مللي فولت" على طرف المجهر، لقلب الحركة المغزلية للذَّرّة، وتلك هي عملية الكتابة؛ ولأن طرف المجهر مغناطيسي، يتباين التوصيل الكهربي عبر الذَّرة التي يتم سبرها، حسب اتجاه الحركة المغزلية للذَّرة، بالنسبة إلى مغناطيسية الطرف، ومن ثم، قام الباحثون بقراءة الطور المغناطيسي للذَّرة، بقياس ذلك التوصيل، وبرهنوا على أنه إذا ما تم استخدام فروق جهد منخفضة (أقل من حوالي 75 مللي فولت)؛ فيمكن أن يكون هناك استقرار للطور المغناطيسي لساعات عديدة.
وغالبًا ما يُفترض أن المنظومة لا تتأثر بعملية أخذ القياسات. ومع ذلك، فنحن هنا لسنا بصدد حالة التجارب التي تَستخدِم مجهر المسح النفقي، حيث إنّ ما يتم سبره في الواقع هو منظومة أضخم، تضم: الطرف، والذَّرة، أو الجزيء المستهدف، وركيزة. وسعيًا لبرهان لا لبس فيه على أن التغيرات المرصودة في التوصيل تنتج عن التقلبات المغزلية، استخدم ناتيرر وزملاؤه هيكلًا معقدًا، تترسب فيه ذَرّة الهولميوم، جنبًا إلى جنب مع ذَرّة حديد (Fe)، على طبقة ثنائية من أكسيد الماغنسيوم، مهمّتها عزل الذَّرتين عن ركيزة مصنوعة من الفضة. ومن ثم، استخدم الباحثون تقنية مجهرية مجسية ماسحة بارعة، تم توصيفها في دراسة نُشرت خلال العام الحالي بواسطة المجموعة نفسها من الباحثين؛ وذلك لسبر المجال المغناطيسي ثنائي القطب، المولَّد بواسطة ذَرّة الهولميوم.
وكشف ناتيرر وآخرون من خلال تطبيق فرق جهد تردد راديوي من طرف المجهر على ذَرّة الحديد، عن تغيير شاذ في الناقلية عندما يتطابق تردُّد فرق الجهد المطبق مع تردد “لارمور” الخاص بالحركة المغزلية لذَرّة الحديد، وهو ما يتسبب في انعكاس الحركة المغزلية. يقوم الباحثون بتلك الطريقة بإصدار نوع من “الحركة المغزلية المفردة” الخاصة بتقنية طيفية تُدعى “الرنين البارامغناطيسي الإلكتروني”، وهو ما يُعَدّ إنجازا متميزًا آخر لمجموعتهم البحثية. ولأن تردد لارمور يعتمد على المجال المغناطيسي المحلي، تستشعر ذَرّة الحديد الطور المغناطيسي لذَرّة الهولميوم، التي لم تَعُد ديناميات الحركة المغزلية الخاصة بها تتأثر بالتيار النفقي.
واكتشف ناتيرر ومعاونوه أن المجال المغناطيسي المولد بواسطة ذَرّة الهولميوم يظل مستقرًّا لعدة ساعات، حتى عند درجات حرارة الهيليوم السائل. وإضافة إلى ذلك، يمكن للباحثين الكشف عن حيود التردد المصاحب لتشكيلات الحركة المغزلية الأربعة الممكنة، التي تمثل الأرقام الأربعة التي يمكن تخزينها في ذاكرة ثنائية البِت، وذلك من خلال وضع ذرتي هولميوم عند مسافات مختلفة قليلًا من مستشعر ذَرّة الحديد.
وعلى الرغم من أن عمل ناتيرر وزملائه ما زال بعيدًا عن أن تكون له تطبيقات واقعية، فإن التقدم الذي أحرزوه بخصوص تقنيات المجهرية المجسية الماسحة أظهَر أن تخزين واسترجاع المعلومات المغناطيسية في ذَرّة مفردة أمر قابل للتنفيذ. ويتعين لاحقًا حل العديد من المشكلات؛ فالتقنيات المستخدمة ليست الأكثر سهولة، أو الأقل تكلفة، فيما يخص قراءة وكتابة البيانات. وحتى إذا ما تم تطوير طرق استشعار أخرى، يمكن تحقيق الخواص المغناطيسية المميزة لذرات الهولميوم، التي استغلها الباحثون، فقط في حالة الظروف القاسية، مثلما في الفراغ فائق الارتفاع.
وفي هذا الصدد، ربما يساعدنا النهج الجزيئي الذي يقع في القلب من هذا المجال البحثي في توفير أجسام مستقرة كيميائيًّا، ويمكن أن تكون مترابطة بقوة مع سطح ما. ومع ذلك، يجب الحفاظ على التفاعلات بين الجزيء ومحيطه، إضافة إلى التحكم الفعال في التباين المغناطيسي3 والاهتزازات الجزيئية؛ من أجل ترميز وقراءة المعلومات، تلك هي المتطلبات المتناقضة، التي لن يكون الوفاء بها يسيرًا.