الرباط _ المغرب اليوم
يوضح الكاتب والسيكولوجي الغالي أحرشاو أنه “إذا كانت مطامح المتعلم المستقبلية تتراوح بين ما هو دراسي – تكويني، وما هو وظيفي – مهني، وما هو أسري – علائقي، فإن مشروعه الشخصي أضحى يشكل الأداة الناجعة لتقويم إمكانياته الذاتية وكفاءاته المعرفية ومهاراته الشخصية، وبالتالي التنبؤ باحتمالات نجاحه المستقبلي”. ويتناول الغالي أحرشاو، في مقال له بعنوان “المشروع الشخصي للمتعلم في ظل المنظومة التربوية بالمغرب”، المشروع الشخصي انطلاقا من “المفهوم والأصول النظرية”، و”المحددات السيكولوجية”، و”ضوابط المشروع الشخصي للمتعلم وآليات
تحقيقه”. ويخلص الكاتب إلى أن “التحقيق الفعلي للمشروع الشخصي للمتعلم يستوجب ضرورة تفعيل مسألة الروابط بين تحفيزه الدراسي وتوقعه المستقبلي، وذلك بمطالبة المنظومة التربوية ومستشاريها في التوجيه بمساعدته أولا على التقويم الذاتي لأوضاعه وإيجاد الحلول المناسبة لمشاكله الدراسية والشخصية والعائلية والاجتماعية والمهنية، وتوجيهه ثانيا نحو تحقيق الاندماج في الحياة عامة بدل الاكتفاء فقط بالتكيف والتلاؤم مع سوق الشغل وتقلباته”. وهذا نص المقال: الأكيد أن بناء المشروع الشخصي أضحى يمثل أحد الهواجس الأساسية للمنظومات التربوية الحديثة،
بحيث أمسى عامل مساعدة المتعلم على اختيار مساره الدراسي المناسب يمثل المعيار المركزي لجودة المدرسة. وإذا كانت مطامح المتعلم المستقبلية تتراوح بين ما هو دراسي – تكويني، وما هو وظيفي – مهني، وما هو أسري – علائقي، فإن مشروعه الشخصي أضحى يشكل الأداة الناجعة لتقويم إمكانياته الذاتية وكفاءاته المعرفية ومهاراته الشخصية، وبالتالي التنبؤ باحتمالات نجاحه المستقبلي. لتوضيح بعض مقومات سيكولوجية هذا المشروع في المغرب، سنعمل في هذا المقال على تحليل ومناقشة ثلاثة محاور أساسية تترجم أولا دلالة وأصول هذا المفهوم، وثانيا محدداته
السيكولوجية، ثم ثالثا ضوابطه وآليات تحقيقه. فبخصوص المفهوم والأصول النظرية، يمكن القول إن المشروع الشخصي، الذي لا يزال عندنا في حاجة إلى مزيد من البحث والتقصي، لا يتشكل إلا حينما يواجه المتعلم تباينا بين ما هو عليه وبين ما يقوم به ويحسه ويعيشه. إنه ببساطة تَمَثُّلٌ تنبؤي لنتيجة مستقبلية يستهدف منها هذا الأخير تحقيق رغباته ومطامحه وغاياته. فهو يتأسس على بعدين اثنين: أولهما زمني – تنبؤي قوامه الانفتاح على المستقبل لتحقيق هدف محدد. وثانيهما ذاتي – تربوي غايته الارتكاز على بيداغوجية إكساب المتعلم مجموعة من الكفاءات المركزية مثل المسؤولية
والمبادرة والتكيف والتنبؤ واتخاذ القرار، ويتشبع نظريا بثلاثة مصادر أساسية: الأول يتجلى في الحس العام الذي تترجمه مفاهيم الحاجة والرغبة والقصدية. والثاني يتأصل في التيارات الفلسفية الفينومنولوجية والوجودية، التي منذ عصر الأنوار وهي تقول بحرية الذات ومسؤوليتها في اختيار أفعالها ومشاريعها بنفسها. أما الثالث فيندرج في التيارات السيكولوجية التي تركز على البعد الإنساني للسلوك، وتتجذر في براديغم الحاجة – التكيف، الذي تلعب فيه الدافعية دورا حاسما في اختيار الموضوعات واصطفاء السلوكات التي تتماشى مع قيم المجتمع وقوانينه وأعرافه.
وبخصوص المحددات السيكولوجية، يمكن الإقرار بأنه مع توالي خطط إصلاح منظومة التربية والتكوين، أصبحت مسألة التوجيه وبلورة المشروع الشخصي حقا مكتسبا بالنسبة لجميع المتعلمين المغاربة. فقد أضحى من حق كل واحد منهم أن يبني مشروعه الشخصي، الذي يهتدي به في حياته الدراسية والمهنية والاجتماعية، بمعية مستشار في التوجيه، تناط به مسؤولية تقويم قدراته وصعوباته في التعلم، وحثِّهِ على اختيار المسار الدراسي المناسب، فضلا عن إمداده بالمعلومات الكافية حول مسالك التكوين وآفاقه، ثم إمكانات سوق الشغل وفرص العمل التي يوفرها.
والأكيد أنه إذا كانت وظيفة المقاربة السيكولوجية للمشروع تتحدد من جهة في تشخيص تمثلات المتعلم حول كفاءاته وحوافزه ومسالك التكوين والمهن الممكنة، وفي الكشف من جهة أخرى عن سيروراته لاختيار مشروعه الشخصي واحتمالات تحقيقه، فإن أبرز مقومات هذه المقاربة تتلخص في وقائع قوامها أن كل مشروع شخصي يفترض أولا تجويد تمثلات المتعلم عن ذاته، وعن سوق الشغل عبر تدخلات تربوية أسرية ومدرسية، وثانيا تركيز المدرسة على معارفه الشخصية وكفاياته الدراسية وميولاته المهنية ثم مهاراته الحياتية، وثالثا مساعدته على اختيار التوجه الدراسي المناسب من
خلال جعله قادرا على وعي تجاربه وتقويم تعلماته وتحديد اختياراته، رغم أن نجاحه في بناء مثل هذا المشروع على ما يماثل هذه المقومات في مجتمع غير منسجم كالذي نعيش فيه، يبقى من المطامح صعبة المنال لحد الآن. أما فيما يتعلق بضوابط المشروع الشخصي للمتعلم وآليات تحقيقه عندنا، فيمكن إجمالها في بعدين اثنين: يتعلق أولهما بمهمة المستشار في التوجيه، والتي يجب أن تتحدد من جهة في إمداد المتعلمين وعائلاتهم بالمعلومات اللازمة عن مسارات التكوين ومسالكه المختلفة، وأن تتمظهر من جهة أخرى في مساعدتهم على بناء مشاريعهم الشخصية دراسيا ومهنيا.
فهو مطالب بالنظر إلى عوامل الفشل التي تؤخر بناء تلك المشاريع بمنظور نسبي وفي إطار حياتهم الشاملة، بحيث لا يمثل التعليم والتكوين سوى جانب صغير منها، وهذا ما يساعدهم على الثقة في النفس، وعلى بناء تمثل إيجابي حول ذواتهم ومستقبلهم. أما البعد الثاني فيهمّ المدرسة المغربية، التي يجب تسخير وظيفتها الأساسية لخدمة مشاريع المستقبل الشخصية والمهنية للمتعلم، وجعله ينخرط بشكل فعال في الأنشطة الدراسية، رغم أن مثل هذا الانخراط، خاصة في بعده الإيجابي، يستلزم الاستعداد النفسي الكافي، الذي تصاحبه بعض التحولات والتغيرات الملائمة في الهوية، وفي
استراتيجيات مواجهة مختلف عوالم المدرسة، المعرفية والاجتماعية على حد سواء. وفي نهاية هذا الطرح المقتضب لشروط بناء المشروع الشخصي للمتعلم وآليات تنفيذه وتحقيقه من داخل المنظومة التربوية المغربية، نتقدم بثلاثة اقتراحات نبتغي من تفعيلها وأجرأتها السبيل المناسب لبلوغ الهدف المتوخى: – نعتقد أن فرض منطق المؤسسة أو المقاولة المتأزمة على المدرسة سيعني بالضرورة تجاهل أهمية سيرورات المتعلم السيكولوجية في مكوناتها العاطفية والرمزية والاجتماعية، والتي عن طريقها يخطط لمشروعه الشخصي ويتنبأ بآفاقه المستقبلية.
– إن بناء المتعلم لمشروعه المستقبلي لا بد أن يتشبّع أيضا بأسلوب وعيه وإدراكه لسوق الشغل ونسقه الإنتاجي عبر النشاط المهني لوالديه ولكل العاملين والموظفين من أقاربه ومحيطه.– إن التحقيق الفعلي للمشروع الشخصي للمتعلم يستوجب ضرورة تفعيل مسألة الروابط بين تحفيزه الدراسي وتوقعه المستقبلي، وذلك بمطالبة المنظومة التربوية ومستشاريها في التوجيه بمساعدته أولا على التقويم الذاتي لأوضاعه وإيجاد الحلول المناسبة لمشاكله الدراسية والشخصية والعائلية والاجتماعية والمهنية، وتوجيهه ثانيا نحو تحقيق الاندماج في الحياة عامة بدل الاكتفاء فقط بالتكيف والتلاؤم مع سوق الشغل وتقلباته.
قد يهمك ايضا
مقتل مستشار وزيرة التعليم الإسرائيلية للشؤون العربية بإطلاق النار
الاعلان عن النتائج النهائية لانتخاب ممثلي موظفي التعليم في اللجان المتساوية الأعضاء