بيروت - أ.ف.ب
من بابا عمرو الى حلب، تحدى الصحافيان الاسبانيان خافيير اسبينوزا وريكاردو غارسيا فيلانوفا خطر القصف والمعارك لينقلا معاناة الشعب السوري. لكنهما في آخر زيارة لهما الى سوريا في ايلول/سبتمبر وقعا ضحية تهديد من نوع آخر: الخطف على ايدي تنظيم اسلامي جهادي.فقد كشفت صحيفة "إيل موندو" الاسبانية وعائلتا المخطوفين اليوم الثلاثاء ان مراسل الصحيفة خافيير اسبينوزا والمصور المستقل ريكاردو غارسيا فيلانوفا محتجزان لدى "الدولة الاسلامية في العراق والشام" المرتبطة بتنظيم القاعدة منذ ايلول/سبتمبر.وخطف الرجلان مع اربعة عناصر من الجيش السوري الحر كانوا يتولون حمايتهما على حاجز في محافظة الرقة (شمال) قرب الحدود التركية في 16 أيلول/سبتمبر، بينما كانا يستعدان لمغادرة سوريا. واطلق السوريون بعد 12 يوما، بينما بقي الاسبانيان قيد الاحتجاز.في بيروت حيث مقر عمل اسبينوزا منذ العام 2002، قالت زوجته الصحافية مونيكا بريتو في مؤتمر صحافي مؤثر ان "خافيير وريكاردو سافرا عشرات المرات الى سوريا لتوثيق جرائم الحرب، ويخاطران بحياتھما في كل مرة".ودعت الخاطفين الى اطلاقهما قائلة "خافيير وريكاردو ليسا اعداء لكم. ارجوكم ان تكرموا الثورة التي حاولوا حمايتها واطلقوا سراحهما".وقام اسبينوزا مرارا بتغطيات صحافية عديدة في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الرئيس السوري بشار الاسد منذ اندلاع النزاع الدامي في البلاد منتصف آذار/مارس 2011.وفي زيارته الاخيرة، كان يقوم بتحقيقات عن الأطفال والمرضى في محافظة دير الزور (شرق) لصالح صحيفة "ايل موندو" الاسبانية التي يرئس مكتبها في الشرق الاوسط.اما فيلانوفا فتولى تغطية الحرب في افغانستان والثورة في ليبيا والحرب في سوريا. وقد تعاون مع عدد من وسائل الاعلام الدولية بينها "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"نيوزويك" و"لوموند" و"ايل موندو" و"وكالة فرانس برس".وتعرض للخطف مرة اولى على ايدي جهاديين عند تعرض البيت الذي كان يعيش فيه في حلب مع فريق اطباء لهجوم من عناصر من الدولة الاسلامية في العراق والشام، وتم الافراج عنه بعد حين.وقالت مونيكا بريتو "على الرغم من المخاطر، نحن كعائلة وكصحافيين وضعنا مأساة سوريا قبل حياتنا الخاصة وهدفنا الوحيد ھو زيادة الوعي في العالم حول الوضع في سوريا. خصصنا السنوات الثلاث الماضية من حياتنا من أجل إعطاء صوت لضحايا النزاع في سوريا ومن بينهم اللاجئين والمدنيين والمقاتلين".واشارت الى ان زوجها وزميله قاما بذلك "لانهما مؤمنان بحاجة الشعب السوري لعملهما الصحافي"، مضيفة "واجبنا كصحافيين ان نرتقي الى مستوى مسؤوليتنا. لكنكم كسوريين لديكم ايضا مسؤولية تجاه كل هؤلاء الذين دافعوا عن قضيتكم، سواء كانوا عربا ام اجانب".وكان اسبينوزا واحدا من الصحافيين الاجانب الذي غطوا المعارك في حي بابا عمرو ذي الرمزية العالية في مدينة حمص (وسط) سوريا، والذي تعرض لحملة عسكرية عنيفة من القوات النظامية في شباط/فبراير 2012 نجا خلالها من قصف أدى الى مقتل زميلته الاميركية ماري كولفن والمصور الفرنسي ريمي اوشليك. وقالت بريتو الثلاثاء ان خافيير "لم يكن فقط حاضرا خلال قصف بابا عمرو الذي اسفر عن مقتل اثنين من زملائه امام عينيه، بل اختار البقاء في بابا عمرو حتى تم إجلاء كل المدنيين من المنطقة". ولم تبق الا قلة من الصحافيين الاجانب يخاطرون بالتوجه الى المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعات المقاتلة المعارضة في سوريا بسبب تكرر عمليات الخطف التي استهدفت زملاء لهم خلال السنة الفائتة. وقد بلغ عدد المفقودين والمخطوفين من الصحافيين والناشطين الاعلاميين في سوريا، بحسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، اكثر من ستين بينهم اكثر من عشرين اجنبيا.وقد اعدم عناصر من "الدولة الاسلامية" الاسبوع الماضي المصور العراقي فيصل الجميلي في ادلب (شمال غرب). كما يتعرض الناشطون الاعلاميون السوريون لمضايقات من مقاتلي الدولة الاسلامية التي تتشدد في مناطق نفوذها في مواضيع الحريات وتطبيق الشريعة الاسلامية.واثار نبأ خطف اسبينوزا وفيلانوفا سخطا في اوساط الناشطين السوريين الذين تعرفوا اليهما خلال زياراتهما المتعددة الى البلاد.وقال ناشط سوري رفض الكشف عن اسمه ان "خافيير كان محبوبا جدا من الناشطين، مقارنة بأولئك التكفيريين الاجانب الذين قاموا بخطفه".اما الصحافي السوري مصعب آل حمادي، والذي اضطر لمغادرة منزله في محافظة حماة (وسط) نتيجة مضايقات الدولة الاسلامية، فقال ان اسبينوزا وفيلانوفا "دفعا ثمنا باهظا من اجل ايصال الحقيقة والتعريف بقضيتنا العادلة في المطالبة بالحرية والعدالة".وتقول منظمة "مراسلون بلا حدود" المعنية بالدفاع عن حقوق الصحافيين، ان الدولة الاسلامية "هي المسؤولة عن غالبية الانتهاكات التي يتعرض لها الناس، وبينهم المراسلون" في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام.ويرجح ان يكون الصحافيان محتجزين في الرقة، مركز المحافظة الوحيد الخارج عن سيطرة النظام، وحيث تتمتع الدولة الاسلامية بالنفوذ الاقوى.واوضحت بريتو اليوم ان عائلتي الصحافيين والمؤسسات التي يتعاونان معها "وصلت الى طريق مسدود مع الخاطفين بعد اسابيع من محاولات التوسط".ويتحدر اسبينوزا من مدينة ملقة الاسبانية، له صبي وبنت يتقنان العربية. وحاز جوائز عالمية عدة، منها جائزة "بايو" المرموقة لمراسلي الحرب.اما فيلانوفا فمتحدر من مدينة برشلونة ونال جوائز عدة على تغطيته احداث "الربيع العربي". كما ساعد اطباء سوريين في توفير ادوية كان جرحى النزاع في حاجة ماسة اليها.وتعد "مراسلون بلا حدود" سوريا المكان الاخطر للعمل الصحافي في العالم. وتفيد ارقامها عن مقتل 27 صحافيا اجنبيا و91 ناشطا اعلاميا منذ اندلاع النزاع.