بغداد - المغرب اليوم
قررت الولايات المتحدة الأمريكية إنهاء كافة الإعفاءات الممنوحة لبعض الدول لاستيراد النفط الإيراني، في إطار تشديد العقوبات على طهران بسبب برنامجها النووي.
ولوحت واشنطن بتوقيع عقوبات صارمة على أية دولة لا تلتزم بهذا القرار، باستثناء العراق.
إيران "تطلب من ميليشيات الاستعداد لخوض حرب بالوكالة" في الشرق الأوسط
هل ستشن الولايات المتحدة حرباً على إيران؟
ويعد العراق الدولة الوحيدة المستثناة من العقوبات الأمريكية النفطية على إيران، حيث تستمر بغداد في استيراد الغاز الطبيعي والكهرباء من طهران بموجب إعفاء أمريكي ينتهي في 19 من يونيو/ حزيران القادم.
وخلال زيارته الأخيرة لبغداد، أكد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، للمسئولين العراقيين أن بلاده تعتزم تجديد الإعفاء الممنوح للعراق لاستيراد الغاز والكهرباء من إيران.
ولكن ما السبب الحقيقي وراء هذا الموقف المتراخي من واشنطن تجاه العراق الذي لا يزال يستضيف بعض القواعد
قطاع الكهرباء العراقي يعاني من "الاختناق"
يعاني قطاع الكهرباء العراقي من أوضاع متردية للغاية عقب سنوات طويلة من الفساد المالي والإداري في البلاد، فضلاً عن ما يربو على ثلاثة أعوام من الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، والتي أدت إلى تدمير البنية التحية في كثير من المحافظات التي احتلها التنظيم.
كما يعاني المواطنون من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة خلال اليوم بسبب العجز الكبير الذي تعاني منه الدولة الغنية بالنفط في إنتاج الكهرباء.
وأدى انقطاع الكهرباء لفترات طويلة خلال ساعات النهار شديد الحرارة في الصيف الماضي إلى اندلاع تظاهرات في بعض المحافظات، شابها أعمال عنف واشتباكات مع قوات الأمن في البلاد.
وفي إطار مساعيها لسد العجز في إنتاج الكهرباء، يقوم العراق باستيراد 28 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي يومياً، وهو الرقم الذي من المقرر أن يزيد إلى 35 مليون قدم مكعب في يونيو/حزيران، وذلك لتشغيل محطات توليد الكهرباء في البلاد، فضلا عن استيراد العراق 1200 ميغاوات من الكهرباء من إيران.
لذا، تشكل واردات الطاقة العراقية من إيران أهمية كبيرة للبلاد لمواجهة تحديات الاستهلاك المنزلي والصناعي المتزايد في البلاد.
يقول وزير النفط العراقي الأسبق، إبراهيم بحر العلوم، في مكالمة هاتفية مع بي بي سي إن واشنطن "لم تجامل العراق باستثنائه من العقوبات"، مشدداً على أن "الإعفاء الأمريكي ليس مِنَة، حيث أن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن تردي أوضاع الكهرباء في البلاد، حتى وصل العراق إلى نقطة الاختناق".
وأكد الوزير السابق أن واردات العراق من الطاقة من إيران تمثل "نحو 25 في المئة من إنتاج العراق من الكهرباء"، وهو رقم يصعب الاستغناء عنه في الوقت الحالي.
ويتفق معه في الرأي رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار السابق في البرلمان العراقي، حارث الحارثي، حيث أكد في اتصال هاتفي مع بي بي سي أنه إذا لم تقم واشنطن باستثناء بغداد من العقوبات "فسوف يواجه العراق كارثة حقيقية، حيث تعاني البلاد من حالة شلل تام في قطاع الكهرباء".
ولكن النائب السابق يؤكد أن قرار العراق استيراد الغاز والكهرباء وغيرها من المنتجات من إيران يعود إلى "وجود حالة من التعاطف الشعبي بين العراقيين تجاه إيران"، مشدداً على أن "العراق يحاول رد الجميل لإيران لوقوفها بجانب البلاد أثناء حربها على داعش".
أما خبير النفط والطاقة العراقي حمزة الجواهري فيؤكد لبي بي سي أن العراق سوف يزيد من وارداته من الطاقة من إيران كي يتمكن من "إمداد المواطنين بحوالي 20 ساعة من الكهرباء في الصيف المقبل وتقليل فترات الانقطاع".
ويضيف الجواهري أنه في حالة قطع إمدادات الطاقة الإيرانية عن البلاد فسوف يكون لهذا "آثار كارثية على المواطن العراقي".
محاولة الاستفادة من العقوبات
وعلى الرغم من العلاقات القوية التي تجمع العراق بإيران، تحاول بغداد الاستفادة من العقوبات الأمريكية الأخيرة على طهران بطريقتها الخاصة.
فعقب دخول العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ، تحاول تركيا، وهي أحد أكبر مستوردي النفط الإيراني، البحث عن مصادر بديلة للنفط من دول الجوار، خاصة العراق.
وأعربت تركيا عن رغبتها في زيادة وارداتها من النفط العراقي عبر خط الأنابيب الذي يربط مدينة كركوك العراقية بميناء جيهان التركي.
وتصدر هذا الموضوع أجندة المحادثات التي جرت بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي، في أنقرة يوم 15 مايو/ أيار الحالي.
لكن وزير الطاقة العراقي السابق، بحر العلوم، يشكك في إمكانية حدوث هذا الأمر، حيث يقول "العراق لن يزيد من إنتاجه من النفط بمنأى عن قرارات منظمة أوبك للدول المصدرة للنفط لأن ذلك سينتج عنه إشكالية كبيرة للعراق".
غير أن وزير النفط العراقي الحالي، ثامر الغضبان، قال في تصريحات يوم 16 مايو إن بلاده لديها "خطة لمد أنبوب جديد من كركوك إلى تركيا يوازي الأنبوب القديم"، مشيراً إلى أن "تركيا أبدت رغبة بزيادة المستورد من النفط الخام".
فهل ينجح العراق في إقناع أوبك بزيادة حصته الاإتاجية من النفط لتصديره إلى تركيا؟ أم تتخذ بغداد قراراً أحادياً بزيادة إنتاجها دون موافقة المنظمة؟
عقود مليارية ومحاولات للربط الكهربائي
في إطار مساعي البلاد للخروج من أزمتها الحالية، قام العراق بتوقيع عقود مع شركة سيمنز الألمانية الرائدة بقيمة 14 مليار دولار لتجديد البنية التحتية في البلاد وإضافة محطات توليد جديدة.
ومن المنتظر أيضا أن توقع البلاد قريباً عقودا، تقدر قيمتها بمليارات، مع شركة جنرال اليكتريك الأمريكية في هذا الصدد.
وأكد وزير النفط العراقي السابق على أهمية العقود الموقعة مع سيمنز، قائلا إن الشركة الألمانية "تستطيع وضع حد لمعاناة البلاد في مجال الكهرباء".
وأشار إلى تجربة الشركة "الناجحة مع مصر، حيث استطاعت الوصول بالبلاد إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي من إنتاج الكهرباء في ثلاث سنوات".
أما الحارثي، فيؤكد أن التعاقد مع جنرال اليكتريك جاء "بسبب الضغوط الأمريكية على العراق" وأن الشركة لن تستطيع تقديم الكثير للبلاد.
كما قام العراق بتوقيع اتفاقية للربط الكهربائي مع السعودية، التي تمتلك فائضاً كبيراً من إنتاج الكهرباء.
ويقول الجواهري إن "واشنطن مارست ضغوطا كبيرة على السعودية لتسريع عملية الربط الكهربائي مع العراق وذلك لإبعاد بغداد عن الهيمنة الإيرانية وجرها إلى المحور السعودي".