القاهره-المغرب اليوم
هل أنت من محبي مشاهدة الأثار والاستمتاع بجمالها؟ هل تهوى قراءة التاريخ وحضاراته؟ هل تعشق الزيارات السياحية للمدن التاريخية؟ إذن فأنت مدعو لزيارة واحدة من أهم مواقع الآثار العربية والتي ستشعر فيها بعبق التاريخ يعانق حضارة الحاضر في مشهد يجسد روعة فن النحت والمعمار الظاهر في الزخرفة والنقوش المنحوتة في جبال لن تراها إلا في مدائن صالح بالمملكة العربية السعودية.
تقع “مدائن صالح” أو “مدينة الحجر” كما كان يطلق عليها قديماً، على بعد 20 كم شمال مدينة العلا- و400 كيلومتر إلى الشمال الغربي من المدينة المنورة ، و500 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من مدينة البتراء الاردنية ،عند دائرة عرض 47ـ26 شمالاً، وخط طول 53ـ37 شرقاً، على سفح هضبة البازلت التي تشكل الجزء الجنوبي الشرقي من جبال الحجاز.
أدرجت مدائن صالح على قائمة التراث العالمي عام 2008
وتعتبر هذه المدينة التاريخية من أهم المواقع الآثرية في الجزيرة العربية والشرق الأوسط، ولا عجب في ذلك فيعود تاريخها إلى عهد المملكة النبطية، كما تضم أكبر مستوطنة جنوبية لمملكة الأنباط بعد مدينة البتراء في الأردن، عاصمة مدينة الأنباط الأولى.
وجد في المنطقة آثار رومانية قبل وبعد الحقبة النبطية، ولكن حقائق قرآنية أشارت إلى استقرار قبيلة ثمود في الألفية الثالثة ق.م بالمدينة. ومن بعدهم سكنها اللحيانيون في القرن التاسع ق.م، أما في القرن الثاني ق.م فقد احتل الأنباط مدينة الحجر وأسقطوا دولة بني لحيان، واتخذوا من بيوت الحجر معابد ومقابر لهم، كما اتخذها الملك الحارث العاصمة الثانية للأنباط بعد البتراء في الأردن. وفي عهده شهدت المدينة حركة تمدن واسعة وكانت من أكثر المدن ازدهارا فقد حفروا واجهات القبور بمنحوتات ونقوش ونصوص نبطية وأقاموا المعابد داخل الجبال.
نقوش ومنحوتات على القبور والمعابد ازدهرت في عهد الملك الحارث
وقد أدرجت مدائن صالح على قائمة التراث العالمي عام 2008 كأول موقع للتراث التاريخي في المملكة العربية السعودية، باعتبارها المنطقة التي تضم أعظم القصور المنحوتة في الجبال والتي تضم آثارا فريدة تعود إلى أواخر العصور القديمة.
ويذكر ابن ناصر الدين محمد عبدالله نقلاً عن ابي محمد القاسم البرزالي ان مدائن صالح ينسب اسمها الى صالح وهو من بني العباس بن عبدالمطلب.. أما قبل ذلك فكان يطلق عليها مسمى “الحجر” وقد ورد ذلك في القرآن الكريم بل وحمل اسمها احدى سور القرآن الكريم وهي سورة الحجر.
يزور مدائن صالح عدد من المهتمين بالتاريخ والحضارات والأثار كل عام
ويمكنك أن تتعرف على الحضارة النبطية في الحجر إذا ما نظرت إلى واجهات الأضرحة والمقابر المنحوتة بأشكال هندسية بديعة في الجبال، كما يمكنك أن تتعرف على دور المرأة في هذا الحضارة عبر المقابر المنحوتة لها في الصخور وتعتبر مقبرة “كمكم” و”رقوش” من أشهر مقابر النساء في ذلك الوقت.
وتضم مدائن صالح أكثر من 131 قصرا نبطيا منحوتا في الجبال، وقد استخدمت كمدافن، وتتميز هذه القصور بالنحت والزخارف كما تحوي بعض هذه القصور نصوصا نبطية توضح ملكية المقبرة وتاريخ إنشائها. وتقع هذه القبور في الفترة من العام الاول قبل الميلاد حتى العام 75 ميلاديا، ولا تتعدى المقبرة غرفة واحدة ولكن تختلف في مساحتها طبقا للمركز الاجتماعي والاقتصادي لصاحبها.
تضم مدائن صالح أكثر من 131 قصرا نبطيا منحوتا في الجبال
وأشهر المقابر المنحوتة في الجبال قصر الصانع ويقع في الجهة الجنوبية من المدينة، وتضم هذه المقبرة 20 ضريحاً، وفيها يمكنك أن تشاهد رموزا منحوتة كطقوس جنائزية، وهناك مقبرة القصر الفريد وسميت بذلك لانفرادها بجبل مستقل بذاته ولتميزّها بالاعمدة النبطية الافقية والرأسية، وكذلك مقبرة قصر البنت والتي تضم فتحات كبيرة في جدار المقابر الخاصة بها، ويعتقد أنها خصصت كمخزن لأدوات المتوفي
وهناك مقابر الخزيمات التي تضم 53 مقبرة تتوزع على مجموعة من الكتل الصخرية.
وتضم مدائن صالح عدد من الكهوف والمقابر المنحوتة في الجبال لأقوام حكموا شعوب هذه المنطقة من آشوريين وأنباط ورومان وعرب، واذا ما حالفك الحظ وتمكنت من زيارة مدائن صالح ستشعر بروعة المكان وستتجول في غرف التاريخ وأسراره عند دخولك إلى بهو جبال هذا الموقع والصعود عبر درج صخري لتشاهد آثارا خالده من شواهد الحضارة الانسانية بما تضمه من فنون معمارية وثقافية متمثلة في الآثار والقبور والنقوش والكتابات المنحوتة على جوانب ووجهات القبور المختلفة والتي تبهر كل من يراها.
الجدير بالذكر أن مدائن صالح كانت في العصر الإسلامي محطة من محطات طريق الحج الشامي أثناء ذهاب المسلمين إلى المدينة المنورة ثم مكة المكرمة لأداء فريضة الحج.