خلال القرن العاشر الهجري انبرى رجل فاضل من بيت آل أمغار لنشر العلم والصلاح بناحية مراكش، فقام بتأسيس زاوية بتمصلوحت، بتشجيع من شيخه وأستاذه الكبير عبد الله الغزواني مول لقصور تلميذ عبد العزيز التباع تلميذ الإمام الجزولي. يتعلق الأمر بالعالم الصوفي عبد الله بن حسين الأمغاري.
ومنذ ذلك الزمن الغابر ظلت تمصلوحت نموذجا للمدن المغربية العتيقة، التي كانت يوما ما مزدهرة عمرانيا واقتصاديا وثقافيا، بمساكنها القديمة ذات الهندسة الرائعة بالرغم من بساطتها، وأزقتها الضيقة التي تصل جميع أحياء المدينة كشبكة عنكبوتية، ومحلاتها التجارية (السويقة) التي طواها النسيان، ومساجدها الشامخة التي تخرج منها عدد من العلماء والفقهاء والقراء.
تمصلوحت التي تضم ما يزيد عن 28.686 نسمة، حسب إحصاء 2014، والتي توجد بضواحي مدينة مراكش (20 كيلومترا)، تتميز بغناها الفلاحي وبمآثرها التاريخية ومشاريعها السياحية. كما تشتهر بصناعتها التقليدية، خصوصا الخزف و"الدرازة" والحياكة الأصيلة، بالإضافة إلى الزربية المصلوحية.. ورغم ذلك لا تزال جماعة قروية بإقليم الحوز، مما يدفع إلى طرح عدة أسئلة من قبيل: ألا يمكن استثمار الموروث الديني ليساهم في تنمية المنطقة؟ وبأي معنى يمكن أن تشكل العناية بالزاوية الأمغارية رافعة للسياحة الروحية؟ وهل القائمون على الشأن المحلي والسياحي لهم رؤية بهذا النوع من السياحة؟
السياحة الروحية
عملت تركيا وتونس وإسبانيا وغيرها من الدول السياحية على تنويع منتوجها السياحي، في السنوات الأخيرة، بعيدا عن السياحة الفولكلورية الكلاسيكية، التي شكلت العمود الفقري للسياحة بالمغرب، مما جعلها تشهد إقبالا كثيفا على مدنها ومعالمها الدينية من قبل زوار محليين وأجانب في الأعياد والمناسبات الدينية، فباتت مدينة القيروان برمزيتها التاريخية والحضارية قبلة للزوار. كما تشكل الزوايا الصوفية مصدر جذب لفئة من السياح وغيرهم من المريدين وأتباع هذه الطرق.
فهل يمكن الحديث عن سياحة روحية دينية في المغرب عامة ومراكش ونواحيها خاصة، قادرة على أن تكون بديلا للسياحة العادية أو مكملا لها أو عنصرا من عناصر تنويعها إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الإشعاع الحضاري الكبير لجامع ابن يوسف والكتبية والزاوية الأمغارية كأعرق مؤسسة صوفية تأسست بتمصلوحت في سياق دينامية الحركة الجزولية لإنعاش موات الأرض وإحياء الزراعة، بعد سنوات (تحديدا بين سنة 1520 وسنة 1524) عرف فيها المغرب أزمات طبيعية تمثلت في القحط والجفاف والهدر الديمغرافي، فكانت الأزمة هي المحدد الذي جعل منه عبد الله الغزواني عنوان مشروعه الصوفي.
في التأسيس كرامات
تأسست الزاوية المصلوحية بداية سنة 1529 م الموافق لـ930 هـ، بعد تعيين عبد الله بن احساين بإمارة من شيخه عبد الله الغزواني ومنحه حكم (كرامات) للحكم الرمزي، كطرد الطائر المؤذي، وكرامة حكم المرأة العاقر، يقول حسن المانوزي أستاذ التعليم العالي بجامعة القاضي عياض، مضيفا أنه بعد أربعين سنة من مشيخة عبد الله بن حساين استطاع إصلاح 100 هكتار مسقية، وتنازلت القبائل عن الأراضي خدمة للزاوية، في خطوة سبقت العمران الأول لهذه المؤسسة الروحية ومكان إيواء مريديها وطلبتها والخماسين والمشتغلين في الأراضي الزراعية التابعة لها.
وتابع قائلا: "تطور عمران الزاوية في عهد ابنه مولاي أحمد الأمغاري، فتوسعت الزاوية المصلوحية في عمرانها، كما تزايد عدد الوافدين عليها، حيث أصبحت مشهورة بإطعام المحتاجين، خصوصا في مرحلة القحط"، مشيرا إلى "وجود نصوص تؤكد بأن عدد الزوار وصل إلى 1000 من الرجال والنساء". وأضاف أنها "استمرت في التمدد الفلاحي والعمراني، في مرحلة أصبحت تعرف في الحوز بالدور الكبرى التي بدأ تشييدها من طرف رجال المخزن مثل باحماد، فظهرت العمارة الجديدة للزاوية، التي وضعت لبنتها الأولى في عهد الشيخ محمد بن سعيد الذي توفي سنة 1873" .
وأضاف حفيد الزاوية المصلوحية الأمغارية "غير أن ثورة العمران في الزاوية، التي شهدها عهد محمد بن سعيد المصلوحي (مولاي الحاج)، تميزت بتشييد إقامته على الطراز المعماري السلطاني المستوحى من الطراز الأندلسي، بمرافقها المختلفة وفضائها المتنوع وإقامات الضيوف وقباب السلاطين والحصون من الخارج. وقد تحولت هذه العمارة إلى عنوان لعظمة الشيخ المؤسس".
ما سبق جعل الزاوية الأمغارية تعد من التراث المادي والعمراني والروحي لجماعة تمصلوحت، التي توجد على مشارف عاصمة السياحة، وتتوفر على طبيعة آسرة للتأمل في ملكوت الله، فهي على بعد أمتار من المناطق الجبلية والغابات الخلابة المنتشرة، مما جعلها في حاجة إلى عناية خاصة من طرف الدولة من أجل صيانتها وإعطائها المكانة التي يستحقها، يؤكد المانوزي، الذي طالب بإنقاذ هذا الموروث الحضاري، والحفاظ عليه من الاندثار، مضيفا أنه تحفة عمرانية وجزء من تاريخ الإنسانية العمراني.
الأحباس تمنعنا
"وضعنا بشراكة مع المجلس الإقليمي للحوز مخططا لإصلاح الزاوية، وجعلها منطقة جذب للسياحة الروحية، لكن رؤيتنا اصطدمت بتواجد مجموعة من المحلات التجارية المحاذية لها والتابعة لوزارة الأوقاف، والتي تشوه هذا المجال المحيط بهذه المؤسسة الروحية"، يقول عبد جليل قربال، رئيس المجلس الجماعي لتمصلوحت، لهسبريس، مضيفا أن "غلافا ماليا يقدر بـ300 مليون درهم خصص لهذا المشروع"، الذي سيمكن من جعل هذا الموقع الجغرافي يبدو في حلة جميلة وواضحا للعيان عند ولوج مدخل الجماعة.
وزاد قربال قائلا إن "هذه المحلات يمكن تحويلها من المنطقة المحاذية للزاوية إلى مجال جغرافي قريب من مقر الولي الصالح سيد الحاج وإبراهيم، لكن وزارة الأوقاف تعرقل كل محاولاتنا للإصلاح، وهذا سلوك يتناقض مع دعوة الملك محمد السادس كل الإدارات والمصالح لحل جميع مشاكلها، لكن الأوقاف لا تساعد على حل مشاكل العقار وكل ما يمكن أن يساعد على الرقي بجماعة تمصلوحت".
مختصر
الجواب
لم يسبق لنظارة الأوقاف بإقليم الحوز أن توصلت بأي طلب أو ملف في هذا الصدد للدراسة وإحالته على الإدارة المركزية للبت، يقول ملالي الحو، ناظر وزارة أحمد التوفيق بهذه المنطقة الجلية. وأضاف "يمكن لكل من المجلس الجماعي لتمصلوحت والمجلس الإقليمي بالمجال الترابي المذكور، اللذين سيشرفان على عملية إصلاح الزاوية الأمغارية، التنسيق مع إدارة النظارة، التي تظل يدها مفتوحة ومستعدة لكل عملية تفيد الجماعة وسكانها".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر