بعد أكثر من ثلاثة أشهر على توقيفهن في دار ضيافة مُعدة للدعارة الراقية، تمثل 32 فتاة، في حالة سراح، أمام غرفة الجنايات الابتدائية باستئنافية مراكش، يوم الثلاثاء، وهي الجلسة التي من المزمع أن تشرع خلالها المحكمة في مناقشة ملف مثير يُتابع فيه، أيضا، ثلاثة أشخاص، في حالة اعتقال، بجناية “الاتجار في البشر”، على خلفية اتهامهم بتكوين شبكة مختصة في “الاستعباد الجنسي لفتيات مغربيات وقوادتهن لسياح خليجيين”، والتي تم تفكيكها إثر مداهمة أمنية، مساء الثامن من شتنبر الماضي، للفيلا الكبيرة الحاملة للاسم التجاري “دار السور”، والواقعة بمنطقة “النخيل” السياحية، بضواحي مراكش.
وهي العملية التي أسفرت عن توقيف 49 شخصا، بينهم الفتيات المتهمات بالفساد، وشخصان يتابعان بدورهما، في حالة سراح، بتهمتي “إعداد منزل للدعارة، والوساطة في البغاء”، بعد أدائهما كفالة مالية قدرها مليون سنتيم لكل واحد منهما، بالإضافة إلى 12 سائحا خليجيا من عيار ثقيل، يتقدمهم المطرب الإماراتي، عيضة المنهالي، الذين جرى توقيفهم وهم يستعدون لإحياء ليلة ماجنة بالفيلا التي يقيمون فيها بإيجار لا يقل عن 22 ألف درهم لليوم الواحد.
الجلسة الأخيرة من المحاكمة تم تأجيلها استجابة لمتلمس بالتأخير تقدم به محامون يؤازرون بعض المتهمين للاطلاع على وثائق الملف وإعداد الدفاع، وكذا من أجل استدعاء المتهمين المتابعين في حالة سراح، غير أن هذا الإجراء الأخير إذا كان متاحا بالنسبة للمتهمين المغاربة، فإنه يصعب تفعيله في حق “السياح” الخليجيين، الذين أخلي سبيلهم بمجرد الاستماع إليهم من طرف فرقة الأخلاق العامة، وتم الاكتفاء بتقديمهم، في حالة سراح، أمام النيابة العامة، قبل أن يغادروا المغرب باتجاه بلدانهم، دون أن تُتخذ أي إجراءات تحفظية في حقهم، من قبيل سحب جوازات سفرهم، لمنعهم من مغادرة التراب الوطني وضمان مثولهم أمام القضاء المغربي.
"ضحايا متابعات"
وقال تقرير أمني عن نتائج البحث القضائي التمهيدي، الذي أجرته فرقة الأخلاق العامة، التابعة للمصلحة الولائية للشرطة القضائية بمراكش، بعد تفكيكها للشبكة “يتبين بأن العناصر المكونة لجناية “الاتجار بالبشر” تبقى ثابتة في حق الماثلين أمامكم، وذلك من خلال اعتيادهم على تجنيد واستدراج الفتيات إلى أعمال غير مشروعة “البغاء”، ونقلهن، تحت طائلة التهديد واستخدام القوة والتعنيف، لاحتكارهن في ممارسة البغاء، مع استغلال حاجتهن الماسة إلى المال أو قصر سنهن، عن طريق الإغراءات المادية، والتي يتحصّل من ورائها الماثلون أمامكم على أرباح مادية ويراكمون ثروات مالية مهمة، ضاربين بعرض الحائط سمعة البلاد، خصوصا وأن حالة التلبس التي ضُبطوا عليها أثناء عملية توقيفهم، وتنقيلهم (للفتيات) بتلك الصورة والكثرة العددية إلى الفيلا، موضوع التدخل (الأمني)، قصد إجراء عملية الانتقاء في صورة شبيهة بالاسترقاق والعبودية، يتحقق معه شرط سلب إرادة الضحايا وحرمانهن من تغيير وضعهن وإهدار كرامتهن الإنسانية، رغم تلقيهن مقابلا ماديا على ذلك”.
ولكن الفتيات اللائي خلص البحث القضائي التمهيدي إلى وصفهن بـ “الضحايا” اللواتي تعرّضن لسلب الإرادة وإهدار الكرامة، قرّرت النيابة العامة وضعهن تحت الحراسة النظرية، لمدة يومين، بل وعمدت إلى تمديدها لأربع وعشرين ساعة إضافية، بقين خلالها رهن الاعتقال الاحتياطي في مخافر مقر ولاية الأمن بحي “باب الخميس”، فيما أصدر النائب الأول للوكيل العام للملك لدى استئنافية المدينة، القاضي عبد الكريم القصاري، تعليماته بإخلاء سبيل السياح الخليجيين مباشرة بعد الاستماع إليهم، والاكتفاء بتقديمهم أمام النيابة العامة، في حالة سراح، ليغادروا مقر فرقة الأخلاق العامة، ساعات قليلة بعد توقيفهم، باتجاه أحد الفنادق بالحي الشتوي الراقي، بينما يسارع الفنان عيضة المنهالي، المشهور بلقبه الفني “صوت الإمارات”، إلى نشر صور وفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها وهو “يستمتع بأجواء مراكش”، برفقة 6 من إخوانه وأبناء عمومته، بينهما شرطيان في إمارة أبو ظبي، بالإضافة إلى 4 سياح خليجيين آخرين، (إماراتيان وسعودي وعماني)، وسائح يحمل الجنسية الهندية.
استثناء صاحب الفيلا من المتابعة
شخص آخر ظل بمنأى عن المتابعة القضائية في هذا الملف، وهو صاحب الفيلا الراقية، الواقعة خلف دوار “التونسي”، على مستوى الطريق المؤدية إلى مدينة فاس، و المكونة من 11 جناحا وثلاثة مسابح وحانة، وعلبة ليلية، والتي تمت متابعة مسيرها “عبد الكبير.ت”، في حالة سراح، الذي أكد بأنه يتولى تسييرها منذ حوالي ثلاثة أشهر قبل المداهمة الأمنية، معترفا، أمام الضابطة القضائية، بأن “دار السور” تستقبل زبناء أجانب، ينحدر معظمهم من الخليج، يقيمون فيها سهرات يمارسون فيها الفساد مع فتيات يجلبنهن بعض الوسطاء في الدعارة.
وعند مواجهته ببطاقات تعريف وطنية عاينها الأمن بمكتب الاستقبال بالفيلا، ردّ بشكل تلقائي بأنها تعود لفتيات يعملن باللدعارة قال إنهن يتواجدن وقتئذ بالعلبة الليلية الواسعة بالطابق تحت الأرضي، مجهزة بحائط كاتم للصوت، ومعدات موسيقية، ومكبرات للصوت، فضلا عن أرائك وطاولات ومشرب (كونتوار)، والتي أوقف الأمن بداخلها فتيات يرتدين لباسا مثيرا يُظهر مفاتنهن، ويضعن الكثير من مساحيق التجميل على وجوههن.
وإذا كانت ابتدائية مراكش أدانت، في السنة الماضية، تسعة مغاربة، في إطار ملف مماثل يتعلق بتفكيك شبكة للدعارة الراقية، بعقوبات نافذة سالبة للحرية، بينهم صاحب فيلا معدة للدعارة بإقامة “الفرح”، بمنطقة “النخيل”، الذي تابعته في حالة اعتقال، وقضت ضده بستة أشهر نافذة، وهي العقوبة نفسها التي أدانت بها مسيرتها، كما أدانت بشهرين نافذين كلا من الحارس والمسؤولة التجارية عن الفيلا، التي أصدرت المحكمة قرارا بإغلاقها لمدة سنة، فإن البحث التمهيدي في الشبكة الأخيرة لم يأت، لا من قريب أو بعيد، على ذكر اسم صاحب فيلا “دار السور”، التي كانت مسرحا لجرائم الاستعباد الجنسي لعشرات الفتيات، وهي الفيلا الحاصلة على ترخيص رسمي من ولاية مراكش على أنها “دار ضيافة”.
من حارس إلى متهم بالاتجار في البشر
المتابعون في حالة اعتقال يوجد على رأسهم المتهم “ياسين.ف” (40 سنة)، وهو من مواليد جماعة “بوسدرة سيدي العابد”، بإقليم تاونات، وكان موضوع مذكرة بحث على الصعيد الوطني من أجل جناية “الاتجار في البشر”، كما سبق له أن حكم عليه بعقوبة سالبة للحرية لإدانته بهتك عرض قاصر.
رحلة ياسين في عالم القوادة بدأت بعد أن غادر الدار البيضاء، التي كان يشتغل بها في صناعة الأفرشة، لينتقل إلى مراكش، في سنة 2008، ويعمل حارسا لفيلا معدة للدعارة الراقية بحي “رياض السلام”، التي حظي بثقة مالكها، المهاجر بألمانيا، وأصبح يتكلف بكرائها للسياح الخليجيين، الذين يجلب إليهم الفتيات من أجل ممارسة الدعارة مقابل حصوله على عمولة.
خمس سنوات بعد ذلك، وبعد أن غادر عمله إثر بيع مشغله للفيلا، تفرّغ ياسين للقوادة، ولم تعد طريقة عمله تقليدية كما كانت في فيلا “رياض السلام”، بل نسج علاقات مع سياح من مختلف الدول الخليجية، ومع فتيات ينحدرن من عدة مدن مغربية، اللائي يتوفر على “كتالوغ” لصورهن يعرضه على زبنائه الأجانب، الذين ينتقون أجملهن، ليتصل بالفتيات اللواتي وقع عليهن الاختيار، ويطلب منهن التزين ويحدد معهن مواعيد وأماكن اللقاء لينقلهن على متن سيارات يكتريها من وكالات محلية، ويشرع في جمع الفتيات ويكدسهن داخل سيارته، ويحجز منهن بطاقات تعريفهن، لينقلهن إلى فيلات معدة للدعارة الراقية، بضواحي المدينة، خاصة فيلا “دار السور” بطريق فاس، وفيلات أخرى بمنتجعي “الحجرة الزرقاء”، “ميمونة”، ومجمع “قصر سلمان” بالطريق المؤدية لجماعة “تمصلوحت”، بعد أن نقل نشاطه من حي “تاركَة” إلى خارج المدار الحضري، بسبب تضييق الخناق عليه أمنيا.
طوّر ياسين “نشاطه”، فقد أصبحت له شريكة، تُدعى مريم، التي اضطر إلى مغادرة مراكش بسبب توقيفها، ليعمد إلى تجنيد مساعد آخر، يُدعى “لكْسيدة”، الذي أصبح يشتغل ميدانيا في تنظيم السهرات الماجنة للسياح الخليجيين، أو ما يُعرف في لغة الدعارة الراقية بـ”لبْلانات”، فيما يتولى ياسين الإشراف عليها من “منفاه” الاختياري، ويتوصل بنصيبه من عمولات القوادة، التي يرسلها إليه “لكسيدة” عبر وكالات تحويل الأموال، ولكنه كان يحضر، بين الفينة والأخرى، إلى مراكش لمباشرة “عمله” بنفسه، إلى أن تم توقيفه في عملية “دار السور”.
“السيمو البيضاوي”
المسار “المهني” لـ”محمد.ف”(42 سنة) لا يختلف كثيرا عن ياسين، فقد اضطر هذا الشاب، المنحدر من القنيطرة، إلى انتقاله إلى مراكش بحثا عن العمل، قبل أن يلتقي بإحدى علبها الليلية مع قواد يُدعى “يوسف البرهوش”، الذي عرض العمل في نقل الفتيات إلى فيلات معدة للدعارة الراقية مقابل عمولة عن كل عملية.
وفرّ “البرهوش” لمساعده وسائل العمل، بدءا بسيارة اكتراها من وكالة محلية، أصبح ينقل على متنها الفتيات إلى “لبْلانات”، التي تبدأ بعملية الانتقاء، المعروفة بـ”العزْلة”، التي يقوم خلالها السياح الخليجيون باختيار الحسناوات منهن، اللائي يتم استبقاؤهن للمشاركة في السهرة، فيما يجري استبعاد الأخريات، اللواتي يُطلب منهن مغادرة مكان السهر، في عملية يطلق عليها “الريفولي”، بعد أن ينفحوهن بمبالغ لا تتجاوز 200 درهم للفتاة الواحدة، يتقاضى منها “الكازاوي” النصف، ثم ينقل “الراسبات” مجددا إلى “عَزلة” أخرى في “بْلان” جديد بمكان آخر.
وبعد أن صُلب عود محمد في هذا المجال، ومع انتقال مشغله إلى الرباط متواريا فيها عن الأنظار خشية اعتقاله، أصبح البيضاوي يتولى بنفسه تنظيم السهرات الماجنة، بل كوّن لنفسه شبكة خاصة من العلاقات مع السياح الخليجيين والفتيات المغربيات، وبات يشتغل لحسابه الشخصي دون حاجة إلى “البرهوش”، وغيّر اسمه الحركي من”السيمو البيضاوي” إلى “سمير الكازاوي”، وأصبح ينظم سهرات بمدن أخرى غير مراكش.
تروي “ص.م”، إحدى الفتيات المتابعات في الملف، للمحققين حكاية تعرفها على “السيمو”: “تعرفت منذ سنة تقريبا عن طريق “يوسف البرهوش” على المدعو “محمد,ف” الملقب بـ”سمير”.. لقد كان معروفا في وقت سابق بـ”سيمو الكازاوي”، وبعد أن علم بأن الشرطة تبحث عنه لتورطه في قضايا دعارة، عمد إلى تغيير لقبه حتى لا يتم توقيفه”، وتضيف هذه الفتاة البالغة 24 سنة، والتي تغطي مصاريف دراستها بمعهد للتعليم العالي بمراكش من تعاطيها للدعارة، بأن “سمير” سبق له أن رافقها إلى حفلة بمدينة إفران حضرتها أكثر من 120 فتاة، ومكثت هناك أربعة أيام تقاضت فيها مليوني سنتيم، سلمته منها 6000 درهم.
وعن مشاركتها في السهرة الماجنة للفنان المنهالي ومن معه، أوضحت بأنها تلقت رسالة نصية عبر "واتسآب"، صباح التاسع من سبتمبر/ أيلول الماضي، من يوسف البرهوش، يشعرها فيها بأنه سيكلف “سمير” بإيصالها إلى فيلا بطريق فاس، وأضافت بأنه على الساعة ليلا أقلها هذا الأخير على متن سيارة رمادية اللون، من نوع “داسيا”، برفقة ثلاث فتيات أخريات، وقد عرج على فتاة أخرى، قبل أن يتم توقيفهم جميعا بمجرد دخولهم للفيلا.
سائق متهم بالقوادة
الشخص الثالث المتابع، في حالة اعتقال، ليس سوى “عبد الكريم.ص” (37 سنة)، المنحدر من مراكش، التي يعمل بها منذ تسع سنوات سائقا لسيارة أجرة كبيرة، والذي صرّح، خلال مرحلة البحث التمهيدي، بأنه ومع انتعاشة القطاع السياحي بالمدينة حذا حذو بعض سائقي سيارات الأجرة، الذين ينقلون ممتهنات الدعارة من منازلهن إلى صالونات الحلاقة ومنها إلى العلب الليلية، قبل أن ينتقل إلى ممارسة القوادة، حيث أصبح معروفا بلقب “كريم”، ينقل الفتيات إلى فيلات الدعارة الراقية مقابل عمولة تتراوح بين 200 و500 درهم للفتاة الواحدة، كما يتسلم من السياح الخليجيين مبالغ تتراوح بين 500 و800 درهم عن كل واحدة منهن. ومن خلال دخوله إلى هذا المجال، أصبحت تتداول أمامه أسماء بعض الوسطاء الكبار في عوالم الدعارة الراقية، الذين قال إنه لم يسبق له أن التقاهم، كما استعرض أمام فرقة الأخلاق العامة أسماء بعض سائقي سيارات الأجرة العاملين في القوادة، وإلى جانب “كريم” هناك، أيضا، سائق سيارة أجرة آخر متابع في الملف نفسه، في حالة سراح، بتهمة “تسهيل البغاء”.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر