باريس - وكالات
في حين يتذكر البعض قرية سان تروبيه على الشاطئ الفرنسي الجنوبي بأنها انطلقت إلى الشهرة العالمية في عقد الستينات الذي توجهت إليه الطبقات الأرستقراطية لقضاء عطلة الصيف هناك، فإن شهرة المدينة الفرنسية تعود إلى حقب سابقة.. فقد أقام بها العديد من المشاهير من أمثال بيكاسو وسارتر والعديد من الفنانين الآخرين المعروفين أوروبيا.
وهي تجمع بين مواصفات الريف الفرنسي القريب منها وأسلوب الحياة الأرستقراطي الذي يسود منطقة الريفييرا الفرنسية التي تعرف أيضا باسم «كوت دازور». وهي توفر للمقيم والزائر شهورا طويلة من فصل الصيف ومياها دافئة وشواطئ رملية ناعمة، ومنافذ تجارية تقدم كل أصناف المنتجات الفرنسية الفاخرة.. المأكولات الفرنسية والقهوة الطازجة. وهي منطقة ساحرة بأي مقياس؛ يقطنها أثرياء من كل أنحاء العالم ويتجمعون دوريا في نواديها الليلية مثل «كلوب 55» و«لو كاف دو روا» وغيرهما.
ولعل الجانب السلبي الوحيد في المنطقة هو أسعار العقار فيها التي تأخذ في التصاعد عاما بعد عام، ولا يبدو أنها تأثرت كثيرا بموجة الكساد الاقتصادي التي تعم أوروبا بشكل عام وتضرب الاقتصاد الفرنسي بشكل خاص. وقد تسبب نظام الضرائب الفرنسي الصارم في هروب الفرنسيين أنفسهم من بلادهم، ولكن حتى هذه الهجرة المتزايدة للأثرياء لم تؤثر على أسعار عقارات سان تروبيه.
لكن مارك هارفي، مدير قطاع العقارات الفرنسية في شركة «نايت فرانك» يهدئ من روع المشترين الأجانب للعقارات الفرنسية بالقول إن «الضرائب الفرنسية ليست سيئة كما يشاع. فقد ارتفع الحد الأدنى لضريبة الثراء من نحو مليون دولار إلى مليون ونصف المليون، كما أن الضرائب الاجتماعية التي تفرض على نمو القيمة العقارية سوف يكون تأثيرها هامشيا لأننا نعيش في عصر النمو الضعيف لرؤوس الأموال».
ومع ذلك، فإن على المشتري في الجنوب الفرنسي أن يتوخى الحذر لأن الحكومة الفرنسية تركت الفرصة متاحة لتغييرات ضريبية أخرى قد تؤثر سلبا على ملكية العقار، خصوصا من الأجانب. ولكن أقوى العوامل السلبية الفاعلة في السوق الفرنسية بالنسبة للمشتري العربي في الوقت الحاضر هي قوة اليورو أمام الدولار. فالمشتري من خارج أوروبا يتحمل تكلفة التحويل من عملة ضعيفة القيمة إلى عملة قوية بلا أسباب عملية، نظرا لأزمة دول أوروبية مثل اليونان وإسبانيا.
ولكن هذه العوامل لا يبدو أنها تبعد المشترين عن سان تروبيه، فقد سجلت شركة «نايت فرانك» نسبة زيادة من بريطانيا على مشتريات العقار الفرنسي بلغت 20 في المائة خلال الربع الأول من العام الحالي. ويرى المستثمرون البريطانيون فرصة في عقارات سان تروبيه لأنها توفر فائدة مزدوجة: أولا، العائد الإيجاري الجيد طوال شهور الذروة السياحية في فصل الصيف، وأيضا زيادة قيمة العقار نفسه بعد سنوات من الملكية والأرباح الإيجارية.
ويفضل أصحاب العقارات في سان تروبيه، وهي شبه جزيرة تطل على البحر بمناظر خلابة وتحيطها تلال خضراء في الخلفية، الإقامة في عقاراتهم خلال فصل الشتاء الهادئ.. وهو وقت تبدو فيه القرية وكأنها قد عادت إلى عقد الستينات مرة أخرى، حيث النساء يذهبن إلى السوق لتسوق أنواع الطعام والشراب، وحيث الشواطئ خالية إلا من مقاه تقدم المشروبات الساخنة من وراء واجهات زجاجية تكفل للجالسين بعض الدفء من رياح البحر الشتوية.
وهي صورة تنقلب إلى عكسها خلال أشهر الصيف وتصل إلى ذروتها في شهر أغسطس (آب) من كل عام، حيث يفد إلى سان تروبيه ما لا يقل عن مائة ألف سائح يوميا تزدحم بهم الشواطئ والمقاهي والمطاعم.. وهو الوقت التي يفضل فيه أصحاب العقارات تأجير عقاراتهم للسياح ومغادرة المنطقة.
ويقول كينيث سوندر، وهو وكيل عقاري بريطاني مقيم في سان تروبيه، إن معظم زبائنه لهم ذكريات شباب في سان تروبيه و«يأتون الآن في خريف العمر للاستقرار أو الاستثمار في المنطقة التي عشقوها في شبابهم». وهو يعتقد أن المنطقة تقدم أفضل أسلوب معيشة مميز وتفتح نافذة على المجتمع الفرنسي عبر أسواق شعبية تقام يومي الثلاثاء والسبت من كل أسبوع. وهو يصف نمط الحياة اليومية في سان تروبيه بقراءة الصحف صباحا على فطور أو فنجان من القهوة في مقهى يواجه البحر.
وهو يصف وضع سوق العقار بأنها هادئة في الوقت الحاضر ولكن مع ظهور صفقات سريعة للعقارات السوبر التي لا تبقى معروضة لفترات طويلة. ويعتقد سوندر أن هناك بعض الفرص الاستثمارية بأسعار معقولة ما زالت متاحة في المنطقة؛ منها منزل يبعد ستة أميال عن سان تروبيه قريب من البحر ويطل على ملعب غولف. وهو مكون من ثلاث غرف مع حديقة وحمام سباحة داخل منطقة خاصة وبها حراسة. وهو معروض بسعر 850 ألف يورو. وتقع المنطقة قريبا من الريف الفرنسي وقرية غريمو التي تقع على قمة تل قريب.
من ناحية أخرى، تعرض شركة «نايت فرنك» عقارا عمره مائتي عام تقريبا في مدينة سان مكسيم، وهو مكون من ثلاث غرف، وتم خفض الثمن بنسبة 30 في المائة من أجل البيع السريع. وهو معروض بسعر 950 ألف يورو.
وهناك شركات محلية تعرض فيللات بثلاث غرف وحمام سباحة بأسعار تبدأ من 750 ألف يورو. ويوجد العديد من العقارات والشقق الصغيرة القريبة من الشاطئ وبأحجام تبدأ من غرفة واحدة بأسعار تبدأ من 240 ألف يورو.
ومع ذلك، فإن ما يحد النشاط العقاري في سان تروبيه ليس عدم وجود السيولة المالية وإنما ندرة العقارات الجيدة التي يبحث عنها الأثرياء. فالعديد من العقارات الساحلية الفاخرة لا تصل إلى الأسواق إلا مرة كل ربع قرن، وأحيانا تباع قبل وصولها إلى الأسواق.
وتقول شركات محلية إن أكثر المناطق سيولة في التعامل حاليا تقع بين مدينة «كان» الساحلية ومدينة غراس شمالا. وهي منطقة غير مرتبطة بالسياحة في المنطقة ويستمر الطلب عليها من الفرنسيين أنفسهم طوال شهور العام. كما تجذب المنطقة العديد من الأجانب المقيمين بفضل المدارس الدولية المنتشرة فيها، خصوصا للعاملين في القرية التكنولوجية في منطقة صوفيا انتيبوليس. وهي منطقة توفر أفضل فرص للحصول على عقارات بأسعار معتدلة ما زالت منخفضة بنحو 25 في المائة عن ذروتها في عام 2007. وتقول شركات العقارات المحلية إن النشاط في هذه المنطقة يعود إلى واقعية البائعين بضرورة خفض الأسعار لتحقيق صفقات البيع السريعة. وأشارت إلى أن معظم نشاط السوق يقع في القطاع الذي يقل الثمن فيه عن 950 ألف يورو. ولدى شركة «نايت فرنك» عدة عقارات في المنطقة تباع بأسعار تتراوح بين 500 و900 ألف يورو.
وتشتهر منطقة سان تروبيه الآن بجاذبية خاصة للأثرياء الذين يأتون إليها بيخوتهم الفاخرة وسياراتهم الفارهة، وبآلاف السياح الذين يأتون للاستمتاع بالمناخ الأرستقراطي العريق. ويأتي العديد من السياح إلى المدينة صيفا على أمل مشاهدة عدد من النجوم العالميين فيها. ويضمن هذا الإقبال السنوي على المنطقة وجود الطلب العقاري على كل فئات العقار، وإن كان القطاع الأبرز في المنطقة هو القطاع السوبر الذي يتاح فقط لأثرياء العالم.
ومن المتوقع أن تكون المنطقة هي الأولى في انطلاقة الانتعاش العقاري المتوقعة في فرنسا بعد نهاية فترة الكساد الحالية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر