أكد موجز بحثي جديد نشره “مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد” حول “آلية تعديل حدود الكربون” (المعروفة اختصارا بـCBAM)، التي تتضمن إقرار الاتحاد الأوروبي ضريبة الحدود على ثاني أكسيد الكربون، أن “المغرب من أبرز الدول التي قد تتضرر من هذه الآلية التي تصاعَد دورها كـ”أداة سياسية مهمة في جهود الاتحاد الأوروبي لمكافحة تغير المناخ ومنع تسرب الكربون”.
“من خلال وضع سعر لانبعاثات الكربون المُتضمَّنة في بعض السلع المستوردة من طرف دول الاتحاد الأوروبي، فإن الآلية المذكورة (التي ستدخل مرحلة انتقالية في أكتوبر 2023 ومرحلة فعلية في 2026) لديها قدرة كبيرة على التأثير على الاقتصادات، لا سيما الاقتصاد المغربي”، الذي تجمعه بأوروبا النسبة الكبرى من العلاقات التجارية.
الموجز البحثي، الذي جاء في 12 صفحة باللغة الإنجليزية، يقارب أحدَثَ التطورات في الآلية الأوروبية للانبعاثات الكربونية، قبل أن “يقيّم آثارها على الاقتصاد المغربي وجهود تغير المناخ”، مُحلّلاً التحديات التي قد يواجهها الاقتصاد المغربي، بما فيها الآثار المترتبة عن “التكاليف، والقدرة التنافسية، ومتطلبات الامتثال، وتعديلات سلسلة التوريد، وزيادة التعرض للمخاطر”.
كما تسلط الوثيقة، التي تتوفر عليها هسبريس، الضوء على الفرص المتاحة للمغرب، وأهمية تنفيذ السياسات المستهدفة، وتعزيز الإطار التنظيمي، وتعزيز مبادرات بناء القدرات، وتعزيز التعاون للتنقل بشكل فعال في الفترة الانتقالية.
ومن أجل “الاستفادة من الفرص” والتغلب على التحديات التي تطرحها هذه السياسة ذات التحول الجذري في بنية التبادل التجاري، تقترح الباحثة ريم برحاب، خبيرة اقتصادية رئيسية بالمركز سالف الذكر، “فهم تعقيدات آلية الحد من الكربون قبل عمليات التصدير إلى أوروبا، مع اعتماد استراتيجيات استباقية”.
آثار مباشرة وغير مباشرة
في الوقت الذي يستعد المغرب للفترة الانتقالية المقبلة لـ”الآلية الأوروبية للحد من الكربون”، ترى مؤلفة الورقة أنه “يتحتّم على صانعي السياسات اتباع نهج استباقي من أجل التصدي للتحديات واغتنام الفرص التي تتيحها”.
وبعد تشخيص دقيق، أكدت برحاب أن تأثير “آلية الكربون الأوروبية” على المغرب يُصنَّف إلى “آثار مباشرة وغير مباشرة”، معددة “الآثار المترتبة عن التكلفة، واعتبارات القدرة التنافسية، ومتطلبات الامتثال والمطابقة، والتعديلات الهيكلية داخل سلاسل التوريد، وزيادة التعرض للمخاطر في جميع أنحاء سلسلة القيمة” (supply chain).
“اعتماد أقل” وتأثيرات متعددة
يُظهر المغرب اعتماداً أقل على صادرات المنتجات المتعلقة بـ CBAM إلى الاتحاد الأوروبي، حيث تمثل هذه المنتجات 3 بالمائة فقط من صادراته إلى الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، ضمن هذه المجموعة الفرعية تمثل الأسمدة نسبة مذهلة (78 بالمائة).
تأثير “آلية تعديل حدود الكربون” على الاقتصاد المغربي رصدته الوثيقة البحثية ذاتها في “عدد من العوامل”، خاصة بالذكر “التصميم المحدِّد للآلية، وجهود المغرب الخاصة بإزالة الكربون، وقابلية الشركات والمقاولات المغربية للتكيف والابتكار استجابة لذلك”، مضيفة إليها تحديات “الحصول على التمويل، حيث إن الشركات التي تتطلب التمويل لمبادرات إزالة الكربون قد تكون في وضع غير مناسب إذا زادت تكاليف الاقتراض”.
كما يعتمد التأثير على “مدى كثافة الكربون في الاقتصاد المغربي”، لا سيما في “القطاعات المشمولة والمغطاة” (covered sector) . وبموجب الآلية الأوروبية “ستكون ضريبة الكربون دالّة على الكربون المدمَج في السلع المستوردة إذا قام اقتصادان بتصدير الحجم نفسه من السلع إلى الاتحاد الأوروبي، والفرق بين كثافة الكربون في صناعاتهما يمكن أن يكون عاملا حاسما يؤثر على العبء الضريبي؛ وفي نهاية المطاف على القدرة التنافسية لتلك الصناعات”، تستنتج الباحثة الاقتصادية.
تنافسية صادرات المغرب “بدون كربون”
“يمكن أن تصبح السلع المغربية الخاضعة لميكانيزم “CBAM” أكثر تكلفة نسبياً بالنسبة لزبناء الاتحاد الأوروبي مقارنة بالسلع المعفاة من هذه الآلية”، يسجل المصدر ذاته، منبهاً إلى ما قد يواجه الصناعات ذات الانبعاثات العالية من “تحديات في استمرار المنافسة”، نظرا لزيادة التكاليف التي تفرضها آلية حدود الكربون بأوروبا على السلع المستوردة.
في الآن نفسه سيتطلّب التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة في الفوسفاط والصناعة استثمارات يمكن أن تَرفَع تكاليف الإنتاج على المدى القصير؛ وهو ما يعني أنها “ستقلل القدرة التنافسية للصادرات المغربية”.
ومن بين كل الصادرات المعنية مباشَرة بالآلية، من المتوقع أن تتأثر صناعة الفوسفاط بسبب انبعاثات الكربون المرتفعة نسبيا في السياق الحالي، خصوصا قطاعيْ الأسمدة والمشتقات الكيميائية، اللذين يساهمان بشكل رئيسي في صادرات المغرب.
ولفتت الباحثة إلى تخطيط مجموعة OCP” ” لاستثمار 13 مليار دولار لتحقيق حياد الكربون بنسبة 100 بالمائة بحلول عام 2040، مما سيجعل المنتجات المشتقة من الفوسفاط “أكثر قدرة على المنافسة على المدى الطويل”، وهو ما يؤكد أن صادرات المغرب الفورية إلى الاتحاد الأوروبي “من المرجح أن تتأثر سلباً”، راصدة بأنه “يمكن أن يكون لذلك أثر سلبي على ميزان مدفوعات المغرب وأدائه الاقتصادي العام في الأمد القصير”.
وأوصت الباحثة بـ”إمكانية استكشاف المغرب خيار تنفيذ آلياته الخاصة لتسعير الكربون التي يتم رصدها بشكل موضوعي ومعترف بها على أنها مكافئة من قبل شركاء الاتحاد الأوروبي”. وفي حال إثبات التزامه بخفض انبعاثات الكربون “يمكن للمغرب تجنب ضرائب إضافية من خلال الآلية، مع إثبات نفسه كشريك تجاري مسؤول”، تُجمِل الورقة، التي خلصت إلى ضرورة “تدعيم الجهود المبذولة للحد من كثافة الكربون في الصناعة المغربية بالسعي إلى تنويع وجهات تصديره لتقليل اعتماده على السوق الأوروبية”.
ارتفاع العائدات الضريبية بمعدل إنجاز يتجاوز توقعات قانون المالية وفقا لوزارة الاقتصاد المغربية
الظروف المناخية غير المناسبة تُهدد نمو الاقتصاد المغربي بنسبة 4 %
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر