ربما يشكل انخفاض الأسواق العالمية أمراً إيجابياً للبنوك المركزية الآسيوية إذا منحها ضعف الدولار الأميركي المتواصل مجالاً لتيسير السياسة النقدية.
بلغت العملات الآسيوية أعلى مستوياتها خلال 5 شهور مقابل الدولار الأميركي الأسبوع الجاري، وسط تحولات كبيرة في الأسواق العالمية بسبب مجموعة مخاوف على رأسها القلق من بطء بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الشديد في تيسير السياسة النقدية. وتصدر الريـنغت الماليزي موجة الصعود في الأسواق الناشئة أمس، يليه اليوان الصيني الذي عانى لمدة طويلة. فيما تراجع مؤشر بلومبرغ للعملات الآسيوية قليلاً اليوم.
كان ضعف سعر صرف العملات المحلية أحد الأسباب التي جعلت البنوك المركزية، بما فيها في الصين وكوريا الجنوبية، تتحفظ على خفض أسعار الفائدة، رغم أن الضغوط السعرية في كافة أنحاء الأسواق الناشئة في آسيا كانت أقل بشكل ملحوظ من تلك الموجودة في غالبية الاقتصادات المتقدمة الكبرى.
في الوقت نفسه، أدت عوائد سندات الخزانة الأميركية المرتفعة إلى تثبيط الصناديق العالمية عن الاستثمار في آسيا. وربما يتغير كل هذا مع تصاعد الرهانات على تخفيض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة، ما يجعل الميزان يميل لصالح المنطقة.
أوضحت فرانسيس تشونج، الخبيرة الاستراتيجية في مجال أسعار الفائدة ببنك "أوفرسيز-تشاينا بانكينغ" (Oversea-Chinese Banking Corp): "ضعف الدولار وانخفاض عوائد السندات الأميركية سيوفران مجالاً أكبر للبنوك المركزية الآسيوية على صعيد تيسير السياسة النقدية، خاصة إذا كانت ظروفهم الاقتصادية المحلية مناسبة لخفض أسعار الفائدة".
نطاق إجراءات بنك الشعب الصيني لا يزال مقيداً بخطر أن يؤدي تطبيق نهج أكثر جرأة إلى ضعف العملة، وتراكم الديون مرة أخرى، وتقليص حيز المناورة في السياسة النقدية.
عزز المستثمرون الرهانات على حدوث تحول في بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي نحو خفض أسعار الفائدة بعد اجتماعه الأربعاء الماضي. وأشار رئيس البنك المركزي الأميركي، جيروم باول، إلى أن خيار خفض الفائدة خلال سبتمبر المقبل ربما يكون مطروحاً للنقاش، وهو ما أعقبه صدور بيانات ضعيفة لسوق العمل الجمعة الماضية.
تتوقع سوق عقود المقايضات خفضاً لسعر فائدة بمقدار 50 نقطة أساس تقريباً من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في سبتمبر المقبل، بينما تكشف بيانات جمعتها بلومبرغ أن توقعات تخفيض أسعار الفائدة الأساسية خلال الأشهر المقبلة تصاعدت في كوريا الجنوبية وتايلندا وماليزيا.
انتعاش العملات الآسيوية
ارتفعت الـروبية الإندونيسية للجلسة الرابعة على التوالي أمس، مع صعودها إلى جانب العملات الأخرى بالمنطقة، بعدما أظهرت البيانات نمو الاقتصاد الإندونيسي بأكثر قليلاً من التوقعات خلال الربع الماضي. ومن المنتظر أن تسهم أرقام التضخم في الفلبين وتايوان وتايلندا الأسبوع الحالي في تشكيل توقعات المستثمرين لمسار السياسة النقدية في تلك الاقتصادات أيضاً.
قد تضطر البنوك المركزية في آسيا إلى دراسة احتمال خفض أسعار الفائدة مرات أقل أو عدم خفضها في العام الجاري بعدما أدى تجاوز بيانات التضخم في أميركا التوقعات
ولو استمر انخفاض الدولار الأميركي، فقد يمثل ذلك تحولاً بالنسبة للمسؤولين في تايوان وإندونيسيا، الذين اضطروا في وقت سابق من هذا العام إلى رفع أسعار الفائدة للدفاع عن عملاتهم. ومن المتوقع أن يتحول البنك المركزي الهندي إلى موقف محايد في وقت لاحق من هذا الأسبوع، بينما من المقرر اتخاذ قرارات بشأن أسعار الفائدة في الفلبين وتايلندا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية في وقت لاحق من الشهر الجاري.
"صمدت عملات دول رابطة الدول الآسيوية (آسيان) حتى الآن. وإذا استمر الوضع على هذا الحال، فستكون هناك فرصة جيدة لتخفيض بنك الفلبين المركزي أسعار الفائدة الأسبوع المقبل وربما يعقبه بنك إندونيسيا المركزي في الأسبوع التالي".
في الوقت نفسه، انتعش سوق سندات الصين بسبب آمال المستثمرين في تطبيق تخفيضات جديدة على أسعار الفائدة بثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم.
قال بنك "دي بي إس غروب هولدينغز" (DBS Group Holdings) في مذكرة للعملاء: "تملك البنوك المركزية الآسيوية حالياً مزيداً من الاستقلالية لتوجيه إعدادات السياسة النقدية نحو الأهداف المحلية إذا استلزم الأمر. ومن المحتمل أن تخفض البنوك المركزية أسعار الفائدة مستقبلاً بعدما التزمت بالتشديد النقدي على مدى العام الماضي".
تهديدات التضخم مستمرة
لكن الوضع لم يستقر بعد. وارتفع التضخم الرئيسي في كوريا الجنوبية والهند خلال الشهور الأخيرة. وقد يلعب الدولار الأميركي دوره التقليدي بوصفه ملاذاً آمناً إذا استمرت اضطرابات الأسواق أو احتدمت التهديدات الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط.
كما يمكن أن تعود الرهانات المرتبطة بفوز ترمب على أصول مثل الدولار الأميركي أو بتكوين، والتي يُنظر إليها على أنها تستفيد من السياسة المالية الأكثر تيسيراً والرسوم الجمركية الأعلى إذا عاد دونالد ترمب للبيت الأبيض.
ذكر جون هاريسون، المدير العام لاستراتيجية الأسواق الناشئة للاقتصاد الكلي في شركة "غلوبال داتا تي إس لومبارد" (GlobalData TS Lombard) في لندن: "على الأرجح لن يخفضوا أسعار الفائدة إلا بعد أن يخفضها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، لا سيما في ظل تقلب الأسواق الشديد في الوقت الحالي".
قد يهمك أيضــــــــــــــا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر