تونس-حياة الغانمي
تترأس السيّدة وداد بوشماوي منظّمة اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، ولم يكن من السهل أن تقبّل رجال الأعمال التونسيين أن تترأسهم امرأة، حيث أنّ المنظّمة منذ تأسيسها التي عام 1947 ظلّت حتّى 2011 محكومة بالعقلية الذكورية إلى أن أتت السيدة بوشماوي لتقلب المعادلة، فهي تعتبر أول امراة عربية ترأس غرفة أصحاب الأعمال، في هذه المنظمة التي تضم كل رجال الأعمال والصناعيين والتجار، والتي استطاعت بوشماوي من توظيف الخبرة التي اكتسبتها في إدارة مؤسسات عائلتها التي تنشط منذ عشرات السنين في قطاع النفط والنسيج في تسيير منظمة الأعمال التي تعدّ الثقل الاقتصادي للبلاد، رغم أنّ طريقها وداد لم يكن سهلًا فاتحاد الصناعة والتجارة ليس منظمة مدنية فقط فهي سلطة المال ومركز القرار الاقتصادي وحتى السياسي في بعض الاحيان، ورئيسها مُطالب بتوفير المناخ الاستثماري الملائم والامتيازات الاقتصادية والدفاع عن مصالح منظوريهم وحثهم في الوقت ذاته على القيام بدورهم الوطني في دفع الاقتصاد التونسي في هذا الظرف الصعب، ورغم أنّ المهتمين بالشأن الاقتصادي يصفون بوشماوي بالمرأة المحظوظة لأنها سجّلت اسمها في التاريخ كأول امراة ترأس منظمة الأعمال ولأن المنظّمة حصدت في عهدها جائزة نوبل للسلام بوصفها طرفًا في الرباعي الراعي للحوار إلّا أنّ العارفين بكواليس المنظمة يدركون جيدًا أنّها في موقع لا تحسد عليه، حيث أنّ اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية لم يكن يومًا خارج اللعبة السياسية بل إنّ رجال الأعمال غالبًا ما كانوا يرسمون خارطة التوجهات الكبرى لأي حكومة وهو ما جعل المنظمة التي كان رئيسها السابق من أصهار بن علي، الهادي الجيلاني، تواجه انتقادات عديدة بالتواطىء والاستفادة من النظام السابق وكان لزامًا على أول رئيسة للاتحاد بعد الثورة أن تخرج بالاتحاد من صورة المنظمة المتسلطة بقوة المال إلى صورة المنظمة الوطنية المدافعة على مصلحة الأجير والمؤجر.
ويحسب لبوشماوي أنّها أبدت من الصلابة ورباطة الجأش في إدارة مجلس الأعمال على امتداد السنوات الأربعة الماضية ما جعلها محل احترام من جميع الأحزاب السياسية ورؤساء الحكومات خاصة وأنّها لم تعلن انحيازها في ملف رجال الأعمال المتورطين في الفساد مكتفية بالدعوة إلى ضرورة الإسراع في معالجة الملف قضائيًا بعيدًا عن منطق التشفي، ولأنها ترأست المنظمة بعد الثورة، فهي تواجه العديد من المصاعب والمشاكل والانتقادات، بسبب تدهور الوضع الأمني ورداءة المناخ الاستثماري عمومًا، وهو ما جعل المتربصين بها يحصون لها الزلات خاصة اذا ما تعلّق الأمر بتقديم تنازلات في المفاوضات حول الزيادة في أجور العمال فتكتفي بالرد: "إنها معركة مناصب وهناك من استكثر عليّ المنصب"، وهي أيضًا تجيد بحكم موقعها الحساس لعبة شدّ الحبل مع كل الأطراف المحيطة بها مستعملة سياسة العصا والجزرة، فهي تسعى إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب لرجال الأعمال وترك بصماتها في المنظمة دون أن تدخل في صدام مباشر مع منظمة العمّال (الاتحاد العام التونسي للشغل) معتبرة أنّ سلامة المؤسسة لا يمكن أن تحقق دون توازن اجتماعي.
وتقصد بوشماوي الكثير من البلدان داعية رجال الأعمال، خاصة العرب منهم للاستثمار في تونس، وتبشّرهم بقانون استثماري جديد يعتمد الشفافية والبعد عن البيروقراطية، حيث يقول المراقبون للشأن العام إنّ ترأس سيدة لمجلس الأعمال يساعد تونس كثيرًا في الظرف الحالي على تسويق صورتها كبلد حداثي يجسد فعلًا مبدأ التناصف الذي ورد في الدستور الجديد خاصة وأنّ المرأة أكثر قدرة على تقديم صورة مشرقة عن بلدها مهما كانت قتامة الوضع، وتعتبر رئيسة منظمة الأعراف توفير مقومات الكرامة وأسباب العيش الكريم لكل التونسيين مسؤولية رجال الأعمال للقضاء على الفقر والتفاوت بين المحافظات، لافتةً إلى أنّ طريقًا طويلة تنتظر التونسيين لإحداث نقلة نوعية في مكافحة التطرّفـ وأنّ تونس تعول على كفاءاتها وقدراتها الذاتية لتحقيق النمو الاقتصادي رغم تطلّعها إلى دعم ومساندة أصدقائها من كافة أنحاء العالم.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر