كتاب جمالية الحكي الإنتقال من التجريد إلى التجسيد
آخر تحديث GMT 00:18:47
المغرب اليوم -

كتاب "جمالية الحكي" الإنتقال من التجريد إلى التجسيد

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - كتاب

دمشق - سانا

يقدم الباحث أحمد القاسمي في كتابه "جمالية الحكي" بين الصياغة اللغوية والمعالجة السينمائية دراسة سيميائية لنوعين من الدلالات الأولى تعتمد على اللغة المكتوبة والثانية على المشهد بما يعنيه من لغة أيقونية تتشابك فيها اللغات من صورة وإضاءة وموسيقا وأداء ممثل فتتعاضد اللغة كعلامة لسانية مع المثيرات الصوتية والبصرية كاشفاً النقاب عن طريقة إنشاء كل نوع من العلامات وطقوس تلقيها وظروف ذاك التلقي وما يميز كل منهما من أنظمة تشكل. ويبين القاسمي مشتركات السرد اللغوي مع الفيلم السينمائي باعتمادهما على الأحداث والحكاية والشخصيات والفضاء والزمن مبينا الاختلافات بين الأنظمة الدلالية لكل منهما القائمة على كيفية تجسيد العالم المتخيل وأثرها في تحديد إنشائية كل من القصة والفيلم ومصادر الجمال فيهما وأثر هذه الاختلافات في تقبل الأثر الفني وتلقيه. ويجتهد الباحث في تحديد أساليب الحكي وبلاغته وتقنياته ودعائمه بين الخطاب الأدبي والخطاب السينمائي وما يولده اختلاف العلامة اللغوية عن العلامة البصرية في بنية الخطاب الداخلية التي لا تقف عند الوصف بل تتوسع لتشمل معمار الحكاية وتقنيات الحكي وبلاغته بمكوناته الانفعالية والبنيوية وما يقابلها من بلاغة الحكي السينمائي بعناصره المختلفة من إضاءة وديكور وفن أداء الممثل وتربيته والفضاء المتشكل حوله والمتضمن الموسيقا والصوت وما إلى هنالك. ويفصل القاسمي ضمن بحثه في الاختلافات السيميائية بين الأدب والسينما بما يتعلق بالشخصية والفضاء والزمن معتمداً على دراسة تطبيقية أجراها على فيلم "المصباح المظلم" لمخرجه حمود بن حليمة وكاتبه علي الدوعاجي والذي يحكي عن امرأة تريد الانتصار لذاتها عبر خيانة زوجها الذي يمعن في خيانتها ولا تجد أمامها سوى حلاق الحارة زير النساء الذي تطلب منه مرافقتها إلى بيتها للتشفي من جنس الرجال جميعهم لكنه يدرك بعد أن حصل عليها أنه لم يكن الفائز بل إنها هي من حقق نصرها الذاتي بقدرتها على تجاوز تقاليد المجتمع الشرقي المحافظ وما يتيحه من مزايا للرجل يمنعها عن المرأة. يرصد الباحث معالم الشخصيات الرئيسية والثانوية وسماتها الأساسية وخصائصها المادية حيث تتحدد شخصية الحلاق كونه فتيا ووسيما ويتمتع بالفضول والاعتداد بنفسه حد النرجسية ما يجعله زير نساء في حين أن المرأة الحائرة جميلة وناعمة ولباسها يحيل إلى أنها من عائلة ميسورة وتبرز سيجارتها رغبتها في اقتحام عوالم قصية تتاح للرجل دون المرأة أما الشخصيات الثانوية فهي صبيان الحارة العابثون بالمصباح والمؤذن والمصلون الذين يتدافعون نحو المسجد لأداء الصلاة. ويبين القاسمي كيف يؤثر انقلاب البرنامج السردي في أدوار الشخصيات عميقاً ويغير من طبيعتها تغييرا جذرياً فالظاهر أن النص يقدم الشخصية ذات الوظيفة الحدثية ويدفع بها إلى السطح فيمثل الحلاق بؤرة الحدث ويحقق مبتغاه لينتهي البرنامج السردي باتصاله كذات بموضوع الغواية والباطن أن النص يخاتلنا ليدفع بالشخصية ذات الوظيفة الاستبطانية إلى السطح فجأة جاعلاً من الكشف عن خبايا النفس واعتمال الوجدان غاية له تتحقق من خلال تحويل المرأة بما تعانيه من جراح وانكسارات إلى بؤرة الأقصوصة. أما على الصعيد السينمائي فوقع المخرج بن حليمة حسب القاسمي أسيراً للتصور العام الذي حول المرأة من ضحية للزوج إلى لعوب تستلقي على الفراش في ضحك وتبرج داعية الحلاق إلى وليمة الجسد مستنداً إلى مرجعيات دينية جسدتها لغة الفيلم البصرية فالجدار مزين بلوحة لآدم وحواء بعد الخطيئة وأخرى ليوسف وامرأة العزيز وبعد المغامرة الجسدية تتوهم المرأة صورة زوجها مصلوباً فتدخن بشراهة ومتعة وتشف بما في ذلك من إسقاط لمضامين القصص القرآنية على حكاية المرأة والحلاق. ويوضح القاسمي أن تجسيد الفضاء في الأدب والسينما لا يكون مجانياً فمثلاً في فيلم المصباح المظلم دكان الحلاق باعتبارها فضاء للزينة وحضور الجسد بكل رغباته كانت بالقرب من الجامع ومسيجة بعيون التقاة من المصلين حتى أن الحلاق لا يتمكن من بلوغ مراده إلا بحلول العتمة وانصراف الرقيب بمعنى أن خطورة الفضاء تتأتى من كونه استيهاميا ويحمل الكثير من المدلولات وتزداد الخطورة في الانتقال من الأدبي إلى السينمائي عبر نقل العلامة من التجريد إلى التجسيد أي أن السينما لا تقدم المادة الروائية للنص الأدبي وإنما روح فضائه. يقول القاسمي.. إن الأدب في الظاهر يقدم عالماً ناقصاً فيما يقدم الفن السينمائي عالما مكتملاً نهائياً آسراً للمتلقي باعتبار أن قوة اللغة في استعمال علامات يتباين فيها الدال والمدلول أما قوة الفيلم فتكمن في استعمال علامات لا تعرف مثل هذا التباين فالسينما تترك مشاهدها في منتصف الطريق إذ تقدم له العالم المحسوس وتدعوه إلى القيام بعملية التجريد بنفسه. ويضيف.. على خلاف الأديب يمتلك السينمائي من الوسائل ما يساعده على تجاوز حدود الفضاء الفني باستمرار فرغم أن الشاشة محددة بمحيطها إلا أن المخرج بن حليمة وجد في توظيف التأطير وتحديد المجال وضبط العمق واعتماد الديكور ومكونات الزمن ما أغنى به عمله وولد منه الدلالات العميقة مكثفاً اللغة البصرية المحلية على عالم الهامش من مشردين يجوبون الشوارع ليلاً وقطط سائبة ومعلقات دعائية تحرض الناس على السمر إلى جانب توظيفه الأيقونة السمعية من آذان وأصوات صراصير وزقزقة عصافير وصياح ديكة للإشارة إلى زمن الحدث بما تتيحه الضرورة السينمائية وشروط الإبداع فيها. يذكر أن كتاب "جمالية الحكي"يحمل الرقم 209 من سلسلة الفن السابع الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب ويقع في 192 صفحة من القطع الكبير.

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاب جمالية الحكي الإنتقال من التجريد إلى التجسيد كتاب جمالية الحكي الإنتقال من التجريد إلى التجسيد



الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib