رواية حول تاريخ من البطش المخزني والثورات الموؤودة
آخر تحديث GMT 19:44:46
المغرب اليوم -

رواية حول تاريخ من البطش المخزني والثورات الموؤودة

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - رواية حول تاريخ من البطش المخزني والثورات الموؤودة

رواية ” المغاربة ”
الرباط - المغرب اليوم

رواية ” المغاربة ” نص متخن بالجراح يحمل جروح المغربي وهو ينظر إلى ذاته نهارا ويتأملها ليلا.. نص روائي مركب..مكثف..من حيث اللغة و الإيحاءت والتركيب والدلالات الرمزية.. بسؤال مركزي ما المعنى أن تكون مغربيا؟ استخدم عبد الكريم جويطي طرائق سردية متعددة وبنى الكثير من الخيارات السياسية والمواقف عن علاقات الذات بالمجتمع وعن الحاضر بالماضي وعن الراهن المغربي وعن قرائن التاريخ… يمتزج كل هذا في نصوص وحكايا وتضارب للأزمنة في نص شديد التركيب والتعقيد على امتداد (400 صفحة) … يبتعد عن نمطية السرد الكلاسيكي وتصبح النهاية مقدمة في متواليات سردية أقرب منه لكتابة المخرج الأمريكي ترانتينو.

العاهات.. الحماقات.. ونزوات المغاربة وضيقهم وتناقضاتهم الصارخة لا يتردد الكاتب في الإمساك بها وتعريتها وصوغها عبر أسئلة عميقة بآليات فنية في الكتابة الروائية عمن أوصل المغاربة إلى هذه الخيبات من تراجع وإخفاقات على أكثر من مستوى وعبر هذه الهشاشات المتعددة وعبر الكثير من الحالات النفسية والإحاطات التاريخية تمتزج فيها الأسطورة بالمتخيل وبالحكائي وبالواقعي وبالسخرية من كل شيء.

 يضع الكاتب نفسه بين النقيض والنقيض ..بين كتابة الشذرية التي تعري كل شيء بروح قلقة متقلبة ” أحفظ لنفسي الحقّ في أن أكون متناقضاً، وأن أحطِّم الأنساق التي نسجن أنفسنا بداخلها. أكتب متناقضاً، أكتب الشيء ونقيضه في الآن نفسه. إنها كتابة ما بعد الكارثة حين ينهار كل شيء بداخلك ويتمزّق، ويفقد معناه، وحين تصير أنت نفسك شذرات لكلية كُنتها ولكتابٍ تناثرت أوراقه في الريح. هي كتابة الصدوع والدويّ الهائل للانهيار، والجلبة البعيدة لحياة تمضي بعيداً عني”..(ص144). ما المعنى أن يتمزق كل شيء كل بذات الكاتب ويحوله إلى كتابة شذرية؟. متسائلا بنوع من الاستنكار المبطن ” قلتُ بصوت خفيض كَمَن يلقي بحجرة صغيرة في بركة هادئة، وعن ماذا تكتب؟ (ص 144). ومن هم المغاربة؟ وهل يعرفون أنفسهم بشكل جيد عبر التاريخ النفسي لتكوينهم وانحداراتهم وخيباتهم القاسية.

يصف المغاربة انطلاقا من الجغرافيا والتاريخ وعلاقتهم بالأخر في بعدهم السيكولوجي قائلا ” بلد كطاولة نردٍ حكمه الطاعون والمجاعات أكثر مِمَّا حكمته الأسر المتعاقبة. بضربةٍ خاطفة كانوا يهزؤون بالجيش والعصبية القبلية، ويحوِّلون الديار إلى أطلال ودمن ” (ص122).

يضيف ” بلد ببحرين وأنهار جارية وأراضٍ خصبة وغاباتٍ، حَكَمَتْه الصحراء، ومنحته قادَة وزعماء ومنظّرين أشدّاء، محتدِّين دوماً، وضائعين بين النقائض، لكنهم بلا خيال ولا طموح « (ص 123) ويتساءل في كل مرة ” شعب هذا حاله كيف سيعرف النهضة ؟ “.

من الشخصيات المركزية في الرواية الأعمى والعسكري وهما شخصان معطوبان ذاقا مرارة الحياة، وهما محورا السرد وركيزته وعلى لسانهما تعدد الحكايا و يعيد الكاتب صياغة تاريخ المغاربة بألوان رمادية.. ليس التاريخ الرسمي بل تاريخ الدسائس المغطى بالسواد والدم والذي أحيط بالعتمة من قبل اليد القابضة والمتحكمة في تاريخ المغاربة…
ففي نظر الكاتب أن ما يميز الناس هو درجة الشقاء.. وهو الذي يمتزج بعمى البصر والبصيرة.. ” وكنت أشغل نفسي بجدال داخلي رهيب، ما الأرحم والأفضل لي: لو كنتُ قد ولدت أعمى. أو عماي وقد بلغت الحادية والعشرين من العمر! ومن الأفضل، أن تولد مثل آلاف الكائنات غير المبصرة التي لا تتعذب بما فقدته، أو تصاب بالعمى بعد أن تكون قد أخذت نصيباً ولو قليلاً من العالم”.

ويفضل الكاتب الليل عن النهار على اعتبار ان النهار متاح للجميع و الليل ليل الدسائس والاشتهاء والشهوة ” فإن كان النهار مشاعاً للجميع، فالليل انتقائي وأناني يصطفي خيرة الناس، فالبشرية بأرقيها ومتسكِّعِيها في الأزقة الخالية، ومشرَّديها في الحانات والمَراقص، ومتهالكيها على حاجات أجسادهم، تدين له بأفضل وأسوأ ما فيها. العتمة تحرّر وتشجّع كل شيء على إخراج ما هو حقيقة، ليلُ اللذة والأفراح والدسائس والمكائد والصفقات.. الليل الذي لا ترى فيه اليد التي تُعطي والتي تأخذ، والتي تغتال، والتي تتلمس طريقها على جسد مشتهى، لم تعرف هذه المدينة، باستثناء بيوت أندلسية قليلة، ثقافة واقتصاد الليل اسألوا أصحاب سيارات الأجرة الذين يشتغلون في الليل سيقولون لكم أشياء مذهلة عن مدينتكم ” (ص 237).

وعن المغاربة وكيف اندست فيهم طرائق الحفظ والتلقين مبتعدين كل البعد عن الاستخدام الجيد للعقل يبرز الكاتب هذه المقارفة ” كم ازدهرت الشروح في هذا البلد، وشروح الشروح، والحواشي، والمختصرات ومختصرات المختصرات، والأرجوزات التعليمية، وطمرت، شيئاً فشيئاً، المصادر! كم حفرت من خنادق عميقة بين العقل وأصول المعارف! في تلك الأوساط التعليمية المتحجِّرة والتي صاغت عقلية المغاربة لقرون، كان كل شيء قد قيل والمعاني والمعارف قد استنفدت، ولم تعُد هناك حاجة إلى بذل جهد في الإبداع والابتكار، يكفي الحفظ والقدرة على الاستظهار “. (ص 122). وعلى طول المثن المتن الروائي، يقر الكاتب أن ماساهم في تخلف المجتمع المغربي هو الاستبداد السياسي والخرافة الدينية من خلال الابتعاد عن العقل والارتهان لأوهام السلطة.

فعلى لسان الأعمى وعند آخر جملة في المتن الروائي، عندما استحضر كلمة لهوراشيو وهو يقول:”إنه زمن الجنون الكبير والعمى الهائل ياصديقي!.

إن رواية ” المغاربة ” رواية غنية برمزيتها وبعدها النفسي والدلالي والتساؤلي وهي تحفر أسئلة عميقة عن الذات المغربية عما كانت عليه وعما آلت إليه ومعها تمنح فرصة للتأمل فيها وهي «كتاب للنفوس المحطّمة، وحطامها مُزدوَج: حطام الجسد وحطام الروح الملأى بالنّدوب التي لا تشفى الروح “العالقة في مأزق الوجود ومتاهاته المؤلمة “، كما يصفها الكاتب.

قد يهمك أيضا :  

عشاق الرواية التاريخية العالمية ينتظرون إعلان الفائز بجائزة والتر سكوت

«99 ليلة في لوجار» رواية أفغانية بطابع ألف ليلة وليلة

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رواية حول تاريخ من البطش المخزني والثورات الموؤودة رواية حول تاريخ من البطش المخزني والثورات الموؤودة



GMT 18:22 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

"الأسلحة النووية" لا تزال تهدد العالم في القرن الـ 21

GMT 15:26 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

ديوان جديد للشاعر الليبي المهدى الحمرونى

GMT 07:08 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كتاب "سالي والتابلت" ضمن مبادرة الشيخة بدور القاسمي

إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:19 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
المغرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:20 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 18:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يعلّق على المنافسة بين أبطال "العتاولة 2"
المغرب اليوم - أحمد السقا يعلّق على المنافسة بين أبطال

GMT 09:56 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع
المغرب اليوم - المغرب تصنع أول دواء من القنب الهندي لعلاج الصرع

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 10:12 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أسعار الذهب تتراجع بأكثر من 30 دولاراً وسط ارتفاع الدولار

GMT 12:40 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 18:38 2018 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

وفاة معتقل داخل محكمة الاستئناف في طنجة

GMT 12:37 2018 الأربعاء ,01 آب / أغسطس

محاولات لإقناع الواعد باسي بتمثيل المغرب

GMT 13:31 2018 الأحد ,08 تموز / يوليو

محمد الشناوي يوضح أنه لم يلتفت إلى أي عروض

GMT 00:51 2018 الخميس ,21 حزيران / يونيو

كهف مظلم في نيوزيلندا تضيئه الديدان المتوهجة

GMT 08:28 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

نحو 60% من الصينيين يتعرضون لفقدان شعر مبكر وزيادة الصلع

GMT 09:39 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

روائح خلابة وبريق الذهب في "جيل" الجسم الجديد من "شانيل"

GMT 18:42 2020 الخميس ,02 تموز / يوليو

متى يعلن إنتر ميلان التعاقد رسميًا مع حكيمي

GMT 12:46 2020 الأربعاء ,06 أيار / مايو

برشلونة الإسباني يستعيد نجمه الشاب موسى واجي

GMT 01:17 2020 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

هاتف LG Velvet الذكي يظهر في فيديو تشويقي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib