القاهره - وكالات
صدر عن دار الكتب الوطنية فى هيئة أبوظبى للسياحة والثقافة نسخة محققة من أول مخطوط عربى عن العلوم المدفعية والمترجم عن الأسبانية الدارجة.
فقد قام الباحث الدكتور إحسان الهندى المتخصص فى العلوم الحربية بتحقيق مخطوطة "العز والرفعة والمنافع للمجاهدين فى سبيل الله بالمدافع" لابن غانم الرياش الأندلسى، التى وضعها بالإسبانية عام 1631م وقام بترجمتها إلى العربية بعد بضع سنين أحمد الشهاب الحجرى، أحد مترجمى البلاط فى مراكش.
وقد اعتمد الباحث على نسخة المخطوط التى عثر عليها فى الخزانة العامة فى الرباط، بعد أن حصر سبع نسخ لنفس المخطوط موزعة بين الرباط والقاهرة وتونس واسطنبول وفيينا، وذلك بعد جهد استمر لعشر سنوات.
ويعتبر المحقق فى تقديمه للمخطوط أنه أول مُؤلَّف عربى فى علوم المدفعية، حيث يقدم المؤلف عبر خمسين بابا تفاصيل فنية دقيقة عن آلات الحرب البارودية بما فيها المعادن التى تستخدم فى صناعتها، وأنواع المدافع وفق المعادن التى تصنع منها وأشكالها، وكيفية استخدامها سواء التى تقذف كرات الحديد أو الحجارة أو غيرها، كما يقدم المؤلف شرحا كاملا لكيفية قياس مدى رمى المدافع بحيث تصل الأهداف المرجوة، مع شرح وافى لآلية تعمير المدافع وتفريغها، بالإضافة إلى ذكره الآلات التى تستخدم فى تعمير المدافع وتحريكها وتبريدها، وغيرها من التفاصيل التى تتعلق بصناعة البارود والنصائح الأخرى التى تتعلق بمعرفة الأبعاد والقياسات، وكيفية التصرف فى حال الحصار. وكل ذلك موضح برسوم توضيحية دقيقة للمدافع بأنواعها ومواضعها، والكور التى تُعمر بها المدافع والعربات التى تحمل عليها، والأفران التى تُصنع لتذويب المدافع لئلا تقع فى أيدى العدو.
وينقل المحقق عن المؤلف تعريفه بنفسه كما ورد فى المخطوط، حيث يذكر أنه ولد فى أحلك مرحلة قضاها من بقى من الأندلسيين المسلمين فى إسبانيا، بين عامى 1550 و1599م، حيث لاحقت محاكم التفتيش الإسبانية من تبقى من المسلمين فى غرناطة بعد اكتشافها أن معظمهم تظاهروا بالتنصر وأنهم مازالوا يحتفظون بديانتهم، فلجأت أسرة ابن غانم إلى إشبيلية حيث بدأ يشغف بحب البحر والأسفار البحرية، وتعلم اللغة الإشبانيول (الأسبانية) كى يتمكن من تعلم العلوم البحرية خلال رحلاته عبر المحيط الأطلسى من الربابنة الإسبان، حتى يشارك فى الجهاد البحرى ضد الأسبان الذين ساموا شعبه أشد أنواع العذاب.
وبعد رحلة طويلة من الأسر والرشاوى والهروب والجهاد ضد الكفار فى البحر الأبيض المتوسط، استقر ابن غانم فى مدينة حلق الوادى فى تونس، حيث وضع كتابه عن المدافع بعد أن رأى جهل رجال المدفعية المستقرين هناك وقلة إلمامهم بأصول المهنة. ويرجح المحقق أنه قد يكون التقى بمعاصره الشهاب الحجرى فى ذلك الوقت أثناء مرور الأخير بتونس فى رحلته إلى الحج، حيث أبدى رغبته بترجمة الكتاب إلى العربية.
ويرى د. إحسان الهندى أن التراث الحربى والعسكرى للأمة العربية مبعثر فى أغلبه بين متاحف ومكتبات العالم.. وأن دراسة هذا التراث وشرحه وتحقيقه ينجم عنه فوائد عسكرية للمساعدة على التوصل لوضع عقيدة عسكرية عربية خالصة، وفائدة علمية لتعميق معلوماتنا فى علوم الحاضر، إلى جانب الفوائد التاريخية فى استعادة إبداعات الأجداد والحفاظ عليها.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر