بحر ورمال تعيد الألق للحالة المسرحية وتنهض بثقافة المسرح الأردني
آخر تحديث GMT 18:47:18
المغرب اليوم -

"بحر ورمال" تعيد الألق للحالة المسرحية وتنهض بثقافة المسرح الأردني

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

المركز الثقافي الملكي
عمان - بترا

مجدي التل- أعادت مسرحية "بحر ورمال" للمخرج الاردني المقيم في روسيا عبدالسلام قبيلات، الالق للحالة المسرحية الاردنية، ونهضت بثقافة المسرح وأدبياته في العرض الذي قدم مساء أمس الجمعة على المسرح الرئيس في المركز الثقافي الملكي بعمان أن يتصدى مخرج مسرحي اردني لتقديم عرض مميز يحترم العقل والذائقة معا ضمن رؤية إخراجية وفكرية ملخصة ومكثفة دون مباشرة، فهذا شيء يدعو إلى التفاؤل لصالح الحركة المسرحية الاردنية، ولكن ان ينهض المخرج بثقافة المسرح وأدبياته من حيث التنظيم وانضباط الجمهور النخبوي الذي أبدى سلوكيات تحترم المسرح ما ذكرنا بالمسارح الاوروبية العريقة، فهذا شأن يسجل للمخرج وفريقه الاداري.

العرض المسرحي "بحر ورمال" الذي نهض على مختلف عناصر السينوغرافيا والاداء التمثيلي والرؤية الاخراجية، واعده المخرج عن نص للكاتب ياسر قبيلات، يكشف في مشاهده الاولى عن ديكور خشبي واقعي يمثل النصف الخلفي لمؤخرة سطح سفينة يأتي على ثلاث مستويات متباينة الارتفاع ببضع سنتمرات الاعلى منه تنتصفه سارية الشراع الرئيس، 

ويرتبط بالمستوى الثاني بدرجتين من يمينهما، فيما تحيط بالسطح على جانبي خشبة المسرح، اقواس خشبية تؤطر هيكل السفينة المفترضة والتي غابت دفتها من بين قطع الديكور، في الوقت الذي تتدلى ارجوحة وحبال من اعلى يمين المسرح باتجاه يمين المستوى الثاني من سطح السفينة ويتموضع مقعد وثير على يسار المستوى الثالث لسطح السفينة اقرب الى مقدمة الخشبة فيما يقابله من الجهة اليمنى كرسي خشبي صغير وبجانبه دلو وبضعة حبال.

يستهل العرض بمؤثر صوتي لهدير البحر وحركة السفينة وسواريها واصوات طيور النورس فيما اضاءة زرقاء علوية تسقط على ساري المنتصف الرئيس واخرى صفراء تنبعث من داخل حجرات السفينة التي نوافذها على اليمين واليسار، تشكلت بين المستوى العلوي والثاني لسطح السفينة، ليتلو ذلك تعتيم مطلق ما تلبث ان تنبعث موسيقا غرائبية هادئة وبطيئة في ظل اطلالة اضاءة صفراء خافتة تعلن عن صعود شخوص العرض من مؤخرة السفينة، الفنان القدير خالد الطريفي /القبطان، بلال زيتون/البحار، ومحمد الجيزاوي والوجه الجديد هلا بدير بوصفهما ركاب السفينة، حاملين آلات موسيقية نفخية ووترية (طنبورة) يقدمون من خلالها اداء يواكب تلك الموسيقا الخافتة الحزينة بوصفهم عازفيها.

اذا كان معيار نجاح اي عرض مسرحي، هو ان يترك في الذاكرة منظراً او تشكيلاً او ظلاً يبقى ملتحما مع الذاكرة فان للأنظمة العلامتية والايقونات دوراً لا يستهان به في تنشيط هذه الذاكرة، إذ أن العرض المسرحي الذي يطرح في ثيمته الرئيسة القائمة على الانتظار، حكاية سفينة تبحث عن مرفأ لترسو عليه، في الوقت الذي يرفض فيه المرفأ أن ترسو السفينة، مبررا ان على متنها حمولة "غير مأمونة"، ليطول الانتظار وتتوالى الاحداث المشبعة بعبارات ومنولوجات وديالوجات رمزية محملة بمضامين تحيلنا إلى البناء العميق للعرض المسرحي علاوة على تطور الحالة لكل شخصية وفقا لسياق الاحداث الدرامية، ليتبين في ختام احداث العرض ان السفينة راكدة في بحر من الرمال، التي قد اجتاحتها او لربما لم تبحر يوما.

العرض المسرحي "بحر ورمال" الذي عبر ديكوره عن الواقعية، وإتكأ على مدرستي العبث والرمزية مقتربا من اسلوبية المسرحيين الفرنسي -الروماني يوجين يونسكو في مسرح اللامعقول والقائم على السخرية من عبثية ظروف الحياة، والايرلندي صموئيل بيكيت باسلوبية الايجاز في التراجوكوميديا والتشاؤوم والانتظار الذي يذكرنا بابرز اعماله "انتظار غودو"، قدم شخوصه في إطار واقعي في سلوكيات عبثية بناءً على تسلسل الاحداث التي تركت اثرها على وضعهم النفسي، لتعبر في بنائها العميق كل شخصية منهم عن شريحة او طبقة من شرائح المجتمعات العربية، حيث مثلت الفتاة بسذاجتها وحالة اللاموقف التي تعيشها،

 والتي تتعرض للانتهاك الجسدي من البحار الذي يقصي القبطان ويستحوذ على المركب، بوصفها طبقة الشعب، فيما جاء البحار معبرا عن الطبقة الانتهازية والتي لا تسأم من تكرار السرديات في قوالبها الجاهزة دون إمعان، كما عكست النمطية التي تؤمن بالخرافات لا بالعمل لاسيما حين كان يقبل قطعة اشبه بالحجاب، في الوقت الذي عبرت فيه شخصية القبطان عن طبقة النخب والسلطة العاجزة عن ايجاد حلول والسير نحو آفاق التقدم والنهوض.

جاء العرض المسرحي الذي عبر عن القلق الوجودي الذي رسمه مارتن هديجر وارنست كاسبر، زاخرا وبشكل موفق، بايقونات وصور ومضامين عديدة، حيث صاغ المخرج رؤيته الاخراجية على سلسلة لا تنتهي من المرئيات والصور والاحاسيس والاصوات التي تتشكل على هيئة منظومة علاماتية داخل نسيج ذلك العرض المسرحي، حتى أن لغة الممثل المنطوقة بحد ذاتها تصبح هي الاخرى ايقونة بمجرد نطقها بحسب استاذ المسرح البريطاني باتريس بافيس كما ظهر ذلك في الجمل التي جاءت على شكل مونولوجات او ديالوجات او غناء او شعر لاسيما تلك التي أعاد تكرارها شخوص العرض بغية ترسيخ ما تحمله من مضامين ومدلولات وإن تجلت بشكلها الرمزي لتترك اصداءها وتحفرها لدى المتلقي بعمق، ومنها "حمولة غير مأمونة"

 التي التصقت خلال الجدل الدائر على السفينة بشخصية الشاب الطليعي الذي يمثل شريحة الشباب في بلادنا العربية والباحثة عن حلول ومخرج لما تعانيه بلادهم، وعبارة "الزمن يقاس حين تفعل شيئا" والتي تحمل الكثير من المضامين تكشف من خلالها عري العديد من الانظمة العربية التي لم تستطع ان تحقق انجازا رغم مرور السنوات عليها، و"لقد مر زمن الاشياء المفهومة" و"لم يعد بوسعنا فهم شيء مما يجري هذه الايام"، و"يمشي الاخرون ولا يغرقون وانتم تمشون وتغرقون، تبحر السفن وانتم لا تبحرون" بما تحمله من تساؤلات تشير الى الراهن العربي.

الاداء التمثيلي والحركي بكل تفاصيله وايمائاته، جاء مميزا لجميع فريق التمثيل من خلال تقمصهم المتقن للشخصيات وخصوصا الفنان القدير خالد الطريفي، علاوة على تميز كل من الفنان بلال زيتون، ومحمد الجيزاوي والوجه الجديد هلا بدير التي تعلن عن نفسها بقوة في اولى اعمالها المسرحية.

السينوغرافيا التي كانت العلامة الفارقة في العرض وأبدعها السينوغراف الروسي فيكتور انطونوف والاضاءة المتحركة والمتغيرة بحسب سياقات المشاهد وحركة الممثلين، بين التعتيم والازرق والاصفر والاحمر والابيض، بما حملت من مدلولات ومعان والبقع الضوئية الصغيرة التي تدلت امام السيكوراما السوداء وعبرت عن النجوم في تعاقب الليل والنهار على السفينة وابدعها محمد المراشدة، علاوة على المؤثرات الصوتية والموسيقا التي شكلت نصا غير منطوق في بوحها الغرائبي الحزين، 

علاوة على الاشرعة التي تدلت من اعلى المسرح في بداية العرض وحركتها نافثات هوائية من الكواليس لترتفع وتعود ساكنة في المشهد الاخير كناية عن عدم الحركة، إضافة الى صنارة القبطان والتي عبرت عن مقاليد السلطة رغم انها لم تكن تصطاد شيئا وتعيش وهم الصيد الكبير واغتصبها منه البحار عنوة ليقصيه ويتبادل الشخصان الادوار دون ان تتغير المخرجات والنتائج، والدلو الذي يمتليء بالرمل ليكون مفتاح الجدل ومحور العمل، فيما بقيت السفينة بلا دف وساهم بالتأليف الموسيقي موسى قبيلات، والنصوص الشعرية للعمل علي شنينات.

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بحر ورمال تعيد الألق للحالة المسرحية وتنهض بثقافة المسرح الأردني بحر ورمال تعيد الألق للحالة المسرحية وتنهض بثقافة المسرح الأردني



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 18:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة
المغرب اليوم - حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 18:36 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
المغرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 02:37 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الأسهم الأوروبية تنهي تداولات الأسبوع على انخفاض طفيف

GMT 03:49 2024 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

كيف يمكن إحلال 40 مليار دولار واردات سنوية من مجموعة بريكس

GMT 21:29 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الدولار عند أعلى مستوى في شهرين ونصف والين يتراجع

GMT 01:10 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بعض دول الـ«بريكس» لها مؤشرات اقتصادية عالية

GMT 02:26 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع الاحتياطي النقدي المصري 279% في 10 سنوات

GMT 02:41 2016 الأحد ,07 شباط / فبراير

دبي تطلق مشروع أكبر مكتبة في العالم العربي

GMT 03:05 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

ساندي تُبدي سعادتها بدورها في فيلم "عيش حياتك"

GMT 00:30 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عبد الحق الخيام يلقي نظرة الوداع على والدته
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib