دمشق - سانا
قدم المركز الثقافي بجرمانا بالتعاون مع فرع اتحاد الكتاب العرب بريف دمشق محاضرة بعنوان مفاهيم التصوف لغة وجمالية طرح من خلالها الناقد الدكتور حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب بعض مفاهيم الصوفية ومعانيها من خلال رؤى مختلفة ومتنوعة عند بعض الصوفيين والشعراء المتصوفين.
وبين جمعة في مستهل محاضرته أن ظاهرة التصوف انبثقت في الإسلام من الزهد والتنسك والنية الخالصة والصادقة في عبادة الله وتنفيذ أوامره ونواهيه ثم تطورت على يد علماء التصوف قرنا بعد قرن حتى غدت ظاهرة دينية وخلقية فلسفية واجتماعية وأدبية وجمالية ذاتية وموضوعية.
وقال جمعة: اختلفت المراحل التي مر فيها التصوف فمنهم من جعل البغي في الحلال فسادا للقلب فالمتعة الذاتية والدينية والجمالية لديهم تتجسد في تذوق النفس مرارة الحرمان والصبر على ألوان العذاب وهي ترتقي حتى تحقق المتعة الجمالية لديهم من خلال المتصوف نور الحكمة الربانية التي تتجسد بواسطة التلذذ بخلوة الوجد والفناء بالذات الإلهية.
وأوضح جمعة: أن هؤلاء المتصوفة حين تمسكوا بذلك حققوا جمالية المتعة في الراحة والسعادة النفسية ولم يدركوا هذا كله إلا حينما جعلوا لهم مراتب ومقامات اعتمدوا فيها على مفاهيم انتزعوها من وعيهم التعبدي والفلسفي والاجتماعي والديني والمؤثرات التي انصهرت فيها.
ويرى جمعة أن هناك مفاهيم كثيرة يمكن أن نتوقف عند أبرزها وبيان قيمتها الحضارية.
ومن هذه المفاهيم الخيال "التخيل" وهو مفهوم فلسفي نقدي أدبي يرتبط بالكشف والإلهام والإشراق عند المتصوفة بوصفه تعبيرا عن تجربة ذاتية متلاطمة الأمواج والمقامات والأحوال أي أنه مبدأ عرفاني روحي وعقلي تحليلي وتركيبي مبتكر يرافق الإنسان من المهد إلى اللحد وأن الخيال التخيلي هبة للخاصة الذين يرون بنور الله في خلواتهم مناما ويقظة للوصول إلى الرؤية الكاشفة عن الأسرار العلوية والارتقاء به إلى الذكر وسطوع التأويل.
ولفت إلى أن الصور المتخيلة تتداخل بين مفهوم الفناء ومتعة المشاهدة مستشهدا بقول السهروردي:
الأنوار نور الله في القلب أنوار.. وللسر في سر المحبين أسرار
ولما حضرنا للشراب بمجلس ... وخف لنا من عالمك الغيب أسرار
ودارت علينا للمعارف قهوة ... طوف بها من جوهر العقل خمار
سجدنا سجودا حين قال تمتعوا... برؤيتنا إني أنا لكم جار
وتابع جمعة أنه كلما تكاملت صفات الوجود بالموجود انتفت الثنائية عند السهروردي واستحالت لديه عملية الابتعاد عن الذات الإلهية فاستحال بقاء المحبوب بعيدا عن المحب ما جعله يرتقي إلى الاتصال به والتمتع برؤيته.
ولفت جمعة إلى أن من جمالية التصوف البديعية ما رآه في مصطلح الوهم الذي ارتبط بالخيال حتى عد نظيرا له في صميم حالة النشوة والتلذذ فجمالية كلمة الوهم تبرز قيمتها الإشراقية الجميلة حين تدل على خيال صوفي متمرد يوءكد عجز العقل عن إدراك كنه الذات الإلهية بغير التخيل المجازي المركب والموصل إلى حالة الفناء بالله وهي الحال الموصلة إلى وحدة الوجود مبينا ان أصحابها اتهموا بالانحراف والشطح أو الخروج عن الدين الحق.
ومن مفاهيم التصوف في محاضرة جمعة الخلوة وهي محادثة السري مع الحق بحيث لا يرى غيره أما صورتها فهي ما يتوسل به إلى هذا المعنى من التبتل إلى الله وذكر الله مرتبط بمناجاته وهو جزء من محبته ومن ثم هو مقام من مقامات الصوفية بوصفه واصلا إلى حالة الوجد ثم الفناء بطريق التذوق أو الكشف بما تؤول إليه من إشراق النور الإلهي كقول رابعة العدوية:
صلاتك نور والعباد رقود ... ونومك ضد للصلاة عنيد
وفي المحاضرة أشار جمعة إلى أنه إذا كان الوجد نظير الحب الإلهي في التصوف وقرينه الذي لا ينفك عنه بوصفهما يعبران عن حالة الفناء وتذوق حلاوته وإشراق الروح فإن جمالية الوجد لغة ودلالة تحمل إشارات كثيرة تدل على الحزن والفرح والشوق والتأمل وكل ما صادف القلب من غم أو فرح فوجد الوجد طبع أصيل لدى الصوفي وتعلق بالقلب الواحد وشدة الخشوع طلبا لرضائه.
وعمل جمعة على التوسع في شرح كثير من الرموز والدلالات الصوفية ضمن منهج تطبيقي اعتمد خلاله على عدد من الشعراء الصوفيين الذين اختلفت الرؤية الصوفية لديهم كالنفري ورابعة العدوية والسهروردي وغيرهم وصولا إلى معاني الصوفية بتشعباتها.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر