مشاهد غابرة من ذكريات سوق العاشور في شارع “خوصفات” المغربي
آخر تحديث GMT 20:00:14
المغرب اليوم -

مشاهد غابرة من ذكريات سوق العاشور في شارع “خوصفات” المغربي

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - مشاهد غابرة من ذكريات سوق العاشور في شارع “خوصفات” المغربي

مصنوعات يدوية
الرباط - المغرب اليوم

اتفق أن كنت سائرا خلال الأسبوع المنصرم في شارع “خوصفاط ” الواقع في قلب مدينة طنجة، فاسترعى نظري مشهد بائع متجول كان يعرض للبيع لعبا متنوعة للأطفال على سطح عربته التي كانت مركونة قبالة مدرسة ابتدائية في وقت كان التلاميذ يخرجون من بوابتها متدافعين ومتصايحين.

وكان حول تلك العربة قد تحلقت بعض النسوة وهن تساومن أو تشترين رفقة أطفالهن بعض اللعب. وفيما كنت أتطلع بعيني إلى ذلك المشهد وقع بصري على صاحب العربة وهو ينفخ بفمه في مزمار في محاولة منه لاستجلاب الزبناء.كان صوت المزمار يتهادى إلي أذني وكان الأطفال المحيطون بالعربة يتناولون اللعب ويقلبونها بأيديهم. والحق أن ذلك المشهد استوقفني وبعث في نفسي إحساسا جميلا ذكرني بسوق العاشور الشعبي الموسمي المندثر الذي كان يقام في الماضي في الشارع المذكور ابتداء من مطلع شهر محرم من كل سنة.
لم أملك بعد ذلك إلا أن وقفت أرنو إلى ذلك المشهد بمقلتي وبمهجتي بعد أن حرك صوت المزمار في أعماق قلبي بعض الذكريات الراقدة حتى أني شعرت وكأن ذلك المزمار يخاطبني بصوته ويشاركني في استعادة جزء من الماضي الجميل، فكنت أصيخ إليه بمتعة حتى تملكني الإحساس في لحظة بأن السنين رجعت بي القهقرى وأنني بصدد الإصغاء إلى نبضات زمن بعث من جديد.

اليوم لا تزال صور ومشاهد ما كان يعرف بسوق العاشور المندثر مرسومة في ذاكرتي تتمثل لي بعض تفاصيلها التي شهدها شارع “خوصفاط ” حتى حدود التسعينات.
ما أزال أذكر أنه مع إطلالة شهر محرم من كل سنة، كان التجار خلال تلك الفترة ينصبون الأكشاك القصديرية والخشبية والخيام والعربات والمظلات على طرفي ذلك الشارع وعلى أرصفة محيطه استعدادا لانطلاق فعاليات ذلك السوق السنوي الذي يقام بمناسبة حلول ذكرى عاشوراء.

وكان التجار والباعة المتجولون يعرضون أصنافا مختلفة من المنتوجات وألوانا متعددة من المعروضات في فضاء ذلك السوق الذي كان يفد إليه الزوارمن كل حدب وصوب، فيشترون ما يستهويهم وما يروق أطفالهم، وحتى من لا يقتني منهم شيئا كان يستسيغ البقاء والتجول في ذلك السوق لساعات فيظفر بمتعة المشاهدة ويستمتع ببعض فنون الفرجة وبأشياء أخرى.
وكان الزحام في سوق العاشور يشتد ويصل إلى ذروته يوم عاشر محرم، وهو اليوم الذي كان يتميز بعادات وطقوس يمارسها بعض أهل المدينة ، منها أن النساء كن يقمن في ذلك اليوم بشراء جرار الماء الطينية ذات الحجم الصغير ثم يوزعنها على الأطفال في الأحياء ، وكان هؤلاء الأطفال يتبارون في جمع أكبر عدد منها …

كل شيئ كان يباع في سوق العاشور المندثر ،الأواني الفخارية ، الفواكه الجافة، لعب الأطفال ، ملابس ، مصنوعات يدوية ، مواد الدجل والشعوذة … و كان ليل ذلك السوق كنهاره تتواصل فيه الحركة المزدحمة آناء الليل وأطراف النهار و يختلط في فضائه عبق البخور بصراخ الأطفال وبهتاف الباعة وبأهازيج العازفين والمطبلين وبهرج وتدافع الرائحين والغادين.
أما في الأحياء المجاورة لسوق العاشور فكانت تتحول خلال تلك المناسبة إلى ما يشبه ساحة معارك ، إذ ترى الأطفال وفي أجواء تطبعها الاحتفالية والغبطة الممزوجة بالشقاوة يكرون ويفرون في أحياء المدينة وهم يتراشقون في تصايح بالماء بواسطة مسدسات بلاستيكية ومنهم من يطلقون في السماء صواريخ عاشوراء ذات المدى القصير أو يملأون آذان الناس بأصوات المفرقعات والألعاب النارية المدوية .

اليوم اختلف الوضع وتغيرت ملامح شارع “خوصفاط ” استجابة لمقتضيات التطور العمراني، ولم يعد لسوق العاشور من وجود سوى في ذاكرة من كانوا يرتادونه قبل أن يتوارى ويندثر ، تهب نسائم ذكراه على نفوسهم مع حلول مناسبة عاشوراء فيجري ذكره على ألسنتهم ويتمنون أن يسقي الله زمانه.

قد يهمك ايضاً

"متحف بلا حدود" يبرز مصنوعات يدوية لـ"الشارقة" على الإنترنت

"متحف بلا حدود" يبرز مصنوعات يدوية لـ"الشارقة" على الإنترنت

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشاهد غابرة من ذكريات سوق العاشور في شارع “خوصفات” المغربي مشاهد غابرة من ذكريات سوق العاشور في شارع “خوصفات” المغربي



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 10:12 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يكشف سبب تمديد تعاقده مع مانشستر سيتي
المغرب اليوم - بيب غوارديولا يكشف سبب تمديد تعاقده مع مانشستر سيتي

GMT 18:36 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
المغرب اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 07:41 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إكس" توقف حساب المرشد الإيراني خامنئي بعد منشور بالعبرية

GMT 02:37 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الأسهم الأوروبية تنهي تداولات الأسبوع على انخفاض طفيف

GMT 03:49 2024 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

كيف يمكن إحلال 40 مليار دولار واردات سنوية من مجموعة بريكس

GMT 21:29 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

الدولار عند أعلى مستوى في شهرين ونصف والين يتراجع

GMT 01:10 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بعض دول الـ«بريكس» لها مؤشرات اقتصادية عالية

GMT 02:26 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ارتفاع الاحتياطي النقدي المصري 279% في 10 سنوات

GMT 02:41 2016 الأحد ,07 شباط / فبراير

دبي تطلق مشروع أكبر مكتبة في العالم العربي

GMT 03:05 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

ساندي تُبدي سعادتها بدورها في فيلم "عيش حياتك"

GMT 00:30 2018 الثلاثاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عبد الحق الخيام يلقي نظرة الوداع على والدته

GMT 15:43 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار سيارة بيجو 301 في المغرب

GMT 02:03 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

بالوتيلي يقود نيس للفوز على ديغون ومهدد بعقوبة مشددة

GMT 17:36 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بسمة وهبة تتعرض لهجوم حاد بعد حضورها عزاء والدة لطيفة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib