باريس - أ.ف.ب
يشارك الفنان التشكيلي السوري يوسف عبدلكي في معرضين في العاصمة الفرنسية، أولهما معرض "فن باريس" الجماعي المنظم في متحف "غران باليه" لثلاثة ايام تنتهي مساء الأحد، وثانيهما سيفتح أبوابه اعتبارا من الخميس المقبل في "غاليري كلود ليمان" في باريس.وكما فعل في بيروت الشهر الماضي، حمل عبدلكي إلى باريس ملامح من المأساة السورية برؤيته الفنية، فعكست لوحاته التي نفذها بين عامي 2011 و2013 ورسمها بالفحم، بألوانها السوداء المتدرجة، طبيعة صامتة وعبرت عن مشاعر الفقد والشهادة والموت والغربة.وتعرض لوحات "غران باليه" (القصر الكبير) بين 26 و30 اذار/مارس. أما المعرض الشخصي فيقام في "غاليري كلود ليمان" بين الثالث من نيسان/ابريل والثالث من أيار/مايو ويضم ست لوحات كبيرة وعشر لوحات صغيرة. وكان عبدلكي اعد هذه اللوحات كلها ليقدمها في دمشق، لكنه عندما تيقن من استحالة ذلك حملها إلى بيروت وقدمها في معرض كبير في غاليري "تانيت".
وبشأن مواضيع أعماله التي يعرضها في باريس، قال عبدلكي لوكالة فرانس برس إن "الفنان جزء من محيطه وكل ما يجري في المجتمع من تطورات وأحداث سياسية واجتماعية وثقافية وخلاف ذلك يصبح جزءا من كيان الفنان وهويته وجزءا من تصوره للعالم".واعتبر عبدلكي أن تفاعله مع ما يحدث في سوريا والذي يعد استثنائيا بكل المقاييس وكذلك انخراطه في العمل السياسي "شيء أكثر من طبيعي وجزء من تصورات عملي الفني... إن تأثري بما يحدث كان حصيلة طبيعية لكل هذه التصورات التي عمرها من عمري".ووصف عبدلكي لوحاته بأنها "نوع من التعريج على الألم الذي يخلفه هذا الحدث الكبير الذي تعيشه سوريا... الحقيقة أن الألم هو ما يشد شغلي وعقلي ووجداني كل الوقت".
وعن حضور الموت في لوحاته قال إن "فكرة الموت مرعبة بلاعدالتها ويجب التعامل معها بالكثير من التأني والرصانة".وحول تجربة العيش في سوريا والإنتاج الفني ومعناه اوضح عبدلكي "في بعض الأعمال التي أحرص على تقديمها في باريس طبيعة صامتة سعيت لأؤكد من خلالها أن الإنسان الموجود اليوم في قلب سوريا دفع دفعا ليكون في هذا الحدث ولديه كإنسان فسحة ليرى شيئا آخر يتجاوب مع نزعاته الإنسانية البسيطة".وأبدى عبدلكي حرصه رغم الخراب والدمار، على أن يرسم "وردة أو تفاحة أو أي شيء من الأشياء العادية المحيطة بنا" مضيفا "نحن كبشر أكثر تنوعا من أن نكون عبيدا لأمر واحد حتى وإن كان كبيرا وعظيما وتراجيديا مثل الحدث السوري".
أما الفنان كلود ليمان الذي سبق وقدم معارض شخصية لعبدلكي في باريس، فاعتبر أن أعمال عبدلكي التعبيرية قوية و"أحب أن أعرض أعماله للجمهور الغربي لأنه أحد أكبر الفنانين في العالم العربي وممن تعودت أن أعرض لهم في الغاليري".يوسف عبدلكي من مواليد القامشلي عام 1951، درس الفنون في جامعة دمشق ثم في باريس حيث حصل على دكتوراه في الفن التشكيلي عام 1989. قضى سنتين سجنا أيام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد قبل اربعين عاما وعاش في باريس منفى قسريا بعدها.
وبعد خمسة وعشرين عاما من المنفى تمكن من العودة الى دمشق ونظم معرضا نال صدى محليا وإقليميا واسعا. وحين عاد عبدلكي للاستقرار نهائيا في دمشق عام 2010 عمدت السلطات إلى سحب جواز سفره منه ومنعته من السفر حتى إلى فرنسا حيث تقيم زوجته وابنته.
ورغم إيمانه بالمعارضة السلمية ودعوته للوصول للحرية والديموقراطية بشكل سلمي، أودع عبدلكي مجددا السجن لثلاثة أسابيع الصيف الماضي وتم إطلاق سراحه بعد حملة دولية في باريس وبيروت طالبت بحريته وأعيد له إثرها جواز السفر.عرف عن عبدلكي أعماله الدقيقة في الحفر والرسم بالفحم الأسود مصورا عوالم سوداء ليلية شخصياتها مسيجة بالموت وبكل أنواع المخاطر، أما طبيعتها فتمتاز بتفاصيل مرسومة بتأن وبراعة وإبداع.وقد كتب الشاعر الفرنسي آلان جوفروا بخصوص هذه الأعمال "كل شيء منذور للموت أو للاحتفاء لكن يمكن إنقاذ كل شيء كما من الطوفان... كل شيء يحدث كما لو أنه يريد إعادة خلق العالم أو يريد إنقاذه من اللامبالاة من النسيان... إنه ليس فنا إنه تحويل الموت إلى وجود حي".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر