الرباط - سناء بنصالح
أكد مصطفى اليرتاوي، وكيل النيابة في مدينة الرماني، أن وسائل الإعلام تنوعت بشكل كبير نتيجة التطور التكنولوجي، وأصبح الإعلام بمختلف وسائله المرئية والمسموعة والإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي مثل "الفيسبوك و التويتر"، تتناول مختلف القضايا المجتمعية، وأهمها أخبار وتغطيات المحاكمات لما تشكله هذه الأخبار من عناصر الإثارة الإعلامية.
وشدد اليرتاوي في تصريحات خاصة إلى "المغرب اليوم" على أن المشكلة تثأر عندما يفتقد الإعلام أحد أركانه وهي الحياد والتجرد والمهنية، وعدم استباق الأحكام، فيصور المتهم بقضية ما على أنه المجرم والفاعل الحقيقي، بل يتحول الحادث العرضي إلى قضية رأي عام، ومن تم التأثير على قناعة القضاة وحيادهم وزعزعة مواقفهم، مضيفًا أن القضاة ملزمون بالحياد والاستقلال، وأن يبني قناعته على ما يروج أمامه من مناقشات، وما عرضت عليه من حجج وأدلة.
وأبرز اليرتاوي أن القضاة بشر، وهذا واقع لا نقوله بمعرض التبرير، ومن تم له مشاعر وعواطف قد يتأثرون بوسائل الإعلام في مختلف مشاربها. وأوضح أنه على الإعلام ألا يخرق أحد المبادئ التي نادى بها الحقوقيون، في مناسبة كل ملف متداول أمام المحاكم في التأثير عليها، ألا وهي "قرينة البراءة المفترضة في كل متهم إلى أن يثبت العكس، كما أبرز أن الصحافي أن يتوخى الحذر في التأثير السلبي على حسن أداء القضاة، لمهمتهم بل والإضرار بقضية العدالة ككل".
واستشهد اليرتاوي بالأنظمة القضائية التي يعتمد حكم الإدانة فيها على المحلفين، وليس على القاضي، كالنظام الأميركي، ففيه تلجأ السلطات القضائية إلى عزل المحلفين بشكل كامل، عن الإعلام طيلة أمد نظر القضية المعروضة متى كانت متناولة من قبيل الإعلام، موضحًا أن العزل هنا يعني حجب كل وسيلة إعلامية عن المحلفين من صحف ومجلات وراديو وتلفاز وغيره.
وأشارت السلطات إلى تلك الطرق القاسية على المحلفين، لأنها الأصوب في منظورها من الناحية الحقوقية والقانونية، لضمان عدم تأثرهم في تكوين قناعاتهم بمؤثر خارجي، خلافًا للمعروض عليهم من معطيات القضية المنظورة، والأمر هنا خاص بالمحلفين فما بالك بالقضاة. وأضاف "في ألمانيا أجريت دراسة علمية على يد الخبير في علوم الاتصال "هايتاس كيباينغر"، بشأن تأثير وسائل الإعلام على إجراءات المحاكمة في ألمانيا، وأجري استطلاع شمل 447 قاضيًا و 271 وكيل نيابة، أثبت أن 50 في المائة من القضاة، وممثلي الإدعاء العام تأثرت إجراءاتهم بالتقارير الإعلامية، وأن 42 في المائة من ممثلي الإدعاء العام يفكرون في صدى الرأي العام، واعترف ثلث القضاة بأن التقارير الإعلامية تأثر في حجم العقوبة وتشديدها.
وقال اليرتاوي، إن الدستور المغربي في المادة 109 واعترافًا منه بأثر الإعلام السلبي في التأثير على قناعة القضاة نص في الفترة الأخيرة، ويعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة". وأوضح بات من الضروري في ظل التطور المعلوماتي الهائل وجود تنسيق إعلامي بين عمل السلطة القضائية والمؤسسة الإعلامية، من أجل الحفاظ على سيادة دولة القانون وحماية حقوق المجتمع والأفراد وترسيخ قيم العدالة.
واختتم القاضي اليرتاوي حديثه أن اهتمام وسائل الإعلام بتغطية القضايا ذات الشأن العام، والتي في الغالب تكون ذات ارتباط بالقانون والمحاكم وشؤون العدالة، جعلت من الإعلام فاعلًا أساسيًا، في تشكيل وجدان المواطنين بل أكثر من ذلك أصبحت تساهم في بناء الثقة من عدمها بين القضاء والمواطن. وشدد على أن هذا الاهتمام يفرض وجود إعلام قضائي متخصص يمارس عمله وفق القواعد والضوابط القانونية، بعيدًا عن الإثارة والخوض في أعراض الناس من دون وجه حق، وأن فكرة الإعلام القضاء أو الصحافة القضائية، أصبحت تفرض نفسها كمسؤولية مزدوجة على عاتق القضاء والإعلام.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر