في قاعة رياضة متداعية في الخرطوم، يتدرب نحو اثني عشر فتى نوبيا بملابس رياضية ضيقة على مرأى من مدربهم الياباني المكلف مهمة تأهيلهم ليصبحوا ابطالا في المصارعة تحضيرا لدورة الالعاب الاولمبية سنة 2020.
وتمثل المصارعة منذ آلاف السنين جزءا من ثقافة قبائل النوبة المتنوعة دينيا وعرقيا، والعديد من الرياضيين الشباب المفتولي العضلات دخلوا حلبات المصارعة ما ان بدأوا بالمشي.
إلا أن المدرب سونا، كما هو معروف، وهو بطل مصارعة ياباني شاب، قد تم تكليفه من قبل سفارة بلاده في الخرطوم لتحضير فريق رياضي قادر على الفوز بميدالية في دورة الالعاب الاولمبية في طوكيو سنة 2020، للمرة الاولى تاريخ النوبة.
واشار المدرب الياباني بنبرة جدية الى ان المصارعين "لديهم حقا قوة بدنية ممتازة"، لكن القليل من العوامل الاخرى تصب لمصلحتهم.
وخلفه في قاعة شديدة الحرارة، يتبارى رياضيان في جولة مصارعة على مرأى من زملائهم الصامتين التواقين لتعلم مهارات جديدة.
وتعتبر المصارعة الاولمبية رياضة راسخة في اليابان التي فازت بعدد كبير من الميداليات في الدورات الرياضية الاخيرة.
الا ان اهتمام طوكيو في رياضة المصارعة لدى قبائل النوبة بدأ في العام 2013، عندما شارك دبلوماسي من سفارتها في تحد ضد أبطال محليين.
وقد خسر ياسوهيرو موروتاتسو كل مبارياته الست الا ان المبادرة حظيت بشعبية كبيرة اذ انها جذبت مئات المتفرجين.
وبنت اليابان على الاهتمام الذي اثارته هذه المباريات في محاولة لنسج علاقات مع دولة تعتبرها واحة استقرار نسبي في منطقة مضطربة.
وترى السفارة أن مبلغ الـ50 الف دولار الذي دفعته في دعم هذه الرياضة في السودان كان في محله- لكونه وسيلة سهلة للتواصل مع حكومة قلقة من النفوذ الأجنبي.
لكن مهمة سونا ليست بالبسيطة. اذ ان سجل السودان يقتصر على ميدالية اولمبية واحدة منذ العام 1960، كما ان القواعد الاولمبية تبدو غريبة على المصارعين الذين يدربهم.
ففي المصارعة النوبية التي تمارس في ميادين رملية، يفوز المنافس بمجرد طرح خصمه ارضا. اما النسخة الأولمبية فتمنح نقاطا على حركات مختلفة، والمتباري يفوز تلقائيا عند تثبيت خصمه على الحلبة.
وقال سوناغاوا خلال دورة كانت الاخيرة اثر زيارة استمرت شهرا كاملا الى الخرطوم في شباط/فبراير "أنا أبذل كل جهد ممكن للاستفادة من إمكاناتهم إلى أقصى حد من خلال ايجاد برامج مصممة خصيصا لهم".
وسيسافر ستة من أفضل هؤلاء الرياضيين- أربعة لاعبين ومدربان - إلى اليابان في نيسان/ابريل للمشاركة في دورة تدريبية لكن لا يزال يتعين فعل الكثير لتعزيز قدرات فريق كامل من المصارعين.
وزار سونا السودان للمرة الأولى في تشرين الثاني/نوفمبر. وسارت الأمور بشكل جيد الى ان عاد إلى اليابان في نهاية الشهر.
لكن عند عودته في شباط/فبراير وجد أن الكثير المصارعين توقفوا عن التدريب.
ويتحدر السكان النوبيون في الخرطوم من منطقة جنوب كردفان السودانية المضطربة التي دمرتها الحرب الأهلية في السودان على مدى 22 عاما ثم طالها التمرد الذي انطلق سنة 2011، عندما اشتكى متمردون سابقون من التهميش الذي يلحقهم من جانب حكومة سودانية يهيمن عليها العرب.
وكان على الطلاب العودة إلى العمل لإعالة أنفسهم، ما يجعل من الصعب لهم تخصيص وقت للمصارعة.
وقال الأمين العام للجنة الأولمبية السودانية أحمد هاشم خلال متابعته التدريبات "هناك ضعف في التدريب المناسب ونقص في المرافق"، مضيفا "كل ما لدينا هو مصارعة نوبية تقليدية قديمة جدا".
نصف النوافذ في القاعة محطمة ولا تكييف للهواء فيها، الا انها أفضل منشأة توافرت للسفارة واتحاد المصارعة في السودان.
غير ان هاشم لديه آمال كبيرة. وأول هدف له هو التأهل لدورة الالعاب الاولمبية، إما في ريو دي جانيرو في عام 2016 أو طوكيو في عام 2020.
أما "الهدف على المدى الطويل فهو أن تصبح المصارعة من الرياضات المهمة التي ينافس اللاعبون فيها باستمرار على الميداليات".
وأشار الدبلوماسي ماسايوكي سوريماشي الى إن هدف البرنامج لا يقتصر فقط على دعم السودان للفوز بميداليات وبناء علاقات خارجية لليابان، لكن ايضا تحسين العلاقات المضطربة داخل المجتمع السوداني.
ولفت الى ان "الرياضة قادرة على توحيد الناس، لذلك قد يمثل هذا الامر رمزا للسلام والاستقرار ولوحدة الشعب السوداني".
اما بالنسبة للمصارعين، فهذا البرنامج يشكل فرصة لتطوير المهارات التي تعلموها منذ الطفولة.
وقال وسام محمد، وهو شاب في سن 18 عاما يعمل لحاما واختير للسفر إلى اليابان بفضل مهارته وقوته في المصارعة "اليابانيون جاؤوا الى هنا ودربونا ونقلوا الينا بعض المهارات، ونحن استفدنا من ذلك".
وأضاف "أريد أن أشارك في دورة الالعاب الاولمبية في العام 2020. بإذن الله سأحصد ميدالية برونزية وأرفع علم السودان".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر