تسعى الإدارة الأميركية إلى طمأنة الأسواق التي تعاني موجة تراجع كبرى، خصوصًا قبل إجازات أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة، وذلك وسط ضبابية كبيرة تعتري الأسواق العالمية، نابعة من عدد واسع من المخاطر الجيوسياسية.
وقبل بداية تداولات الأسبوع الحالي، تكاثفت الضغوط على الأسواق، خصوصا من الولايات المتحدة، مع "إغلاق الحكومة" وتسريبات عن بحث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزل رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، علمًا أن الأسواق العالمية كانت قد عانت موجة تراجعات وخسائر كبرى على مدار الأسبوع الماضي بالفعل، مما يعني أن أي ضغوط جديدة قد تؤدي إلى انهيار واسع.
وفي محاولة لطمأنة الأسواق، أفاد مستشاران بالبيت الأبيض، مساء الأحد، بأن الرئيس الأميركي يتفهم الآن أنه يفتقر لسلطة عزل جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي. ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، وجاءت تصريحات المستشارين ردا على تقارير تحدثت عن أن ترامب كان يستفسر عن عزل باول. وهي التقارير التي انتشرت وتوسع صداها السلبي مع عطلة نهاية الأسبوع.
وتأثرا بقوة هذه الشائعات، تراجعت عوائد سندات الخزانة الأميركية خلال تداولات الاثنين، حيث انخفض عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بنحو 2.23 نقطة أساس إلى 2.769 في المائة، كما تراجع العائد على السندات لأجل عامين بنحو نقطة أساس إلى 2.632 في المائة، في حين انخفض العائد على السندات لأجل 30 عامًا نقطتي أساس إلى 3.007 في المائة.
وردّد مايك مولفاني القائم المرتقب بمهام كبير موظفي البيت الأبيض، تصريحات أدلى بها وزير الخزانة ستيفن منوتشين، نافيا خلالها وجود نوايا لدى ترامب لإطاحة باول. ويعمل مجلس الاحتياطي الفيدرالي تقليديا بشكل مستقل عن الرئاسة، حيث يسعى للحفاظ على استقرار التضخم وتشغيل عجلة الاقتصاد بأقصى طاقتها.
وكان ترامب قد أبلغ سابقا مستشاريه أن "باول سيجعلني هوفر"، في إشارة إلى الرئيس الأميركي الأسبق هربرت هوفر الذي شهد عهده فترة الكساد العظيم. كما وجه ترامب مرارا انتقادات إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي لزيادته أسعار الفائدة، وهي انتقادات تضاعفت مطلع الأسبوع رغم نفيه أنه يقترح عزل باول.
وفي تغريدتين يوم السبت الماضي، قال منوتشين إنه تحدث مع ترامب، وإن الرئيس قال "أختلف تماما مع سياسة مجلس الاحتياطي. أعتقد أن زيادة أسعار الفائدة وتقليص حزمة المجلس أمر مروع تماما في هذا التوقيت، خصوصا في ضوء مفاوضاتي التجارية الرئيسية الجارية... لكنني لم أقترح أبدا فصل رئيس المجلس جيروم باول أو حتى الاعتقاد أن لدي الحق في القيام بذلك".
وكان عدد من أعضاء الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه ترامب قد حذروه من فكرة التحرك ضد باول دون "سبب مقبول"، علمًا أن ترامب دأب على الانتقاد العلني لسياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما يؤثر سلبا على أسواق المال.
وردا على سؤال بشأن ما إذا كان ترامب يعتقد أن يتمتع بسلطة لفصل باول، قال مولفاني في برنامج "هذا الأسبوع" على شبكة "إيه بي سي" إن الرئيس لا يعتقد أن في مقدوره القيام بذلك، وقال السيناتور ريتشارد شيلبي، وهو جمهوري عن ولاية ألاباما ويرأس لجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ، لصحيفة "بوليتيكو" الأميركية، إن ترامب يجب أن "يكون حريصا للغاية" عند تعامله مع باول. مضيفا أن "مجلس الاحتياطي الفيدرالي تأسس كي يكون مستقلا عن الرئاسة... ورغم اختلافي مع باول في بعض الأوقات، فإنني باللجنة المصرفية لمدة أطول من أي فترة شغلها معظم الأشخاص وأترأسها. أعتقد أن مجلس الاحتياطي يجب أن يظل مستقلا قدر المستطاع".
وبالتوازي مع ذلك، أعلن وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين الأحد الماضي أنه أجرى مباحثات على انفراد مع رؤساء أكبر 6 مصارف أميركية، وأكدوا له وجود سيولة كافية لمواصلة العمليات بشكل طبيعي، رغم إغلاق مؤسسات الحكومة الأميركية وأسبوع مضطرب في "وول ستريت".
وقد أجرى منوتشين سلسلة اتصالات هاتفية مع رؤساء "بنك أوف أميركا" و"سيتي غروب" و"غولدمان ساكس" و"جيه بي مورغان تشيس" و"مورغان ستانلي" و"ويلز فارغو"، الذين أكدوا، بحسب البيان الصادر عن "الخزانة" الأميركية، "توافر السيولة النقدية لدى بنوكهم لتغطية طلبات الاقتراض وكل أنشطة السوق الأخرى"، كما ذكر الوزير أنهم أكدوا أن "الأسواق تعمل بشكل طبيعي". ومن النادر أن ينشر وزير الخزانة مضمون محادثاته مع كبار المصرفيين في البلاد.
وقالت "الخزانة" إن منوتشين كان من المقرر أن ينظم أمس الاثنين اتصالا هاتفيا مع مجموعة عمل حول الأسواق المالية، يترأسها شخصيا وتضم المسؤولين عن "الاحتياطي الفيدرالي" وسلطات البورصة ومسؤولين في أسواق المواد الأولية ومنظمين ماليين آخرين. وذكر البيان أنه سيتم بحث "تنسيق الجهود لضمان سير عمليات السوق بشكل طبيعي".
وقال منوتشين "ما زلنا نشهد نموا اقتصاديا كبيرا في الولايات المتحدة مع نشاط متين للمستهلكين والمؤسسات"، في حين خفض البنك المركزي توقعاته للنمو لعامي 2018 و2019. وأوضح أن "الإغلاق الحكومي" لن يؤثر على المهام الرئيسية للوزارة التي سيكون لديها عدد الموظفين الكافي لإنجازها.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر