على الرغم من القيود العمرية التي يفرضها اليوتيوب على بعض مقاطع الفيديو إلا أن الأطفال الصغار من الممكن أن يتعرضوا لمشاهدة محتوى غير مناسب، وعلى سبيل المثال فديو "Peppa" والذي يبدأ بالشخصية الكرتونية البريطانية "بيبا بيج" والتي تقدم نفسها وعائلتها إلا أن بعض العلامات غير اللائقة بدأت في الظهور مثل التدخين، فيما ظهرت مشاهد عنصرية وخوف من المثليين على مدى 5 دقائق في الفيديو، مع ظهور بيبا وعائلتها وهم يدخنون الماريغوانا بينما يغني مغني الراب سنوب دوغ في الخلفية.
وتم تحميل الفيديو على يوتيوب منذ عام 2015 بدون قيود عمرية، حيث تمت مشاهدته 1.5 مليون مرة، وكشف الباحثون وأولياء الأمور وبعض مجموعات المستهلكين أنه على الرغم من تعهدات يوتيوب بالسيطرة على المحتوى غير المناسب إلا أنه يستمر في تقديم صور عنيفة ومتاجر تريج المخدرات ومشاهد ذات إيحاءات جنسية، بالإضافة إلى استخدام لغة عنصرية في مقاطع الفيديو والتي تصل إلى الأطفال بوتيرة مقلقة.
ويوضح القائمون على خوارزميات يوتيوب أنها تفشل في تقسيم المحتوى بشكل موثوق وفق الفئات العمرية المناسبة، بالإضافة إلى أن إمكانية التشغيل التلقائي لمقاطع الفيديو بشكل متتالي تقدم تدفق لا ينتهي من مقاطع الفيديو غير المناسبة والمثيرة لعقول الشباب، وعلى الرغم من محاولة الآباء مراقبة ما يشاهده أطفالهم إلا أن أنه مع ضخامة حجم المحتوى يصبح الأمر غير عملي، خاصة أن مقطع واحد يمكنه توصيل مجموعة كبيرة من الرسائل غير المناسبة.
وقال جيمس شتاير الرئيس التنفيذي لشركة Common Sense Media المجموعة غير الربحية المدافعة عن الأسر والمدارس في سان فرانسيسكو: " يعتبر يوتيوب أكبر مصدر قلق للآباء اليوم، حيث يشاهد الأطفال محتوى غير مناسب تماما باستمرار بسبب الخوارزميات التلقائية"، موضحا أن موقع يوتيوب يمثل نقطة تحول في برامج الأطفال بعيدا عن عالم التليفزيون المنظم بالوقت على مدى الجيل الماضي، حيث توفر الإنترنت محتوى هائل غير خاضع للتنظيم، ويمكن تحميله عبر الإنترنت من خلال أي شخص ومن أي مكان في العالم، حيث يصل إلى الأطفال في أي وقت وفقا لمدى يقظة الوالدين.
وأوضح يوتيوب من جانبه أنه منصة غير مخصصة للأطفال، كما أسس تطبيقا للأطفال "يوتيوب كيدز" عام 2015 استجابة لطلب تقديم محتوى أكثر اتساقا مع جمهور الأطفال الأصغر سنا، وأضاف يوتيوب ردا على أسئلة حول وصول محتوى غير مناسب للأطفال " حماية الأطفال والأسر أولوية قصوى بالنسبة لنا، ولأن يوتيوب غير مخصص للأطفال ، لقد استثمرنا بشكل كبير في إنشاء تطبيق يوتيوب كيدز المخصص للأطفال تحديدا، ونحن لا نسمح للأطفال دون سن 13 عام بإنشاء حساب على يوتيوب، وعندما نحدد حساب لشخص دون هذا السن نقوم بإغلاقه، ونحن نغلق آلاف الحسابات يوميا في إطار تلك العملية".
وأوضح الآباء وأطباء الأطفال ومجموعات المستهلكين، أن يوتيوب يحظى بشعبية أكبر بين الأطفال عن تطبيق يوتيوب كيدز، حيث يشاهد الأطفال موقع يوتيوب عبر الهواتف المحمولة الخاصة بهم وبالوالدين، وكذلك عبر أجهزة التليفزيون الداعمة للإنترنت وأجهزة اللاب توب، وعلى الرغم من ذلك لا يتطلب اليوتيوب تسجيل من المستخدمين إلا في حالة وجود قيود عمرية على الفيديو، ما يعني أنه لا يوجد حاجز عملي أمام الأطفال الذين يشاهدون معظم مقاطع الفيديو عبر الموقع، وتشترط القيود العمرية على يوتيوب على المستخدم تسجيل الدخول أولا للتحقق من أن عمره أكبر من 18 عاما، وتساعد هذه الخطوة في ردع الأطفال من مشاهدة أي محتوى غير مناسب، فيما أوضح الخبراء أن العديد من الأطفال يكذبون بشأن أعمارهم الحقيقية عند إنشاء حسابات على يوتيوب.
وأوضح يوتيوب أن فريق المراجعة لديه يضع قيود عمرية على المحتوى الذي يشتمل على ألفاظ مبتذلة أو عرى أو عنف أو نشاط خطير، وفي حالة وجود مقاطع فيديو تتضمن قيود عمرية فلا يمكن أن تحمل إعلانات ولا يمكن السيطرة عليه من خلال صانعيه، وكشف أكثر من 80% من الآباء الذين لديهم أطفال أصغر من 12 عام في استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث العام الماضي أن أطفالهم يشاهدون اليوتيوب، فيما أوضح 34% أن أطفالهم يشاهدونه بانتظام.
وأطلقت شركة "سامرتي بانتس" في مسحها السنوي عام 2017 على يوتيوب "العلامة التجارية الأولى للأطفال"، واصفة إياه بأنه أقوى علامة تجارية تأثيرا في حياة الأطفال، وفرّق المسح بين يوتيوب وبين تطبيق يوتيوب للأطفال الأقل شعبية بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 12 عاما.
وأوضح الباحثون أن خوارزميات يوتيوب تسبب مشكلات للأطفال لأنهم غالبا ما يجلسون أمام الشاشة لفترات طويلة ويشاهدون كل ما يتم تشغيله تلقائيا، وعلى الرغم من أن المحتوى ربما يكون غير مناسب من وجهة نظر الوالدين إلا أنه ربما يفتن الأطفال الذين يفتقرون إلى النضج للابتعاد عن الكلمات أو الصور غير اللائقة، وربما تصبح المشكلة أكثر خطورة عندما يبحث الأطفال بشكل خاص عن مصطلحات شائعة غير ضارة لشخصيات شهيرة مثل "الرجل العنكبوت" أو "الأبطال الخارقين" أو "إلسا" والتي ربما تضم محتوى غير مناسب، حيث أشار النقاد إلى أنه عند كتابة كلية "بيبا" في محرك البحث يظهر على الأقل مقطع واحد اعتبره الباحثون غير لائق بنسبة 70% وفقا إلى أحد الأبحاث التي راجعت محتوى 2500 فديو على يوتيوب، فيما وجد الباحثون أن الأطفال معرضين بنسبة 45% لمشاهدة مقطع فديو واحد غير لائق على الأقل خلال نحو 10 مقاطع ربما تصل مدته إلى ساعة أو أكثر.
ويعتبر مسلسل "بيبا بيغ" أحد مسلسلات الرسوم المتحركة البريطانية الشهيرة لمرحلة ما قبل المدرسة هدفا شهيرا لمن ينتجون حلقات مزيفة من حلقات المسلسل الأصلية، أو تلك المقاطع الجديدة التي تستخدم شخصيات من المسلسل، من جانبها رفضت شركة Entertainment One المُنتجة للمسلسل التعليق، وكشف طلاب الدراسات العليا في جامعة قبرص للتكنولوجيا الذين راجعوا محتوى مقاطع الفديو التي تضمن شخصيات مشهورة لدى الأطفال أن المقاطع المزيفة تحتوي غالبا على عنف وألفاظ نابية وسلوك له دوافع جنسية، وأوضح جيريمي بلاكبيرن أستاذ علوم الكمبيوتر بجامعة ألاباما في برمنغهام والمؤلف المشاركة للدراسة وهو أب لثلاثة أطفال "أنا أب وبالتأكيد يحدث ذلك في كثير من الأحيان، المشكلة أن الأطفال يقدم لهم أشياء سيئة وغير لائقة".
وكشفت عالمة الأحياء ليونور ريزر من أوكلاند بولاية كاليفورنيا أن ابنتها (9 سنوات) أخبرتها برؤية مقطع فيديو غير لائق على يوتيوب، وعندما راجعت ريزر الفديو، وجدت فتاتين في ملابس السباحة تحاولان لفت انتباره رجل في أحد حمامات السباحة العامة، فيما يظهر الرجل في مكان آخر من الفديو مداعبا ثدي سيدة أخرى، وتبين للسيدة ريزر فيما بعد أن ابنها كان يحب على ألفاظ نابية عبر يوتيوب مما تسبب في ظهور هذا الفديو في المقترحات.
وتعهد موقع يوتيوب منذ فترة طويلة بإزالة المحتوى غير اللائق في ظل ما ينطوي عليه من تظرف عنيف ومؤامرات بغيضة على الإنترنت، فضلا عن المحتوى غير المناسب للأطفال، ووظفت الشركة آلاف المشرفين وسعت إلى تحسين أنمه الذكاء الاصطناعي الخاصة بها لتحديد مقاطع الفيديو غير المناسبة وإزالتها، إلا أن جهودها باءت بالفشل عندما يتعلق الأمر بمحتوي غير مرغوب فيه بالنسبة للأطفال وفقا لما أوضحه الباحثون والآباء، وكشف طبيب أطفال في فلوريدا عن وجود مقطع فديو يشرح كيفية الانتحار، حيث تم تقسيم المقطع في مقاطع أصغر على موقع يوتيوب وتطبق يوتيوب كيدز، ودفعت بعض هذه الخلافات المعلنين إلى التخلي عن موقع يوتيوب مثلما فعلت ديزني ونستله وغيرها في الآونة الأخيرة، إلا أن استمرار المشكلات دفع الباحثون إلى المطالبة بمنع الأطفال من مشاهدة اليوتيوب نظرا لتحميل نحو 500 ساعة من الفيديو كل دقيقة مما يصعب عملية مراقبة الأطفال على الآباء.
قال أحد الناقدين البارزين والفنان والمؤلف جيمس بريدل والذي سلّط الضوء على أحد المقاطع غير المناسبة للأطفال عبر يوتيوب إن التحسينات التي حاولت الشركة تنفيذها لم تنجح، حيث استمرت الخوارزميات في تقديم محتوى متطرف غير لائق، وأضاف بريدل في حديثه في تيد توك العام الماضي " إذا كان لديك أطفال صغار فابعدهم عن مشاهدة جحيم اليوتيوب".
وتقوم خوارزميات اليوتيوب وتقنية الذكاء الاصطناعي بدراسة ما يشاهده المستخدمون واقتراح فيديوهات مشابهه لهم، ومن خاصية التشغيل التلقائي افتراضيا على يوتيوب تستمر الخدمة في تقديم مقاطع مماثلة إلى أجل غير مسمى، وكشف المهندس السابق في يوتيوب غيوم شاسلوت الذي ترك الشركة عام 2013 ويدير الآن مجموعة مراقبة AlgoTransparency " سيعاني يوتيوب من تدفق المحتوى غير اللائق طالما تم تدريب ذكائه الاصطناعي على زيادة وقت المشاهدة إلى الحد الأقصى، وهو المقياس الذي يغذي نموذج أعمال الشركة القائم على الإعلان"
ويسهم قانون الخصوصية الاتحادي في تعقيد الصورة، حيث يُحظر على المواقع التي تستهدف الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 13 عامًا جمع معظم أنواع البيانات الشخصية دون إذن الوالدين، ويتجنب يوتيوب الذي يعتمد على الإعلانات لتحقيق أرباحه هذا القيد من خلال التوصية بعدم استخدام الخدمة من قبل الأطفال، فيما أوضح السيد شاسلوت أن يوتيوب إذا أوصى صراحة بمحتوى مخصص للأطفال سيصبح الأمر مناسبا للغاية.
وكشف السيد شاسلوت أنه يجب على يوتيوب لجعل الأطفال أكثر أمنا أن تعطي الشركة الأولوية لشيء آخر غير "وقت المشاهدة"، من خلال نظام آخر يعتمد على توصيات الآباء لمقاطع الفيديو التي تتضمن قيمة تعليمية أو محتوى مناسب للأطفال بدلا من الاعتماد على ما ينقر الأطفال عليه أو المشاهدة نتيجة التشغيل التلقائي، وأوضحت طبيبة الأطفال جيني راديسكي الباحثة بجامعة ميشيجان والتي تدرس آثار التكنولوجيا المتقدمة على الأطفال والأسر أن الأطفال يعانون لاستيعاب بعض مقاطع الفيديو وخاصة تلك التي تتصرف فيها الشخصية التي يعجبون بها بشكل غير لائق، حيث يهدد ذلك إحساسهم بالصواب والخطأ، وربما يقلدون بعض السلوكيات الخاطئة التي يشاهدونها.
ويقول الآباء من جانبهم أنهم يسعون لحماية أطفالهم من الصور والرسائل غير اللائقة إلا أنهم يجدون صعوبة في المراقبة المستمرة للأطفال في ظل محدودية عناصر التحكم في المحتوى، وتابعت رادسكي " الأمر صعب ويضع الكثير من العبء على الأهل بمراقبة أطفالهم، الأمر يحتاج إلى تحسين "
وأفاد السناتور إدوارد ماركي أنه سيقترح تشريعا قريبا لمعاملة محتوى الأطفال عبر الإنترنت مثل المحتوى التقليدي للأطفال عبر التليفزيون، حيث يفضل وضع علامة لمدى ملائمة الفيديو للفئات العمرية لمساعدة العائلات في اتخاذ قرار المشاهدة، مع إعادة فحص إمكانية التشغيل التلقائي التي تشجع على الاستهلاك المفرط للمحتوى الإلكتروني، مضيفا "هناك أدلة قوية على أن الخوارزميات تقدم محتوى غير لائق من حيث الفئة العمرية للأطفال، ولذلك يتعين علينا حل هذه المشكلة، ويجب علينا وضع قواعد لحماية الأطفال".
قد يهمك أيضًا
"يوتيوب" يستعد لإطلاق ميزة جديدة لمستخدميه بشأن المحتوي المعروض
"ولاد الحرام" تتألق على يوتيوب في أقل يومين
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر