واشنطن - رولا عيسى
يحاول عملاق البحث عبر الإنترنت "غوغل"، التنبؤ بالكلمات البحثية التي يريدها المستخدم ، فعند كتابة بعض الحروف في محرك البحث يأتيك الموقع بمجموعة من الخيارات المحتملة، وعلى سبيل المثال عندما تكتب في البحث كلمة "اليهود"، فمن الخيارات التي تنتج "العرق اليهودي، اليهود البيض، اليهود المسيحيون، هل اليهود أشرار"، وإذا ما اخترت خيار "هل اليهود أشرار" تظهر لك مئات النتائج منها موضوع بعنوان "10 أسباب رئيسية لكره الناس لليهود"، ويتعامل غوغل كموقع بحثي مع 63 ألف بحث في الثانية و5.5 بليون بحث يوميًا، وتتمثل مهمة غوغل كشركة في تنظيم المعلومات حول العالم وتسهيل الوصول إليها والاستفادة منها عالميًا، وبالتالي يسعى الموقع جاهدا لتقديم أفضل النتائج ذات الصلة للكلمات البحثية الخاصة بك.
وهيمنت العديد من الأخبار الوهمية على الفيسبوك على أقسام معيّنة من الصحافة في الأسابيع التي تلت الانتخابات الأميركية، فيما دعا أستاذ القانون في جامعة ماريلاند، الأكاديمي فرانك باسكال، شركات التكنولوجيا، أن تكون أكثر انفتاحًا وشفافية عندما تتعرض إلى مثال مماثل عن اليهود عام 2006، فعندما بحث عنهم عبر غوغل كانت أول نتيجة له من موقع jewwatch.org، وتناول موضوع عنوان "انظر إلى اليهود الذين خربوا حياتك"، وعندما لاحقتهم رابطة مكافحة التشهير وضع الموقع تنويه جاء فيه "ربما تكون نتائج البحث مزعجة ولكن هذه عملية مؤتمتة، ولكن ما تبيّن أنه بالرغم من البحث بشكل كبير عن هذه المشكلة إلا أنها تتفاقم".
وأوضح مدير مركز دراسات الاعلام والاتصالات في كينغ كوليدج في لندن، مارتن مور، أن "ترتيب نتائج البحث يؤثر على الناس بالفعل، وهناك مجموعة من البحوث المهمة التي تتناول تأثير نتائج البحث على وجهات النظر السياسية، وكشفت الأخبار الكاذبة عن مشكلة أكبر حيث تظن هذه الشركات القوية أنها تعطل السياسة بطريقة إيجابية ولم يفكروا في الجوانب السلبية، هذه الأدوات تمنح تمكينا ملحوظا لكنها تمكن الناس من القيام بأشياء ضارة ساخرة للغاية"، ولا يقتصر الأمر في البحث عن اليهود فقط ولكن يحدث الشيء نفسه عند البحث عن النساء أيضا، وعندما تكتب كلمات " هل النساء ...؟" فتظهر لك من النتائج "هل النساء أشرار؟" وإذا اخترت هذا الخيار فتظهر لك مجموعة نتائج تدعم هذه الفكرة السلبية، وينطبق نفس الشيء على الفئات المختلفة مثل "هل المسلمين..؟" في كلمات البحث.
ويشبه داني سوليفان مؤسس موقع SearchEngineLand.com هذا الأمر بالذهاب إلى المكتبة " وعندما تسأل أمين المكتبة عن اليهودية فيقدم لك 10 كتب عن الكراهية، ويقوم غوغل بوظيفة رهيبة في الإجابة عن الأسئلة وبالتالي فيجب القيام بها بشكل أفضل"، فيما أوضحت غوغل فيما يتعلق بإكمال النص التلقائي " نتائج البحث لدينا تعتبر انعكاسًا للمحتوى عبر الويب، ما يعني أنها ربما تكون غير سارة في بعض الأحيان وبالتالي يمكن أن تؤثر بعض الموضوعات الحساسة في نتائج البحث، ولا تعكس هذه النتائج رؤية غوغل كشركة، ونحن نقدر بشدة تنوع وجهات النظر والأفكار والثقافات"
وتمتلك غوغل حاليًا أكبر قاعدة من خبراء الذكاء الاصطناعي في العالم مع التوسّع في مجال الرعاية الصحية والنقل والطاقة، وتجذب قاعدة من علماء الكمبيوتر والفيزيائيين والمهندسين فضلا عن العديد من الشركات المبتدئة مثل Calico و DeepMind، ولم يكن محرك البحث موجود منذ 20 عامًا، فعندما أصبح توني بلير رئيسًا للوزراء لم يكن من الممكن البحث عنه حيث تم تأسيس الشركة عام 1998، وظهر الفيسبوك فقط عام 2004، كما أن عمر مؤسسي غوغل سيرجي برين ولاري باج هو 43 عامًا، أما عمر مارك زوكربرغ مؤسس الفيسبوك 32 عاما فقط، وفعل هؤلاء كل ما فعلوه من تغيير العالم في طرفة عين، ويبدو أن آثار وقوة هذه الشركات بدأت تتسرب حاليا إلى الوعي العام لدى الجمهور
وأشارت مديرة مشروع تصنيف الحقوق الرقمية، ربيكا ماكينون، إلى تكيف السلطات مع الإنترنت وتطويعها إلى خدمة أهدافها، مضيفة: "تعد روسيا والصين من الأمثلة التحذيرية لذلك، وحتى خلال ثورات الربيع العربي كان يبدو أن الأشخاص الجيدين في المقدمة وحاليا أصبح الأشرار في المقدمة، وأصبح النشطاء المؤيدين للديمقراطية يستخدمون الأنترنت أكثر من أي وقت مضى ولكن في الوقت نفسه اكتسبا لعدو المزيد من المهارات".
ونشر الأستاذ المساعد جوناثات أولبرايت في جامعة إيلون الأسبوع الماضي أول بحث له تناول كشف نشرت المواقع اليمينية رسائلها، مبيّنًا: "تناولت قائمة من المواقع الوهمية المنتشرة واستخدمت أداة مثل تلك التي يستخدمها غوغل لمعرفة أين تذهب روابط هذه المواقع، وتبين لي أنها تذهب عبر يوتيوب وفيسبوك، وحاولت رسم هذه العلاقات الشبكية وتبين لي أنه لم ينشأ ذلك بواسطة شخص واحد لكنها شبكة واسعة من مئات المواقع التي تستخدم نفس الخدعة، حيث يحيلون آلاف الروابط إلى مواقع أخرى، وفي هذه العلاقة الشبكية يبدو الفيسبوك كما لو كان مضيفًا للفيروس ويساعد على انتشاره، وتعد أفضل طريقه لوصف هذا النظام هي اعتباره بمثابة نظام بيئي، فالأمر يتخطى كونه مواقع أو قصص فردية، إنه مثل السرطان ككائن ينمو وتزداد قوته في كل وقت".
وأضاف بروفيسور الاتصال والاعلام تشارلي بكيت: "كنا نقول أن التنوع والنقد في وسائل الاعلام أمر جيد ولكن الأن خرج الأمر عن السيطرة"، وأظهرت العلاقة الشبكة التي رسمها أولبرايت أن المواقع الإخبارية تحاول العثور على حيل ترفع من تصنيفها لدى غوغل، ويقول أولبرايت " إنها حرب معلومات، ولا أعرف كيف يمكن أن تتوقف أو هل من الممكن أن تتوقف من الأساس، إنها شبكة، وأبعد ما تكون عن قوة لاعب واحد، إن لها حياة خاصة بها، وتزداد قوة كل يوم"، وهناك وظيفة أخرى للمواقع اليمينية التي رصدها أولبرايت بجانب نشر رسائل يمينية، وتتمثل تلك الوظيفة في تتبع ورصد والتأثير في أي شخص يمر بهذا المحتوى.
وتبيّن أن ستيف بانون مؤسس Breitbart News وكبير الاستراتيجيين لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعضو شركة Cambridge Analytica تجري محادثات للقيام بأعمال خاصة بالرسائل السياسية لإدارة ترامب، وقيل أن الشركة بنت 5 آلاف قطعة منفصلة من البيانات عن 220 مليون ناخب أميركي بحيث تعرف عاداتهم اليومية حتى يمكنهم استهدافهم بشكل فردي، وأضاف مارتن مور من كينغ كوليدج: "يتم استخدام 40-50 ألف نوع من الإعلانات المختلفة يوميًا لقياس الاستجابات ويتم تطويرها بناء على هذه الاستجابات، وتعتبر الأخبار الوهمية جزء من هذه المنظومة لقياس ردود أفعال الأشخاص"، ومن الصعب الإجابة على التساؤل بشأن ما إذا كانت هذه الاستراتيجيات ساهمت في فوز ترامب أو في تصويت بريطانيا بالخروج، حيث تجري كل تلك الأمور في الظلام، ولا توجد وسيلة لمعرفة كيفية استخراج البيانات الشخصية لمستخدمي الإنترنت وغيره أو كيفية تأثيرها، ولا يدرك المستخدمين أن ما يبحثون عنه في غوغل والإعلانات التي يشاهدونها مصممة خصيصًا لكل فرد منهم،
وأضافت ماكينون: "أصبحنا ننظر إلى الإنترنت باعتباره مثل الماء والهواء، ولكن هذه ليست مناظر طبيعية إنها من صنع المبرمجين والمديرين التنفيذيين والمحررين والمصممين"، ولكن لا يدرك المستخدمون الخوارزميات التي تستخدمها شركات التكنولوجيا العملاقة مثل فيسبوك وغوغل لتحقيق ذلك، وتشبه أنظمة الشركات التكنولوجية العملاقة ما وصفه فرانك باسكال بأنه "الصندوق الأسود، وتمثل غوغل وفيسبوك احتكارًا مرعبًا للسلطة، ونحن نحتاج إلى وجود أشخاص ليصبحوا مسؤولين عن هذه الأنظمة وما تفعله، وفي الولايات المتحدة بموجب قانون حقوق الطبع والنشر الرقمية يجب أن يكون لدى كل شركة متحدث باسمها يمكنك الوصول إليه، وهذا ضروري للغاية حتى يمكنهم الرد على الشكاوى الخاصة بخطابات الكراهية والتحيز"
وأوضح روبرت أبستاين الباحث النفسي والسلوكي في المعهد الأميركي للأبحاث والتكنولوجيا أن نتائج البحث في محركات البحث تؤسر على أنماط التصويت، وكشف عمل أبستاين أن نتائج البحث وترتيبها تؤثر على آراء الناس وهو ما حدث بالفعل في الهند، مضيفًا: "لا يدرك عامة الناس شي عن القضايا الأساسية المتعلقة بالبحث والنفوذ على الإنترنت ، نحن نتحدث عن أقوى عن أي اختراع بشري آلة للسيطرة على العقل ولكن الناس لا تلاحظ ذلك"، ويوضح داميان تامبيني الأستاذ المشارك في كلية لندن للاقتصاد والمعني بتنظيم وسائل الإعلام " إننا نفتقر إلى وجود أي إطار للتعامل مع الآثار المحتملة لهذه الشركات على العملية الديمقراطية، ولدينا هياكل وتنظيمات تتعامل مع المؤسسات الإعلامية الكبرى ولدينا قوانين للمنافسة، ولكن هذه الشركات التكنولوجية ليس عليها أي مسؤولية، وليس هناك سلطة تجبر غوغل أو فيسبوك على الكشف عن أي شيء، لكنهم يقولون أن ما يحدث هو من قبل خوارزميات متطورة وليس محررين، ولكن الحقيقة أن هذه وظيفة تحريرية ميكانيكية".
ويشير الكاتب والباحث في جامعة كامبريدج، جون نوتون، إلى أن هذه الشركات لا ترغب في اكتساب أي مسؤوليات تحريرية على الرغم من قدرتهم على تنظيم النتائج بعدة طرق، مضيفا: "نظرًا إلى ضخامة وتعقيد أعمال هذه الشركات العملاقة فنحن حتى لا نملك الجهاز العقلي الذي يمكنه معرفة هذه المشكلات"، وأصبحت هذه الشركات العملاقة في طليعة الذكاء الاصطناعي وهي في طريقها بالفعل لامتلاك المستقبل، حيث تفكر هذه الشركات على المدى الطويل على عكس ما يفعله السياسيون الذين يفكرون في النتائج الفصلية فقط، وتابع نوتون: "إنهم يريدون رقمنة كل كتب العالم، ويريدون بناء سيارات ذاتية القيادة، ومع ذلك تعتبر جون نوتون من الأشياء القليلة التي لا يفهم البشر كيفية بنائها، إنها أكبر تجربة تنطوي على الفوضى في التاريخ، وفي كل دقيقة يستهلك ملايين الناس المحتوى الرقمي عبر جون نوتون ، ولا يخضع هذا العالم إلى القوانين الأرضية "، وكشفت أبحاث ماكينون كيف تعيد الأنظمة الاستبدادية استغلال جون نوتون لأغراض خاصة بهم، وبيّن مور أن الرئيس التنفيذي لآبل تيم كوك اتصل بترامب فوز فوزه لتهنئته ومن المتوقع أن يكون هناك ضغط عليهم للتعاون.
وتعاني الصحافة من الفشل في مواجهة هذا التغيير وستفشل بشكل أكبر، حيث أثّرت هذه المنصات الجديدة على الموارد المالية للصحف، وأصبح المرور بموقع الصحيفة يرتبط بهذه الشركات التكنولوجية، كما أثرت هذه المنصات أيضا على الناشرين، والمجال المقبل في التأثير هو الرعاية الصحية والنقل والطاقة، وأضافت جوليا بولز الباحثة في جامعة كامبريدج " عندما يبحث الناس عن اليهود على غوغل ويجدوا (هل اليهود أشرار) وعندما ننتقل إلى أرض الواقع ويوظف الناس هذه الأفكار سيكون لذلك عواقب مؤذية حقا"، ويقول مور "تريد غوغل أن تعرف ما تريده من قبل أن تعرف أنت وهذه هي المرحلة المقبلة، ويصل الأمر إلى التنبؤ بالأماكن التي تريد الذهاب إليه ما يمكنهم أيضا من التنبؤ بالأمراض في مجال الصحة وهو أمر خطير"، فيما يقول مارك عن الفيسبوك " إنها ليست شركة لكنها مهمة تم إنشائها لإنجاز مهمة اجتماعية وجعل العالم أكثر انفتاحا واتصالا"
واستخدم ترامب هذه المنصات للتواصل وهي نفس المنصات التي دعمت ثورات الربيع العربي وساعدت في اتصال العنصريين، ويقوم الفيسبوك بتضخيم ونشر تلك الرسالة، ويقول أولبرايت "كلما جادلنا معهم كلما عرفوا المزيد عنا، ويصب كل ذلك في نظام دائري، وما نراه هو حقبة جديدة من الدعاية للشبكة"، وتنصح ريبيكا ماكينون " أود أن أقول لجميع أننا كنا ساذجين للغاية ونحن بحاجة إلى إعادة أنفسنا إلى مكان ساخر والعمل على هذا الأساس، ومما لا شك فيه أننا في مكان سيء للغاية ولكن نحن كمجتمع خلقنا معا هذه المشكلة، وعندما يتعلق الأمر برغبتنا في الحصول على معلومات تخدم حقوق الإنسان والديمقراطية ولا تدمرها فيجب علينا جميعا أن نتقاسم المسؤولية بشأن ذلك"، وفيما يتعلق بالإجابة على تساؤل " هل اليهود أشرار؟" فهي إجابتنا نحن وليست إجابة غوغل أو الفيسبوك أو اليمينيين، ونحن الوحيدون الذين يمكننا استعادة هذه الإجابة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر