يكاد يجمع الخبراء على أن سياسة المملكة في مجال الطاقات المتجددة والاقتصاد الأخضر تعتبر نموذجا يحتذى به، خاصة على المستوى الإفريقي، لكون المغرب كان من بين الدول الأولى التي عملت على إدماج الطاقات المتجددة في استراتيجياتها التنموية، ما جعله يحتل المركز الأول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤشر “المستقبل الأخضر” الذي تصدره المنصة العلمية “إم أي تي تكنولوجي ريفيو”.
وفي إطار تنزيل هذه الاستراتيجية التنموية التي ترتكز على تطوير الطاقات المتجددة، رصدت هسبريس مجموعة من المزارعين بإقليم أزيلال، الذي يحتضن أزيد من 40 جماعة قروية بكثافة سكانية تصل إلى 600 ألف نسمة، وكان إلى حدود الأمس القريب يسمى بـ”المغرب العميق”، يخوضون تجارب مهمة في تقنية السقي بالتقطير أو التنقيط باستخدام الطاقة الشمسية، باعتبارها رهانا مستقبليا في هذه الظرفية التي تتميز بقلة التساقطات وارتفاع سعر الوقود.
عن هذا الموضوع، قال الحموني عبد الناصر، متخصص في الطاقة المتجددة، في تصريح لهسبريس، إن اعتماد الطاقة الشمسية في السقي الفلاحي بإقليم يتميز بتضاريس جبلية، “مسألة في غاية الأهمية بالنسبة للفلاحة العصرية، من شأنها المساهمة بشكل كبير في الاستغلال العقلاني للثروة المائية الجوفية، فضلا على أنها غير مكلفة مقارنة بتكاليف استعمال الكهرباء والبوتان والوقود”.
وأضاف أن الطاقة الشمسية تكتسي أهمية كبرى بالنسبة للفلاحين، “لكونها أصبحت تستجيب لحاجياتهم، سواء بالنسبة لكهربة المنازل أو لضخ المياه لأغراض السقي الفلاحي وتربية المواشي والدواجن، كما أنها تمنحهم طاقة في مناطق نائية”، مردفا بأن “التجربة رائعة بالمنطقة وتحتاج إلى التشجيع والدعم من طرف الدولة ووسائل الميديا”.وفي السياق ذاته، حكى شوقي عمر، أحد المزارعين الذين استفادوا في إطار مخطط المغرب الأخضر من تجهيزات هيدرو-فلاحية تهم على الخصوص نظام الري بالتنقيط، أنه قرر توظيف الألواح الشمسية في ضيعته التي تقدر مساحتها بحوالي 6 هكتارات، على الرغم من نوعية تربتها الجافة والمتحجرة، بهدف تجسيد قناعته في استخدام الطاقات الجديدة في مجال الفلاحة، معتبرا ذلك تحديا كبيرا تولّد لديه من عشق دفين لأرض أجداده.
وفي حديثه ، قال شوقي إن ضيعته كانت شبه صحراء قاحلة، لكنه بذل جهدا كبيرا لتنقيتها من الأحجار الصلبة وجعلها قابلة للزراعة، “والآن قد خصصتها لزراعة الزيتون والخروب وبعض المزروعات الأخرى، بعد استفادتي من تقنية السقي بالتقطير باستخدام الطاقة الشمسية”.
وبعد وقفة تأمل في مشروعه الجديد، تابع الحاج شوقي كلامه قائلا: “هذه الضيعة جرى تصميمها بمساعدة عبد الناصر بمسارات أنابيب السقي الفلاحي، وثقب مائي (عمقه 170 مترا) وحوض للسقي، فضلا عن 32 لوحة شمسية على سطح غرفة مبنية بالمزرعة”
وأقر المتحدث، وهو رجل في عقده السادس، بأن السقي باستخدام الطاقة الشمسية خفف الكثير من الأعباء المادية عليه، مع الاقتصاد في الموارد المائية الباطنية من خلال استعمال تقنية السقي بالتقطير، وقال: “لقد استطاعت التجربة أن تحيي هذه الأرض بعد موتها؛ إذ بعد أقل من عام، اكتست الضيعة لونها الأخضر بأوراق الزيتون والفصة وشجيرات الخروب اليافعة، ومع كل قطرة ماء بدأ الحلم الدفين في أعماق صدورنا يكبر ويكبر”.
وفي كلمة له حول هذا المشروع، قال عبد الناصر: “هذه الضيعة الفلاحية التي استحدثت في فترة وجيزة، تعتبر واحدة من النماذج الفلاحية الناجحة بمنطقة أبزو بإقليم أزيلال في زراعة الزيتون، وهي تتميز باستعمالها الطاقات المتجددة في السقي الفلاحي”، داعيا فلاحي الإقليم وملاك الأراضي إلى الإسراع باستغلال الطاقات الشمسية لتطوير منتجاتهم الفلاحية المحلية.
من جانبه، قال مكي ياسر إنه يفضل البقاء في ضيعته عوض الرجوع إلى مقر سكناه بالرباط، مشيرا إلى أنه يسعى إلى النهوض بضيعته الممتدة على أزيد من 6.7 هكتارات من خلال منتجات ذات مردودية مهمة، منها الزيتون والحوامض، فضلا عن تربية الأبقار، مشددا على أن هذا النوع من المشاريع يتطلب دعما من الدولة ومواكبة من أهل الاختصاص
وأضاف ياسر أن إصلاح ضيعته وتنقيتها من الأحجار أنهكه ماديا، ما يستدعي تدخل الدولة والمصالح المعنية في هذا الإطار لدعم وتشجيع المستثمرين لاعتماد الطاقة الشمسية، خاصة على مستوى القطاع الفلاحي، باعتباره المجال الذي تراهن عليه السلطات الإقليمية إلى جانب السياحة لتحسين وضع المئات من الأسر الهشة بالإقليم.وفي منطقة ابزو وعلى امتداد الطريق المؤدية إلى جماعة فم الجمعة الترابية، التقط المزارعون الإشارة من خلال لقاءات تعبوية نظمتها شركة “سان آب” حول مزايا أنظمة ضخ الماء بواسطة الطاقة الشمسية ومعايير جودة الأجهزة التي توفرها هذه التكنولوجيا، من أجل تشجيع الإقبال على الطاقة النظيفة والمتجددة في المجال الفلاحي، خاصة وأن استعمالها يسعى إلى تقليص تكلفة الإنتاج والرفع من مستوى المردودية للمزارعين الصغار والمتوسطين بهذا الإقليم الذي شهد مؤخرا أوراشا تنموية كبرى، خصوصا على مستوى الطرق
وقال عبد الناصر: “إننا كطاقم متكامل نواكب جميع الفلاحين الراغبين في القيام بتجارب في هذا الإطار، من خلال إنجاز الدراسات، وتحليل التربة وتنقية الضيعات من الأحجار، وتتبع الجانب المتعلق بالدعم والتمويل، وكذا العمل على تثبيت أنظمة ضخ الماء بواسطة الطاقة الشمسية”، مبرزا أن بدء الإنتاج في الضيعات الأولى كان جد مشجع لمبادرات أخرى اقتنعت باستعمال هذه التقنية بالنظر إلى كون التكلفة الطاقية تشكل عبئا كبيرا على الفلاحين؛ إذ تمثل أزيد من 40 في المائة من تكلفة الإنتاج.
وأكد المتحدث الخبير في تركيب الألواح الشمسية أن الاستثمار في هذا الإطار يستدعي تكاثف الجهود بين كل المتدخلين، وتسريع وتيرة الدعم الخاص بالمقاولات المستثمرة في هذا المجال، ملحا على أهمية تأطير وتأهيل الفلاحين في مجال استعمال ضخ الماء بواسطة الطاقة الشمسية، حفاظا على الفرشة المائية التي تعاني من الاستغلال المفرطوبعدما نوه بمجهودات الدولة والوزارة المختصة وسلطات إقليم أزيلال والمصالح الخارجية، ناشد عبد الناصر كافة المؤسسات المعنية رصد ميزانية معقولة لتشجيع الفلاحين على استعمال هذه التقنية، وتمكينهم من مضخات المياه التي تعمل بالكهرباء المتولدة من الألواح الشمسية، في سبيل تحسين مردوديتهم والرفع من مستوى إنتاجهم والاقتصاد في الماء والطاقة.
قد يهمك ايضا :
توقيع اتفاق إسرائيلي ـ أردني ـ إماراتي لإنشاء محطة طاقة شمسية في المملكة بحضور كيري
المغرب حاضر بقوة في قمة المناخ ويمشي باتجاه صحيح نحو الطاقة النظيفة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر