تحدّث وزير التجهيز والماء نزار بركة لوسائل الإعلام الحاضرة في ندوة أعقبت انعقاد مجلس الحكومة، الخميس، مقِرّاً رسمياً بخطورة الفترة التي يجتازها الأمن المائي للمغرب. وقال إنها “مرحلة دقيقة بعد خمس سنوات متتالية من الجفاف”، قبل أن يقرع جرس الإنذار بشأن ما أبانت عنه مؤشرات وأرقام صادمة للأشهر الثلاثة الماضية من “اتجاه واضح إلى سنة جافّة أخرى”.
التساقطات المطرية التي “لم تتجاوز 21 ملمترا كمعدل وطني طيلة الأشهر الثلاثة الماضية”، وفق إفادات بسَطَها بركة، تعني “تراجعا كبيرا قُدِّر بـ67 بالمائة مقارنة بسنة عادية”. كما أن “درجة الحرارة كانت مرتفعة لتتجاوز بالمغرب المعدل السنوي خلال الفترة ذاتها (أي فصل الخريف)، باصمة “وقعا كبيرًا” يتجسد في زيادة نسبة التبخر وتدهور وضعية ملء السدود.
وكشف الوزير أن واردات السدود خلال الفترة المذكورة لم تتجاوز 519 مليون متر مكعب مقابل مليار و500 مليون متر مكعب السنة الماضية، بمعدل تراجع يقارب الثلثيْن، مفسرا الأمر بأن “المغرب لم يشهد مِن قَبْلُ هذا الجفاف الذي عشناه في السنوات الأخيرة منذ 2019”.
معاناة سدود وأحواض
المسؤول الحكومي ذاته استعان بلغة الأرقام، رغم أنها صادمة، لبَيان أن أغلب الجهات بالمملكة لم تعُد “استثناء” من “قاعدة الإجهاد المائي”، ولعل أكبر مؤشر دال في هذا الصدد أن اللوكوس، أكبر خزان مائي بالمغرب ومن المناطق التي تشهد عادة تساقطات مطرية كثيفة، تراجع فيه “المعدل السنوي من المياه التي تدخل إلى السدود بـ282 مليون متر مكعب، بعدما لم يتجاوز هذه السنة 23 مليون متر مكعب”، وفق معطيات الوزارة الوصية.
حوض ملوية، الواقع شرق المملكة، هو الآخر يعاني في صمت لأن السدود التي كانت تستقبل 311 مليون متر مكعب لم تتجاوز نسبة ملئها هذا الموسم 121 مليونا. كما يطال الحرج حوض سبو (وسط البلاد)، الذي كان يستقبل 758 مليون متر مكعب، فيما لم يتجاوز هذه السنة 90 مليونا.
ووفق وزير الماء، فإن سدود أبي رقراق التي كانت تستقبل 147 مليون متر مكعب لم تتجاوز 14 مليونا. بينما يظل حوض أم الربيع في مرحلة خطر محدق بعد انخفاض وارداته المائية هذه السنة من 694 مليون متر مكعب إلى 195 مليونا. وعلى صعيد سوس ماسة كانت تسجل حوالي 160 مليون متر مكعب، ولم تتجاوز الكمية هذه السنة 10 ملايين، حسب المصدر ذاته.
“لم نكن نتصوّر أن نصل إلى هذا الحد، الذي كان له وقع سلبي على نسبة ملء السدود، التي لا تتجاوز (بشكل عام) 23.5 بالمائة، بتراجع وصل إلى 7 نقط مقارنة بالسنة الماضية”، يورد الوزير.
مساءلة الجميع
تعليقاً على الموضوع، قال محمد بنعبو، المهندس الخبير في قضايا الماء والمناخ، إن “الرقم المعلَن (على لسان الوزير) كمعدل وطني للتساقطات المطرية (21 ملم في الثلاثة الأشهر الماضية) لم يتم تسجيله على الإطلاق ببلادنا”، مسجلا أن “أشهر شتنبر وأكتوبر ونونبر عادة ما كانت ماطرةً بالمغرب بشكل يضمن تعبئة الفرشات المائية وملء السدود، إلا أنها هذه السنة مرت بدرجات حرارة عالية أثرت على المخزونات المائية والمنتجات الفلاحية على السواء”.
وسجل بنعبو، في إفادات تحليلية لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الوضعية المائية الحالية تسائل الجميع بعيدا عن لغة الخطاب التشخيصي”، لافتا إلى أن “كيفية تدبير المرحلة الاستثنائية وتدبير الندرة الحادة لم تعُد ترفاً”، قبل أن يضيف أن “الأعين الآن أكثر من أي وقت على المدبّرين للأحواض المائية، رغم أن تدبير الماء وسلاسل توزيعه وتدبير قنواته يهم قطاعات حكومية كبيرة، أبرزها الفلاحة والداخلية، فضلا عن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب (قطاع الماء)، وكذا وكالة المياه والغابات.
المرور إلى الفعل
شدد الخبير المائي على استعجالية وإلحاحية المرور إلى المستوى الثاني (خطط بديلة) من التعامل مع أزمة الإجهاد والندرة المائيين، مسجلا أنه رغم كل مجهودات “التحسيس والتوعية” المقدَّرة وإعلان حالة طوارئ مائية في يوليوز 2021، فإن ذلك لم يأتِ أكله بالشكل المطلوب. وتابع قائلا: “يجب أن نكون كلنا على استعداد للتعامل مع الماء كمادة حيوية على أساس أنه نادر”.
كما لم يفت بنعبو أن يربط الوضعية المتدهورة لملء سدود المغرب (23 في المائة كمعدل وطني) ليس فقط بـ”زيادة وتسارع تغيرات المناخ نحو جفاف يزداد حدّة”، بل أيضا بمعطيات التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات (2022/2023)، التي أكدت “عدم تنزيل ووضع مجموعة من البرامج التي تهم تثمين السدود بالمغرب، خاصة البرنامج المتعلق بـ”إعادة تأهيل قنوات نقل المياه انطلاقا من السدود”، مما حرَم المملكة توفيرَ 400 مليون متر مكعب سنويا”.
واستدل بنعبو، في حديثه ، بمعطى “غياب تنزيل أي برنامج لتثمين السدود الصغيرة (94 في المائة منها لا يوجد تحت رهن إشارة وكالات الأحواض المائية بعد الانتهاء من بنائها، وبقيت مهجورة)”، فيما ظل “البرنامج الوطني للوقاية من التلوث الصناعي” لسنة 2009 مجرد وثيقة تأطيرية، ولم يتم إعداد مخطط عمل لتنفيذه، مجددا التنبيه إلى “بعض النقائص في التوجيه والتتبع والتنسيق، خاصة غياب وحدة مكلفة بالإدارة والإشراف على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للماء 2009-2030، مما أثر سلباً على اتساق الأهداف واستراتيجية تنفيذ الإجراءات المتعلقة بتثمين السدود”.
الخبير ذاته أوصى بتقييم دقيق لأسباب “عدم اتخاذ التدابير الاستعجالية للماء في وقتها”، خاصا بالذكر تأخر دراسات مشاريع “الربط بين الأحواض المائية لعشر سنوات”، وشدد على أهمية المرور إلى السرعة القصوى في مشاريع تحلية مياه البحر والاستفادة من الموارد غير التقليدية (محطات معالجة المياه العادمة) لأن “الحكامة الجيدة والمندمجة للتدبير في مادة حيوية تجنّبِنا ضياع المياه، بل نربح تثمينا وصيانة وعقلنة للاستعمالات”.
أزمة ترفض التراخي
يتفق محمد بنعطا، مهندس زراعي متابع للسياسات المائية لا سيما في شقها الفلاحي، مع “أهمية المرور إلى الفعل وعدم الاكتفاء بإطلاق تحذيرات”، قائلا إن “المطلوب هو سياسة عمومية تقطع مع التدبير الظرفي لهذه المادة الحيوية، خاصة بالنسبة لمياه السقي التي تصب في صالح تصدير المنتوجات المستنزفة للمياه”.
وأضاف أن “ما قاله الوزير بركة حذر منه فاعلون وخبراء قبل عام”.
ورصد بنعطا، في تصريج ، ما اعتبره “تراخياً في تدبير الوضع المائي لأن الأزمة المائية لم تعد خلفنا بمجرد تساقطات مطرية معدودة”، بل وجب “تحسيس وتوعية المواطنين بأننا دائما في خضم أزمة مائية وفترة خطيرة جداً للسنة الرابعة أو الخامسة على الأقل”.
ودعا إلى “إعادة النظر في السياسات القطاعية لتراعيَ تدبير ندرة الرأسمال المائي للبلاد الذي صرنا نستهلِكُه بعدما كنّا ننادي- دون مجيب- إلى مخزون احتياطي يقِي اضمحلال المياه الجوفية والسدود القاحلة”، قبل أن يؤكد على استعجالية محطات تحلية المياه وتدبير الاستثمارات المائية بمنطق الأولوية، لافتا إلى أن “هذا ليس هو وقت توسيع أراضي السقي”.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر