لوساكا - جاد منصور
يبدو الشمبانزي محبا لتقليد كل ما يفعله البشر حتى إذا ما بدى سخيفا أحيانا، حيث ابتكرت إحدى إناث الشمبانزي في ملجأ في زامبيا تعبير مميز عن الأزياء من خلال استغلال أحد سيقات العشب ولفها حول أذنها وتركها محاولة استمالة الآخرين في المقابل، وسرعان ما اتجه القردة الآخرين إلى تقليدها، ولم يكن ساق العشب يؤدي أي غرض ولكن بعد سنوات تبين أن هذه المجموعة لا زالت ترتدي العشب في آذانهم، واتجهت أنثى أخرى تدعى سوما في حديقة حيوان أوسنابروك في ألمانيا خلال السبعينات إلى جمع أوراق الملفوف واختيار واحدة لارتدائها على رأسها، ثم نظرت إلى نفسها في المرآة في محاولة لتغيير وضعية ورقة الملفوف في زوايا مختلفة.
وتوصل الباحثون خلال دراسة سلوك الحيوانات لأكثر من 40 عاما في أكبر مستعمرة للشمبانزي في العالم في حديقة حيوان رويال برغرز في هولاندا إلى لعبة باسم " الطبخ"، حيث حفروا حفرة في التراب، وجمعوا المياه من خلال الدلاء وتم صبها في الحفرة ثم جلسوا حولها وبدأوا في دفع الطين بعصا كما لو كان حساء، وشهد فولفغانغ كولر الذي درس سلوك الحيوانات الرئيسية قبل الحرب العالمية الثانية ابتكار الشمبانزي لرقصة جديدة، حيث كانوا يسيرون صفا واحدة واضعين قدم واحدة بقوة ويتحركون بخفة باستخدام القدم الأخرى ويحركون رؤوسهم حول أحد الإيقاعات.
ويحب الشمبانزي المرآة مثل عشاق الموضة ولا يستخدمونها للتأكد من مظهرهم ولكن لفحص الأماكن التي لا يرونها مثل داخل أفواههم، بينما تستديرا لإناث للنظر إلى القيعان الخاصة بهم بينما لا يهتم الذكور بذلك، ويتميز الشمبانزي بذكاء مذهل عما كان يعتقده معظم العلماء، حيث يتبعون قواعد اجتماعية معقدة ويهتمون ببعضهم البعض وفهم وجهات نظر بعضهم البعض وكذلك عواطفهم، وكانت إحدى إناث القرد في أرنهيم تواجه صعوبة في المشي وذهبت الإناث الصغيرات إلى الصنبور وجمعوا المياه في فمهم ووضعوها داخل فم القردة التي لا تستطيع المشي، ولوحظ سلوك مماثل من قبل عالمة الرئيسيات البريطانية جين جودال، حيث كشفت أن أحد الحيوانات وتدعى مدام بي أصبحت مُسنة وضعيفة لتسلق الأشجار، وكانت بي تنتظر ابنتها بصبر في الأسفل لجلب الفواكه التي تناولها الإثنان معا، والأثر إثارة للإعجاب هو تقدير القردة للحياة من وجهة نظر مختلفة وهي القدرة التي اعتقدها العلماء خاصة بالبشر.
وأشار أحد الأطباء النفسيين للأطفال في إحدى الندوات " القرد لن يقفز في البحيرة لإنقاذ شخص آخر"، وهنا أشار أحد علماء الرئيسيات إلى أن هناك العديد من التقارير التي توضح قيام القردة بذلك بالضبط على الرغم من عدم قدرتهم على السباحة بشكل طبيعي، فيما زعم أحد العلماء أيضا أن البشر هم الكائنات الوحيدة القادرة على العمل معا لتحقيق أهدافها، إلا أن القردة تقوم بذلك أيضا، ومن الأمثلة المدللة على ذلك ما حدث في حديقة حيوان ارنهيم، ففي إحدى الليالي استطاع شمبانزي الحصول على جذع شجرة عملاقة ثقيلة يصعب تحريكها على حيوان بمفرده، ووضعها بالقرب من الجدار، وتمكن 25 قردًا من مداهمة مطعم الحديقة، وربما تعتقد أن القردة لا تستخدم التواصل الاجتماعي وأن ليس لديهم وسيلة لقول من فضلك وشكرا إلا أنه اعتقاد غير صحيح، حيث قام أحد الباحثين بتدريب قردة تدعى "كيوف" على تغذية طفل من خلال زجاجة وتم الاعتماد عليها طوال ساعات النهار والليل، وكانت ممرضة طبيعية ترفع الحلمة من فم الطفل بين الحين والأخر للتجشؤ.
ومن أهم المشاكل التي تواجه الباحثين عن دراسة الشمبانزي ذكائهم الشديد ما يجعل يشعرون بالملل بسهولة، ما يشير إلى صعوبة الاختبارات ضدهم، ويمكن للقرود أداء نفس التجربة البسيطة مثل تحديد كائن من خلال شكله دون النظر إليه مئات المرات إلا أنه يفقد الاهتمام بعد عشرات المحاولات، ويستمتع الشمبانزي بالضحك حتى أنه يصدر أصوات استنشاق وزفير تشبه صوت ضحكات الأطفال، وفي الماضي كان هناك موقف عام ممثل في حب أن يكون الشمبانزي هادئ مثل البشر، فيما أوضح عالم الأنثروبولوجيا ديزموند موريس أنه عندما كان يعمل في حديقة حيوان لندن في الستينات كانت حفلات الشاي لا تزال تقام في منزل القردة، حيث تجمع المقاعد حول الطاولة ويتم تدريب الشمبانزي على استخدام الأكواب والصحون وأبريق الشاي، ولا تجد الحيوانات مشكلة في استخدام هذه الأدوات، وبمرور الوقت أصبح أداء الشمبانزي أقوى ما هدد غرور الإنسان، وهو ما أدى إلى إعادة تدريب القرود على رمي الطعام حولهم والشرب من صنبور إبريق الشاي.
وتفضل قرود الشمبانزي في الواقع الحياة المتحضرة، ففي حديقة حيوان برغرز كان اثنان من أطفال الشمبانزي يلعبان في الأرض وتطور الأمر إلى قتال وصراخ وسحب الشعر، وكانت أمهات الإثنين تشاهد القتال لكنهما لم تتدخلا وبدلا من ذلك ذهبت إحداهما إلى القردة الأم لإيقاظها من قيلولة بعد الظهر، فيما أشارت إحدى الإناث إلى المشكلة واستغرقت القردة الأم لمحة واحدة لتقييم الوضع واتخذت خطوة إلى الأمام مع صوت نخير مهدد فصمت الصغار في لحظة، ويتميز الشمبانزي بالذكاء حيث يمكنه تقييم الوضع الجديد من خلال الكشف عن الأشياء المفقودة، ويتطلب ذلك خيال وشعور قوي بالمنطقية.
ويتميز القرد أيومو في معهد أبحاث الرئيسيات في جامعة كيوتو في اليابان بالقدرة على استيعاب المعلومة بسرعة البرق واسترجاعها بدقة، حيث يجلس أمام الكمبيوتر مع شاشة تعمل باللمس ويشاهد الأرقام من 1-9 تظهر وتختفي، واستطاع القرد إنتاج نفس التسلسل في كل مرة حتى إذا ظهر الرقم فقط لخُمس الثانية، وحصل أيومو على درجة 80% من حيث الوقت، ولا يمكن أن تتطابق قدرة الإنسان مع ذلك، حتى مساعدات الذاكرة فهي قادرة على تذكر ترتيب حزمة من البطاقات التي يتم خلطها، ويحظى أيومو بلقلب البطل في المسابقات، ويجري اختباره حاليا على تسلسل أكبر من الأرقام تومض بسرعة أكبر، ولا زال حدود ما يمكنه القيام به غير معروفة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر