دبدو العتيقة  المدينة التي اختبأت بين جبال المغرب الشرقي منذ القدم
آخر تحديث GMT 11:49:09
المغرب اليوم -

"دبدو" العتيقة المدينة التي اختبأت بين جبال المغرب الشرقي منذ القدم

المغرب اليوم -

المغرب اليوم -

دبدو التي بنيت خلال العصر الوسيط
الرباط- المغرب اليوم

في منحدر جبل شاهق منيع أسسها أفارقة قدامى، جبل مصدر مياه جارية تأخذ سبيلها إلى أسافل وفق ما جاء في مؤلف “وصف إفريقيا” للشهير بليون الإفريقي؛ وهي قصبة مرينية أيضا عن مغرب العصر الوسيط بإرث يشهد على عظمة مكان بمعالم عديدة، منها مئذنة شامخة مرتفعة تبدو من بعيد، كما ذكر “شال دوفوكو” في تقرير رحلة شهيرة له أواخر القرن التاسع عشر. وفسيفساء هي بنفحات مغربية أندلسية إسلامية ويهودية معا، اختبأت بين جبال منذ القدم في موضع بقدر مهم من خصب وماء وزرع، شكلت بها جالية يهودية أضخم مجموعة بشرية آخذة من وسطها حارة لها بحوالي ثلثي ساكنتها قبل حوالي قرن ونصف القرن.

وعلى مقربة من وجدة غير بعيد عن حدود المغرب الشرقية، كانت وجهة استيطان يهود منذ القدم، حيث تكاثرت جالية هؤلاء إثر ما حصل من هجرات متتالية منذ العصر الوسيط. لعل من أسرهم التي اشتهرت بحيوية تجارة ودين وفعل وتفاعل، هناك “ولاد كوهن الصقلي” و”ولاد مرسيانو” و”ولاد حمو” و”ولاد بن كيكي”، مع أهمية الإشارة إلى ما طبعهم من تفاعلات فضلا عن إشعاع وصدى وشهرة لفترات طويلة، بالنظر إلى ما كانوا عليه من نشاط وإنتاج وعمل دؤوب وحرف، بقدر ما كانت عليه من تعدد وأهمية بقدر ما بلغته منتجاتها من امتداد مجالي واسع.

لجأ إليها يهود أندلس أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، متخذين منها دارا إلى جانب المسلمين بعد طردهم، وتوجد بها عين شهيرة بعين “سبيلة” والتي ربما هي كلمة محرفة من لفظة “إشبيلية الأندلسية”، ناهيك عن مقبرة يهودية عتيقة توجد بها والتي ربما يعود تاريخها إلى وقائع ما حصل ببلاد الأندلس خلال العصر الوسيط زمن طرد اليهود والمسلمين منها إثر قرار محاكم تحقيق في حقهما معا. إليها ينتمي “داوود هاليفي” هذه الشخصية اليهودية التي تنسب إليها جملة مقالات عقائدية قبالية، وهو الذي توفي بعد بلوغه مرتبة أولياء ليدفن في تامكروت ببلاد درعة جنوب المغرب وليصبح قبره موضع تقدير ومزار لكل طوائف اليهود.

تلك هي مدينة “دبدو” بالمغرب، حاضرة عتيقة كانت موضوع حلقة من حلقات ذاكرة المدن العربية في دورة سابعة، ينظمها ويشرف عليها المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية بباريس، الذي يرأسه يحيى الشيخ أستاذ باحث مقيم بباريس منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وهو في الأصل ابن مدينة “جرسيف” تحديدا بلدة “المريجة” بالمغرب. ولعل بقدر ما يطبع مركز باريس العالمي هذا من انفتاح على ما هو ثقافة وفن وإبداع وأدب وتعبير وتاريخ في كل البلاد العربية، بقدر ما ميز ندوته حول ذاكرة “دبدو” من نقاش ورأي ومقترح وقراءات ومقاربات تقاسمها باحثون أكاديميون؛ منهم عبد الرحمن حرادجي الباحث عن كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة، والذي يسجل له ما راكمه حول منطقة المغرب الشرقية من نصوص وإسهامات على قدر عال من الأهمية وما كان عليه ولا يزال من دراسة وإلمام بما هو طبيعي مجالي بيئي. وممن أطر حلقة دبدو من الباحثين أيضا هناك نور الدين دخيسي، باحث في التاريخ ومهتم بما هو عمارة وتعايش إنساني، فضلا عن انشغالات فعل مدني كرئيس لجمعية ابن خلدون للدراسات بدبدو. هذا إلى جانب أيضا كل من عمر قلعي وعبد العزيز بلبكري؛ وهما باحثان في مجال التراث والأدب وفاعلان مدنيان بإسهامات عديدة فكرية وإبداعية، فضلا عن عبد السلام انويكة باحث عن مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث.

وقد أبانت ندوة المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية بباريس حول “دبدو”، من خلال ما تضمنته من مقاربات وما امتدت عليه من زمن، أن المنطقة كمجال وامتداد طبيعي وزمن وتاريخ وإنسان وثقافة وعيش وحضارة هي بحديث ذي شجون، لما هناك من قضايا متشعبة وجوانب مغمورة لا تزال بحاجة إلى أبحاث ودراسات شافية، ولما هناك أيضا من قضايا بطبيعة إنسانية معبرة برمزية خاصة تهم مدينة دبدو ضمن مدن المغرب العتيقة، ناهيك عما يمكن أن يكون لكل هذا وذاك من أثر ليس فقط في التعريف بها؛ بل الإسهام فيما ينبغي من تنمية محلية، تأخذ بعين العناية ما هناك من مؤهلات ثقافية وموارد تراث مادي ولا مادي ومن غنى بيئي مجالي، كذا من طبيعة موقع وجبل وممرات ومشاهد وفجاج وغيرها.

تبين أيضا من خلال ندوة “دبدو”، التي أشرف عليها المركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية بباريس، أن المنطقة بقدر واسع من امتداد في الزمن كذا ذاكرة ضاربة في تاريخ المغرب، على الأقل منذ العصر الوسيط بالنظر إلى ما ورد حولها في مصادر تاريخية مغربية وعربية وفي نصوص بحثية أكاديمية عديدة؛ ما يؤكد أن المكان كان موقعا وموطنا وتفاعلا وأعلاما وسياسة ومجتمعا بصدى كبير منذ القدم. ومن هنا، فمدينة “دبدو” ليست مدينة نكرة؛ بل عنوان حياة ووجود وحضارة وثقافة وإنسان ومجال وتميز وأعلام وعلماء وعيش وتعايش. وعليه، فهي بذاكرة غنية وإسهامات عديدة منذ الماضي حتى زمن البلاد المعاصر، وإلى غاية الآن من خلال أبنائها من المثقفين وما هي عليه من نخب وأهل ثقافة وعلم وخبرة، والذين عليهم ما ينبغي من تعريف بها ونهوض بنمائها وتسويق لمجالها واستثمار لترابها وما يميزها من مدخرات.

ضمن ما ورد في الندوة، ما أثير من نقاش هم جوانب ببعد رمزي وطني في زمن المدينة مطلع القرن الماضي وسنوات اطماع استعمارية في البلاد. فترة رسمت خلالها مدينة دبدو صور مجد وحس وطني وغيرة وتضحيات، من خلال ما كانت عليه المنطقة من ردود فعل معبرة ومقاومة بطولية، ما أحوج ناشئة البلاد الجديدة للاطلاع عليها من أجل ما ينبغي من صلة وتلاقح بين سلف وخلف. وعندما نقول ذاكرة دبدو الوطنية في زمن مغرب معاصر، معناه ما هم البلاد وما تعلق وارتبط بها خلال فترة دقيقة حرجة، إثر توغل استعماري صوبها من مستعمرة الجزائر حيث وجدة وعين بني مطهر وفجيج ودبدو وغيرها من مواقع المنطقة.

ولعل ما حصل من تطورات جعل دبدو بملاحم وطنية خالدة حقيقية وبطولات وتضحيات، فضلا عن هوية وأمجاد وشواهد يذكرها ويحفظها الأرشيف. وكانت جوانب مهمة من ذاكرة دبدو الوطنية قد حضرت ضمن أنشطة علمية عديدة ومواعيد أطرها فعل المجتمع المدني بالمدينة؛ من قبيل جمعية ابن خلدون للأبحاث والدراسات وحماية المأثر التاريخية، والتي كانت خلال السنوات الأخيرة بإسهامات على قدر كبير من الأهمية والقيمة المضافة، وهو ما يستحق التثمين ليس فقط لما فتح على إثرها من نقاش بل ما توفر وتحقق وأغنى خزانة دبدو التاريخية بنصوص.

ودبدو التي بنيت خلال العصر الوسيط لتكون معقلا لدولة بني مرين في منحدر جبل شاهق منيع بأودية عديدة، وفق ما جاء في مؤلف “وصف إفريقيا” لـليون الإفريقي، هي دبدو التي شكلت أيضا معقلا لمقاومة ولحس وطني مطلع القرن الماضي ضد أطماع استعمارية في البلاد. فكانت جبالها سندا أوديتها مسرح تضحيات وصور وطنية شاهدة، على ما كانت عليه قبائل المنطقة من استماتة دفاعا عن البلاد قبل فرض الحماية عليها سنة 1912. ولعل ما هناك من أرشيف فرنسي خاصة، يؤكد ما كانت عليه دبدو من أدوار طلائعية في أول أشكال مقاومة المغاربة المسلحة للاستعمار سنوات ما قبل الحماية. كيف لا وقد خاضت المنطقة من خلال قبائلها معارك طاحنة ضد التوغل الاستعماري، نذكر منها معركة “علوانة” التي جعلت دبدو بشهرة وتداول واسع داخل البلاد وخارجها، لما تناقل حولها من خبر وما تناولته صحافة فرنسا وشغل مراسليها من اهتمام لفترة، إثر خسائر فادحة ترتبت عن هذه الواقعة في صفوف القوات الفرنسية يوم 15 ماي 1911.. تلك التي كانت بأثر سياسي بليغ، بدليل تداول مجلس الوزراء الفرنسي لها وتقديم وزير الحرب الفرنسي لمعطيات دقيقة حول ما حدث.

ذاكرة، إذن، هي دبدو التي تستحق كل التفات وإنصات وعناية وحماية؛ بل وإثارة من حين إلى آخر من باب الذكرى خدمة لناشئة البلاد وحاضرها، مثلما حصل مع إطلالة للمركز العالمي للدراسات العربية والبحوث التاريخية بباريس، من خلال لقاء حول المدينة بين الماضي والحاضر، ضمن حلقة من حلقات ذاكرة المدن العربية في دورة سابعة. بادرة بقدر ما هي توثيق لقضايا وخصوصيات واهتمامات محلية، بقدر ما هي أرشفة من شأنها إغناء خزانة دبدو التاريخية والثقافية، ومن ثمة تواصل وتلاقح بين أجيال من جهة وباحثين ومهتمين من جهة ثانية؛ فضلا عما هناك، طبعا، من إشعاع وتعريف بما تزخر به عدد من مناطق المغرب ومدنه من موارد زمن وطبيعة وتفردات ورمزية ذاكرة

 

المغرب يستعد لإطلاق عملية "مرحبا" مرورا بجبل طارق

 

انفصال أكبر جبل جليد في العالم عن القارة القطبية الجنوبية

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دبدو العتيقة  المدينة التي اختبأت بين جبال المغرب الشرقي منذ القدم دبدو العتيقة  المدينة التي اختبأت بين جبال المغرب الشرقي منذ القدم



إطلالات أروى جودة في 2024 بتصاميم معاصرة وراقية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 11:19 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
المغرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:20 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
المغرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 15:47 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

منح يحيى الفخراني جائزة إنجاز العمر من مهرجان الأفضل
المغرب اليوم - منح يحيى الفخراني جائزة إنجاز العمر من مهرجان الأفضل

GMT 16:06 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

منتجات لم يشفع لها الذكاء الاصطناعي في 2024

GMT 08:33 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الطقس و الحالة الجوية في تيفلت

GMT 00:40 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

حطب التدفئة يُسبب كارثة لأستاذين في أزيلال

GMT 05:45 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

بنغلاديش تعتزم إعادة 100 ألف مسلم روهينغي إلى ميانمار

GMT 07:34 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

نادال يُنهي 2017 في صدارة تصنيف لاعبي التنس المحترفين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib