الرباط - المغرب اليوم
تتسم علاقة بعض المجالس الجماعية في المغرب مع الثقافة بمفارقة صارخة، ففيما تتعالى الأصوات المنادية بإيلاء الفعل الثقافي مزيدا من الاهتمام، لما له من دور رئيسي في التنشئة الاجتماعية، وحتى على الصعيد الاقتصادي، لما تدرّه الأنشطة الثقافية والسياحية الثقافة من عائدات مادية مهمة، تكرّس الإجهاز على المؤسسات الثقافية بشكل لافت خلال الأيام الأخيرة.وفي هذا الصدد جرى هدم سينما أوبرا بسلا، التي ظلت مُغلقة منذ سنوات، وهُدم جزء كبير من مسرح الهواء الطلق الحبول بمدينة مكناس، وبدأت أشغال تشييد أكشاك أمام قصر عين أسردون ببني ملال، قبل أن يتم إيقافها بعد احتجاج فعاليات من المدينة.
ويأتي هدم مسرح الحبول بمكناس وسينما أوبرا بسلا بعد أسابيع قليلة فقط من صدور التقرير الختامي للجنة الملكية المكلفة بالنموذج التنموي الجديد، التي أوْلت أهمية بارزة للثقافة، إذ شددت على أنها شرط ضروري لبناء مجتمع ديمقراطي، علاوة على كونها رافعة أساسية للتنمية.وغداة عملية التدمير التي طالت أجزاء مهمة من مسرح الحبول بمكناس، أصدرت فعاليات ثقافية بالمدينة نداء طالبت فيه بفتح تحقيق لتحديد المسؤولية “في ارتكاب هذه الجريمة في حق مكناس ومؤسساتها الثقافية”.وجاء في “نداء مكناس من أجل الحفاظ على معالمنا التاريخية” أن مسرح الهواء الطلق الحبول له قيمة تاريخية جد كبيرة بحكم موقعه في قلب العاصمة الإسماعيلية، فضلا عن قيمته المعمارية، وارتباطه الوجداني بتاريخ مكناس المعاصر.
وفي وقت يروج حديث عن تجهيز المسرح المذكور، الذي احتضن العديد من التظاهرات الثقافية والفنية والمسرحية، آخرها العروض الموسيقية لمهرجان وليلي الدولي، بأجهزة الصوت والصورة، فوجئت الفعاليات الثقافية في مكناس بتدميره.وذكر “نداء مكناس من أجل الحفاظ على معالمنا التاريخية” أنّ المسرح ذا التصميم الشبيه بالمسارح الرومانية، الواقع داخل حديقة الحبول في قلب مكناس، تعرّضت جلّ مدرّجاته للهدم، بينما زُرعت في المدرجات الخلفية بعض النباتات، كما اختفت غرفة التحكّم التقني (régie).
وطالبت الجهة ذاتها جماعة مكناس بإعادة مسرح الحبول إلى الوضعية التي كان عليها قبل عملية التدمير، مع الحفاظ على شكله الأصلي كبناية لها قيمة تاريخية ومعمارية وتقوم بأدوار جد مهمة في التنشيط الثقافي والفني.المصير نفسه الذي لقيَه مسرح الهواء الطلق الحبول بمكناس طال أيضا سينما “أوبرا” الواقعة في حي تبريكت بسلا، التي سُوّيت بالأرض، بعد أن ظلت عُرضة للنسيان ومأوى للمشردين طيلة سنين. وحُجبت الأنقاض التي خلفتها عملية الهدم بغطاء أسود يعكس واقع الإهمال الذي يطال عددا من المؤسسات الثقافية في البلاد.
ويرجع إقبار المجالس الجماعية للمؤسسات الثقافية، حسب رأي المخرج المسرحي بوسلهام الضعيف، إلى عامل أساسي، وهو أن “المضاربة العقارية أصبحت لها سلطة أقوى على المجال الثقافي، إذ يَميل المنتخبون إلى فسح المجال أمام المنعشين العقاريين لإنشاء مشاريع خاصة على أنقاض مؤسسات ثقافية، دون إيلاء اعتبار لرمزيتها”.وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “مسيّري الشأن المحلي قد لا يحتاجون في حالاتٍ إلى تشييد مؤسسات ثقافية جديدة، بل إلى استغلال فضاءات ثقافية مُتاحة، لكنها غير مستغلّة، من أجل تنشيط ثقافة القرب، مثل عرض مسرحيات، وأمسيات شعرية، ولقاءات مع الكتاب، وغيرها…”.
قد يهمك أيضَا :
مهرجان السينما المتوسطية "سينيميد" يُسلّط الضوء على أزمات لبنان في دورة الثالثة والأربعون
انطلاق مهرجان الجونة السينمائي بمشاركة مغربية
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر