مدينة نمرود المحطمة تبيّن وحشية تنظيم داعش
آخر تحديث GMT 20:50:07
المغرب اليوم -

يقود حربًا شرسة لتدمير الثقافة والفن في العراق

مدينة نمرود المحطمة تبيّن وحشية تنظيم "داعش"

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - مدينة نمرود المحطمة تبيّن وحشية تنظيم

أحد المتطرفين أثناء تحطيم الأثار
واشنطن ـ يوسف مكي

سيطرت القوات العراقية على مدينة نمرود، أحد مواقع القصور الآشورية العظيمة، بعد معركة شرسة مع متطرفي "داعش". ويتبع تحرير أنقاض نمرود، استعادة نظام الرئيس الأسد لما تبقى من مدينة تدمر في وقت سابق من هذا العام. وتتراجع تدريجيًا الحرب الشرسة التي شنتها "داعش" على الآثار القديمة، وتم استعادة بعض المواقع الأثرية من منطقة الشرق الأوسط، ويمكن لعلماء الآثار حاليًا الذهاب، واكتشاف ما تبقى من قصر الملك آشور ناصريال الثاني 883-859 قبل الميلاد، أحد إبداعات الآشوريين القديمة المذهلة، وأظهرت الصور ومقاطع الفيديو تحطم مدينة نمرود وتجريفها عام 2015، وشوهد المتطرفون في الصور يحطمون المنحوتات والتماثيل.

ولم يكن هناك حربًا ممنهجة على الثقافة، مثل التي خاضتها "داعش"، ونحن لم ندرك بعد هذه الدرجة من الوحشية البربرية. وتشير كلمة "البرابرة" إلى هؤلاء الذين اجتاحوا الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس قبل الميلاد، أنهم "الوندال" الذين أنهوا حكم الرومان، وهم شخصيات مخربة للممتلكات، ولا يزال اسمهم مرتبط بالتدمير الوحشي، بينما لم يكن القوط الغربيين وغيرهم من اللصوص، من مدمري الحضارة على الإطلاق، وبحلول القرن التاسع تصاعدت إمبراطورية شارلمان، والذي حاول استعادة تراث روما والحفاظ عليه، ومنذ تلك الفترة يعدّ التاريخ الثقافي بالكامل لأوروبا، وحتى العصر الحديث حكايات كلاسيكية متكررة.

وكانت الغزوات العربية التي جلبت الإسلام إلى شمال أفريقيا وأسبانيا في القرنين السابع والثامن، أكثر حساسية للتراث الكلاسيكي، وبعيدًا عن حرق الكتب، حرص الفاتحون على الحفاظ على الآثار وترجمة أعمال أرسطو وغيره من الكتاب اليونانيين إلى اللغة العربية، ويوضح المسجد الكبير في قرطبة كيف فسر الإسلام التقاليد الكلاسيكية، وتعدّ صورة الغزاة الهمجية الذين دمروا الحضارة بمثابة خرافة، وعادة حرص هؤلاء الغزاة على الاستفادة من تلك الثقافة وليس تدميرها، وعندما غزا جانكيز خان الصين في أوائل القرن 13، لم يدمر ثقافتها بل على العكس تبنى المنغوليون البرارة الحضارة الصينية، وساعدوا على نشر إنجازاتها.

ونجد أن معظم الغزاه حرصوا على تصوير أنفسهم كأصدقاء للثقافة وليس أعداء لها، واصطحب نابليون العلماء والمؤرخين معه إلى مصر وصوّر غزوه لمصر كمهمة ثقافية جيدة، حتى أن أدولف هتلر زعم أنه صديقًا للفن، وظل منغمسًا في المخططات المعمارية الضخمة الطموحة للمباني، بما في ذلك المتاحف في أيامه الأخيرة في القبو.

ويعتبر تنظيم "داعش" من أكثر التنظيمات المتطرفة كراهية للفن، وعلى النقيض نجد أن معظم المعتدين في التاريخ تظاهروا على الأقل بأنهم يحبون الثقافة حتى وإن كانت أفعالهم تدمرها، ويعدّ التنظيم الوحيد الذي سبق "داعش" في تدمير الفن حركة طالبان، والتي نسفت تمثالي بوذا في باميان عام 2001، وهو ما يمثل بداية عصر جديد للتعصب ضد الفن، وفي الحقيقة هناك تاريخ طويل من المتعصبين الدينيين الذي هاجموا الفن والجمال، وفي فترة الإصلاح في أوروبا هاجم الغوغاء الذين اعتقدوا بحب الفن الكاثوليكي حبًا أعمى التماثيل، وحطموا النوافذ الزجاجية الملونة، وإذا أردت حقا أن ترى تدمير الفن فيما قبل داعش يمكنك الذهاب إلى أي كنيسة بريطانية قديمة، حيث كانت كنائسنا الهادية حاليًا ضحية للمتعصبين الهائجين في إحدى الأيام.

وعلى النقيض عندما غزا الأتراك العثمانيون القسطنطينية عام 1453، فإنهم لم يهاجموا المبنى المسيحي بها، لكنهم حولوه إلى مسجد بغضافات بسيطة، وهو مسجد أيا صوفيا التي لا يزال موجدًا حتى اليوم، وهو تحفة مسيحية محافظة في قلب مدينة إسلامية، ويمثل نصب تذكاري لقدرة الإنسان على احترام الفن حتى عندما يرمز إلى نظام عقائدي مختلف.

واعترف أحمد فقيه المهدي في المحكمة الجنائية الدولية على تدميره للكنوز في تمبكتو، واعتذر عن هجومه الأعمى الجاهل على الثقافة، وهو ما يعدّ نقطة تحول، دعونا نتمنى أنه بعد هزيمة "داعش"، لن يأتي أحد ويجعل الفن عدوًا له، دعونا نعترف  بوجود حلقة كارثية من العنف الديني ضد الفن من قبل، وأن الحرب دمرت العديد من الأشياء الجميلة، ولكن لم يكن هناك تحديدًا معتدي سعى إلى تدمير الفن علنًا، ونفذّ سياسته في مواقع مثل نمرود وتدمر، وبذلك يمكن القول أن العهد الحقيقي للمخربين، ليس في  القرن الخامس ولكن في القرن 21.

 

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مدينة نمرود المحطمة تبيّن وحشية تنظيم داعش مدينة نمرود المحطمة تبيّن وحشية تنظيم داعش



GMT 02:59 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رحيل شاعر الملحمة السوداني هاشم صديق

GMT 20:58 2024 السبت ,19 تشرين الأول / أكتوبر

انتظارات مدنية لتحقيق "القراءة للجميع"

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 16:57 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

حذار النزاعات والمواجهات وانتبه للتفاصيل

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنان المصري حسن يوسف اليوم عن عمر يناهز 90 عاماً

GMT 21:31 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بورصة الدار البيضاء تفتتح التداولات بـ "ارتفاع"

GMT 20:59 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أهم توصيات مؤتمر الموثقين بمراكش

GMT 11:42 2017 الثلاثاء ,05 أيلول / سبتمبر

فك لغز مقتل أستاذ جامعي في الجديدة

GMT 10:02 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

وكالة ناسا ترصد صخرة «وجه الإنسان» على كوكب المريخ

GMT 17:57 2016 الأربعاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال يضرب "بحر البوران" قبالة سواحل مدينة الحسيمة

GMT 05:37 2020 السبت ,16 أيار / مايو

طريقة عمل غريبة بالسميد وجوز الهند

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

استمتع برحلة تلتقي فيها الشاعرية مع التاريخ في لشبونة

GMT 21:25 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصحافي رشيد بوغة في مدينة تيفلت
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib