الدار البيضاء ـ سمية ألوكاي
توجد قصبة بولعوان على تل في الضفة اليسرى، لواد أم الربيع على بعد 125 كيلومتر، من مدينة الدار البيضاء و55 كيلومتر غرب مدينة سطات و75 كيلومتر من مدينة الجديدة
أو مدينة مازاغان كما أطلق على تسميتها المستعمر البرتغالي، بنيت في عهد السلطان المغربي مولاي إسماعيل عام 1710، ومن أجل الاهتداء إلى مكان وجودها يلزم التحلي بالصبر وعدم الشكوى والتذمر لأن المؤشرات التي تدل الزائر على الطريق تكاد تكون شبه منعدمة وإن كانت تظهر للعيان فإنها تبرز من بعيد، الشيء الذي يوقظ رغبة دفينة في فك طلاسم هذه المغامرة ويشجع على مواصلة المسير لاكتشاف المجهول.
في هذا المكان المثقل برموز التاريخ تسر العين وتبتسم أهدابها لرؤية غابة من الأوكاليبتوس قبل الوصول إلى القصبة، فالماء والخضرة والتاريخ اجتمعوا في وجهة واحدة، لدعوة الزائر إلى التمتع بكل لحظة وأخذ نفس عميق، الشعور بهدوء المكان ورهبته يدعو إلى تجريد الخيال من قيوده وأصفاده لمنحه فرصة السفر إلى هذه الفترة التاريخية من أجل العيش مع ذكرى هذا المكان، كما كان في سابق عهده فبعض من أطلال قصبة بولعوان تستحق الزيارة والوقوف عندها بتمعن وروية لأنها تعكس حقبة تاريخية مهمة.
بين جدران القصبة تقف الذكرى ليثير الفضول رغبة في التعرف على هذه الفترة الزمنية التي تحمل بين يديها نسمات من معمار مغربي عتيق يوحي إلى عمق التاريخ وأصالته.
بعد الوصول إلى القصبة تتنفس الصعداء وتجد في الاستقبال رجلا مسنا بزيه التقليدي ينحني انحناءة إجلال وتقدير فرحا بقدوم زوار إلى هذه البقعة التي تشهد عليها جدرانها ومآثرها التاريخية، تقف الجدران شامخة في أنفة وعزة وبالتوغل شيئا فشيئا يمكن التنزه في القصبة وسبر أغوارها بشكل تدريجي للتعرف على ما تخفيه بين ثناياها وطياتها.
قد يصادف المرء وهو يتنزه بهذه المعلمة التاريخية والثقافية رعاة رفقة أغنامهم ويجد ممرات ومسارات ضيقة غير أن انفراجا يظهر في أفقها من خلال مصادفة مساحات واسعة تسر الناظر، داخل القصبة ومن فوق تسيطر رؤية عالية مهيمنة على المكان المحيط بها وترى بقية الأماكن صغيرة ما يعطي رؤية شاملة من عل، تمنح الزائر إمكانية النظر إلى مدينة الجديدة الساحلية في شموليتها وعمق حضارتها،
ومن الممكن عدم وجود الفرصة لرؤية مثل هذا المعمار التاريخي لأن هذا النوع من الهندسة المعمارية قليل بل نادر، بخاصة وأن القصبات متمركزة بكثرة في الجنوب المغربي.
وتحضن قصبة بولعوان بقوة واد أم الربيع الذي ينحني في خيلاء مع منعرجاته وتخفي في حشمة مناظر طبيعية رائعة، يزيدها روعة مصب النهر ومنعرجاته التي تتمايل بين منحدرات غير متجانسة رسم الزمن آثاره عليها، تتسلل شمس دافئة في خفية وترتمي في حضن القصبة معلنة خضوعها وانصياعها لكنز مهمل منسي يستحق رد الاعتبار إليه.
إرث تاريخي وثقافي رغم أنه مصنف عالميا يحتاج إلى أياد أمينة تربت على كتفيه وأعين ترمقه بنظرات غزل تشعره بجماله وجاذبيته رغم مرور السنين.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر