أظهرت دراسة أجراها باحثون من الجامعة الروسية للدراسات العليا في العلوم الاقتصادية أن مستوى سعادة المواطنين، في عدد من الدول منها المغرب وتونس ومصر وليبيا، يمكن أن يوفر توقعات أكثر دقة حول أحداث ما عرف بـ"الربيع العربي" مقارنة بالمؤشرات الاقتصادية المحضة، مثل الناتج المحلي الإجمالي للفرد ومعدل البطالة.
وفي أوائل سنة 2010، اجتاحت موجة من الاحتجاجات السياسية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وفي دجنبر من نفس السنة اندلعت الاضطرابات في تونس وأُقيلت الحكومة على إثر ذلك وهرب زين العابدين بنعلي في 15 يناير 2011. وقبل يومين من ذلك، بدأت الاحتجاجات في ليبيا أدت إلى الإطاحة بنظام القذافي تلاه تدخل عسكري وحرب أهلية، وفي نفس الوقت بدأت الاضطرابات وأعمال الشغب في سوريا ومصر واليمن توسعت إلى عدة دول أخرى من بينها المغرب التي عرفت احتجاجات حركة 20 فبراير.
وجاء في الدراسة المنشور في المجلة العلمية "Cross-Cultural Research" أن "الربيع العربي ليس المثال الأول على موجة الثورة في تاريخ البشرية، ففي منتصف القرن التاسع عشر حدثت سلسلة مماثلة من الاضطرابات السياسية في أوروبا فيما سمي بربيع الأمم".
ويعتقد الباحثون في الجامعة الروسية أن "هناك استنتاج مفاده أن المجتمع الذي يسعى إلى مواجهة واسعة مع السلطات له خصائص خاصة يمكن تحديدها من خلال المراقبة الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية أو أي نوع آخر من المراقبة".
وتذكر الدراسة أنه في "الستينات كان السبب في تجمعات الشارع هو الحرمان النسبي، أي عدم الرضى المعنوي للأشخاص الذي يشعرون أنهم يفتقرون إلى الموارد التي يعتقدون أنهم يستحقونها، على سبيل المثال، يمكن أن يحدث هذا الحرمان إذا لم يف المسؤولون المنتخبون بوعودهم بينما يطمح المواطنون إلى جودة حياة قابلة للمقارنة مع حياة الدول الأخرى".
وفي اعتقاد أندري كوروتاييف البروفسور في الجامعة الروسية، فإن الحرمان النسبي هو مصطلح نفسي يحدد الشعور الذاتي بوجود فجوة بين الرفاه المتوقع والرفاه الحقيقي، ويُضيف قائلاً: "لا ينبغي الخلط بين الحرمان النسبي وبين الحرمان المطلق، لأن هذا الأخير يعني نقص حقيقي في الموارد الأساسية الفورية مثل الإسكان والغذاء، أي يتعلق الأمر بتدبير اقتصادي أكثر منه نفسي".
وتشير الدراسة الروسية أن نظرية الحرمان النسبي استخدمت على نطاق واسع لتحليل العمليات السياسية في عدد من الدول بما في ذلك روسيا، ومع ذلك لا يوجد رأي مشترك حول دور الحرمان النسبي في توليد الأحداث الاجتماعية والسياسية لأنه لحد الساعة لا تعرف قيمة قياسها.
ويقترح علماء الاجتماع في هذا الصدد مقياساً من 10 نقاط لقياس الشعور الشخصي بالسعادة Subjective Feeling of Happiness (SFH). ووفقاً لعالم الاجتماعي الهولندي لروت فينهوفن فإن الشخص السعيد النموذجي هو مواطن في دولة مزدهرة اقتصادياً تضمن ديمقراطية وحرية مستقرتين، ويحتل المراكز العليا في السلم الاجتماعي ومؤيد لوجهات النظر محافظة بشكل معتدل.
وسعى عالمَا الاجتماع الروسيان أندري كوروتاييف وأليسا شيشكينا، وفق الدراسة، إلى التحقق من "الفعالية الذاتية للسعادة" كمقياس للحرمان النسبي بناءً على معطيات البلدان العربية التي شهدت ما عُرف بـ"الربيع العربي".
وصنف الباحثان هذه البلدان وفقاً لـ"مؤشر زعزعة الاستقرار السوسيوسياسي"، ويمكن تقييمه بالنقط من 1 إلى 7 اعتماداً على حجم ونتائج المظاهرات في البلد، وقد حققت كل من الإمارات وقطر معدل 1، بينما سجلت بلدان أخرى 7 وهي تونس وليبيا ومصر التي عرفت ثورات.
وبعد مقارنة المؤشر بقيم الشعور الشخصي بالسعادة SFH في 2010، وجد الباحثون في الجامعة الروسية أن البلدان التي كان فيها نشاط الاحتجاج منخفضاً كان الناس أكثر سعادة من سكان الدول التي استمرت فيها الاحتجاجات وأعمال الشغب لبعض الوقت.
كما حلل الباحثون العلاقة بين الناتج الداخلي المحلي الإجمالي عشية الربيع العربي ومؤشر زعزعة الاستقرار السوسيو اجتماعي، وأظهرت النتائج أن متوسط نشاط الاحتجاج كان أقل بكثير في الدول العربية الغنية منه في الدول المجاورة الفقيرة.
ويخلص الباحثون الروس إلى القول: "للوهلة الأولى يبدو من النتائج أن المشاعر الثورية مدفوعة بالعوامل الاقتصادية وليس لأسباب اجتماعية ونفسية، ومع ذلك فإن تحليلات التراجعات المتعددة اللاحقة، بتطبيق مؤشر زعزعة الاستقرار السوسيوسياسي والتغير في مستوى مشاعر السعادة الشخصية بين عامي 2009 و2010 ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ومعدل البطالة، يتبين بوضوح ضرورة إيلاء الاهتمام للعوامل الاجتماعية والنفسية بدلاً من التفسير الاقتصادي البحت لنشأة الثورات العربية".
ومع ذلك يؤكد الباحثون أن "الشعور الشخصي بالسعادة لا يمكن اعتباره منبئاً وحيداً للاحتجاجات، بل يجب التذكير بأن عدداً من العوامل السياسية والاجتماعية والديمغرافية والتاريخية والدينية والاقتصادية قد لعبت دورهاً في زعزعة الاستقرار السوسيوسياسي، ويبدو أن الحرمان النسبي أحد الأسباب المحتملة العديدة".
ويقول أندري كوروتاييف في هذا الصدد أن الباحثين يفكرون في تطبيق نهج مماثل لتحليل العمليات السياسية في بلدان أخرى من العالم لمحاولة قياس مستوى عتبة الحرمان النسبي الذي يجبر الناس على المشاركة في الاحتجاجات، سواء كانت احتجاجات سلمية أو إضرابات جماعية أو أعمال إرهابية.
قج يهمك أيضًا :
الكاتِب كريس غاردنر يُطلق النسخة العربية من "السعي وراء السعادة"
مانسون يؤكد أن من طارد السعادة ابتعدت عنه
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر