نشر الرهينة الأميركي المطلق سراحه، ثيو بادنوس، مذكراته أثناء تجربة اختطافه في سورية وكيف وصل إلى "جبهة النصرة" وأساليب تعذيبه، مؤكدًا: في ساعات الصباح الأولى من يوم 3 تموز/ يوليو، اثنين من كبار مسؤولي تنظيم "القاعدة" في سورية استدعوني من زنزانتي، منذ قرابة عامين، ولكنني بقيت مكبلًا بسلاسل السجن، وفي تلك الليلة، نقلوني من غرفة مدرسة في مدينة دير الزور، مكان احتجازي الأول إلى تقاطع الرقة الصحراوية، بعدها بخمس دقائق، وحين وصلت، تم إخراجي من السيارة "اللاند كروزر"، وقفت في الظلام وسط دائرة من الرجال يحملون أسلحة خفيفة "كلاشينكوف"، وابتسم لي أحدهم وسأل، هل تعرف من أنا؟.
ويضيف ماثيو: كنت بالتأكيد قد عرفته، لقد زارني في زنزانتي مرة واحدة، منذ نحو ثمانية أشهر، وأخبرني عن جرائم الغرب ضد الإسلام، بالإضافة إلى سمعته، قائد في "جبهة النصرة" السورية التابعة لتنظيم "القاعدة"، ويسيطر على الأموال ويحدّد تفجير المباني ونقط التفتيش التي يتم مهاجمتها، بالإضافة إلى إعدام الأسرى أو الإفراج عنهم".
ويشير إلى أنَّ الرجل أراد التأكد من أنَّه يعرف اسمه، فردَّ عليه: بالتأكيد أبو ماريا القحطاني، أنت رجل التعليم لدينا، وأضفت شيخنا، مثلما يستخدم جنوده هذا اللفظ، فرد علي قائلا "جيد، أنت تعرف أنَّ داعش تحيط بنا"، ولكنني بالفعل لم أكن أعرف هذا، بعدها هزَّ كتفيه وأكد أنَّه لا داعي للقلق، لن يلحقوا بنا أو بك، فأي مكان أذهب إليه أنت معي، وبعدها أومأت رأسي بالموافقة.
يُذكر أنَّ "جبهة النصرة" أطلقت سراح الصحافي الأميركي في منتصف آب/ أغسطس 2014، بوساطة قطرية، بعد أسبوع من إعدام "داعش" للصحافي الأميركي جميس فولي.
ويوضح ماثيو: سافرنا إلى مكان سكني بعيد في جوار حقل نفط قرب نهر الفرات، وطوال الليل، شاهدت 200 من الجنود المشاة ونحو 25 من المرجعيات الدينية والمهاجرين الأفغان الذين كانوا على استعداد لرحلتهم، كما كان هناك حقائب في السيارات الأجرة "التويوتا"، وصناديق من المغاربة المقيمين في الخارج لشحنها ومبردات المياه والسرائر، بالإضافة إلى الأسلحة مثل قذائف الهاون والصواريخ والرشاشات وأكياس العلف المليئة بالقنابل والرصاص وأكوام من الأحزمة الناسفة، و في الساعة الرابعة صباحًا، تمَّت التعبئة، قاد السائق السيارة وأطلق رصاصة في الهواء، وفي غضون ثوانٍ ذهبنا، وحلقنا فوق الرمال، تلك الطرق في سورية التي لم نستخدمها.
ويلفت: كنت قد أتمتت 20 شهرًا سجينًا لدى "جبهة النصرة"، ولكن الرحيل كان مفاجأة، مع الأحزمة الناسفة والسلوك الزئبقي من رجل متعلم مع القوافل الصحراوية، فقد أقتل أو أذبح في أي لحظة، هذا طريقي في العالم، وقد تعوَّدت عليه في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، عندما اختطفت للمرة الأولى، تعوَّدت على الجلوس في زنزانتي في حلب في غرفة للاستشارات الطبية للأطفال في مستشفى، كنت في حالة من الرعب المتواصل، في تلك الأيام ضحك المختطفون لضربهم لي، وفي بعض الأحيان كانوا يدفعونني إلى الأرض، وأنا أود الصراخ ساعدوني، الكل يتفرج في صمت، كانوا يستهزئون بالإنكليزية بالقول "أوه ساعدني يا رب ساعدني"، ونظرًا لعدم وجود حمام في زنزانتي، اضطررت للتبول عند الباب الخشبي".
ويلفت ثيو: قسوة الخاطفين أخافتني، ولكن أصعب الأوقات كانت في الأسابيع الأولى، عندما فكرت بشأن من هو المسؤول الفعلي عن خطفي، اعتقد أنني أعرف طريقي في العالم العربي، ففي عام 2004، عندما غرقت الولايات المتحدة في حربها على العراق، قررت أن أخوض تجربة خاصة، انتقلت من ولاية فيرمونت الأميركية إلى العاصمة اليمنية صنعاء لدراسة اللغة العربية والدين الإسلامي، أحب اللغات، حاصل على دكتوراة في الأدب المقارن، وأنا حريص على فهم العالم من حيث يفقد الغرب الطريق لفهمه، فقد بدأت دراستي في مسجد الحي ثم التحقت بالمدرسة الدينية الشعبية بين أولئك الذين يحلمون بعودة أيام النبي النسخة الإسلامية، بعد ذلك انتقلت إلى سورية للدراسة في الأكاديمية الدينية في دمشق، وبدأت في كتابة كتاب عن وقتي في اليمن، عن المساجد ودوائر القراءة التي تتشكَّل بعد الصلاة والشعور الديني الخطير الذي ينشأ في بعض الأحيان من حولهم".
ويستطرد: في بداية الحرب الأهلية السورية، كتبت بضع مقالات من دمشق، ثم عدت إلى ولاية فيرمونت في صيف عام 2012، مع بدأ التكفيريين تأكيد سلطتهم في سورية، وبدأت الترويج للمقالات في لندن ونيويورك حول القضايا الدينية الكامنة وراء الصراع، والآن يمكنني تلاوة العديد من الآيات القرآنية المهمة فهي في ذاكرتي، كنت أتحدث العربية بطلاقة كأنني عربي الأصل، ولكن تلك المؤهلات كانت غير مهمة، فمحرري الصحف لا يعرفوني، القليل يكلف نفسه للرد، أعتقد، ربما لو كنت أكتب في سورية أو بلدة تركية على الحدود، سيكون حظي أوفر، وفي يوم 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2012، وصلت إلى انطاكية في تركيا، حيث استأجرت غرفة متواضعة مع شاب تونسي، حاولت التحدث مع المحررين ولكن دون جدوى، آخر شيء يمكنني القيام به هو تدريس اللغة الفرنسية أو تدريب التنس، كنت أتساءل ماذا افعل؟".
ويقول:" كنت أقضي أوقات بعد الظهيرة في أنطاكية، أتسلق الجبل على مشارف المدينة حتى أرى سورية، وعلى الرغم من حملة القصف العدوانية ضد المعارضة والسكان المدنيين، كان الجيش السوري يخسر المعركة، دان المجتمع الدولي ما فعله الرئيس بشار الأسد ضد المدنيين، ولكن لم يتدخل أحد بما في ذلك الولايات المتحدة، وعلى شاشات التلفزيون احتج الدعاة الإسلاميون على ما تفعله الحكومة السورية، ومن جانبها، حذرت الحكومة من سيطرة المتطرفين والمعارضة على البلاد، ربما الذين تدعمهم "إسرائيل"، وقد يتسلل العديد منهم من العراق وليبيا، وحينها سيطر الجيش الحر على اثنين من المعابر الحدودية الشمالية في حلب.
ويتابع: يومًا ما كنت أتمشى خارج انطاكية، وجاءت فكرة مقال، وهي من عاش في سورية يعرف مرارة الانقسامات الطائفية بين المتقين والعلمانيين والموالين للأسد والمنشقين، سيكون من المستحيل رسم هذه الانقسامات على الخريطة، لأنَّها غالبًا داخل الأسر والأفراد، وبحلول خريف 2012، أخذ المسافر المنحنى نفسه، غالبية الذين يعيشون شرق سلسلة الجبال التي تمتد من مدينة حمص تجاه الحدود التركية هي من الطائفة السنية ومعارضة للحكومة، ومعظم الذين يعيشون في الجبال أو الغرب من أنصار الطائفة العلوية والرئيس الأسد، واصلت المشي متخيلًا نفسي أسافر على طول هذه الصداعات، أود أن أتوقف في القرى وأقابل الناس، لأحكي قصة أمة فيها العديد من الهويات غير الراضية عن كل منها، فهم في ورطة ويريدون المساعدة".
ويضيف: تجربتي في البلدان العربية يجب أن تحظى بوقفة، بعد أن نشرت كتابي عن اليمن، غيرت اسمي من ثيو بادنوس إلى بيتر ثيو كورتس، كنت قلقا من ردة فعل الكتاب من الشرق الأوسط، فأنا أعرف كيف يتم النظر إلى الغربيين، ولكنني درست تحت إشراف الحكومة العسكرية في المسجد، لم أضع قدمي في مكان تسيطر عليه "القاعدة"، ولكن الأمور مختلفة في كل مكان، وأنا سقطت في الفخ".
ويستأنف ثيو: وفي أحد الأيام في إنطاكية التقيت بثلاثة شباب سوريين، يبدو أنَّهم ماكرون قليلًا، ولكن ما استطيع قوله، إنهم أكثر فدائية للإسلام مقارنة بأي شخص آخر، وكانت مهمتهم إحضار المعدات والمؤن للجيش الحر، وعرضوا أن يأخذوني معهم، اعتقدت أنني سأعود في أيام قليلة، لذلك لم أخبر أحد، حتى صديقي التونسي، وذهبت معهم، تسللنا عبر الأسلاك الشائكة وسط بستان الزيتون، نظرت إلى الوراء في اتجاه تركيا، حتى الآن كل شيء جيد، دفعني أصدقائي السوريين إلى منزل مهجور وهو نوع من المكاتب الميدانية، في صباح اليوم التالي، ساعدت الشبان في تنظيف الأرضيات وترتيب الوسائد وصف الفراش، ثم أجلسوني على كاميرا فيديو وطلب أحدهم مني مقابلة أبو أسامة وبعد انتهاء التصوير ركلني أحدهم في وجهي، ثم داس أبو أسامة على صدري، ثم دعا إلى خروجي مكبل الأيدي وكذلك قدمي، والمصور يمسك بمسدس مصوب في تجاه رأسي، وقالوا نحن من تنظيم "القاعدة"، أنت لا تعرف، كما أكد لي أنَّهم سيقتلونني حال لم تدفع أسرتي فدية نقدية أو ربع كيلوغرام من الذهب، والذي يعتقد الخاطفين أنَّه يساوي 400 ألف دولار، ولكنه بالفعل كان 10 الآلاف دولار، وهو المبلغ المحدد في الشريعة الإسلامية".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر