أطلقت الأنباء الأخيرة حول تدهور صحة الزعيم الديني الإيراني علي خامنئي، وانتشار السرطان في جميع أنحاء جسده، العنان للمسؤولين الإيرانيين الطامحين في الوصول إلى أعلى منصب في إيران؛ لتبدأ منافسة حقيقية بين أبرز الشخصيات المرشحة لهذا الكرسي.
وكان آية الله محمود هاشمي شاهرودي (66عامًا) الأوفر حظا في تولي منصب رئاسة مجلس الخبراء "إخوبريجان"، وفور تولي علي خامنئي مهام الزعيم الديني في إيران، أصبح موقفه أكثر يسرًا.
وتقلد شاهرودي منصب رئيس مجلس الخبراء منذ سقوط الحاكم السابق محمد رضا مهدوي في غيبوبة في حزيران/ يونيو من العام الماضي، قبل وفاته في تشرين الثاني/ أكتوبر، ويعتقد الكثيرون في طهران أنَّ خامنئي هو الذي فضل شاهرودي أن يخلف رضا منذ 4 أعوام، مفوضًا إياه مسؤولية التنسيق بين البرلمان والرئيس والقضاء.
ثم فجأة انسحب شاهرودي الأسبوع الماضي من التصويت داخل الجمعية لاختيار رئيسها، تاركا رئيس السلطة القضائية السابق محمد يزيدي (83 عامًا)، أن يهزم الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني بـ47 مقابل 24 صوتًا.
ووصف محللون متابعون للشأن الإيراني، مجلس الخبراء، الذي يتألف من 86 عضوًا من كبار رجال الدين، بأنه "غامض"، وهو مخول باختيار الزعيم والإشراف عليه، ونادرًا ما يعقدون اجتماعات، ويعتبر خامنئي (75 عامًا) بأنَّ من تختاره الجمعية يحظى بـ"مكافأة أبدية"، إذ يمتلك الكلمة الأخيرة في معظم شؤون الدولة، بما في ذلك سلطة إعلان الحرب، وإصدار التعيينات العليا في الدولة، وتشمل رؤساء القوات المسلحة، ورئيس وسائل إعلام الدولة، ويشترط فيه أن يكون رجل دين البارز، وليس بالضرورة أن يكون الأبرز.
ويشبه المراقبون اختيار يزدي بالتحول إلى اليمين، فآراؤه متحفظة، مثل تحريم الموسيقى، ودعوته إلى وضع رفسنجاني رهن الاعتقال لعدم إدانته للاحتجاجات التي عمت الشوارع منددة بانتخابات أثارت خلافا واسعًا حول صحتها عام 2009.
وأوضحوا أنَّه يزدي بعيد للغاية عن التيار الأكثر راديكالية، ولكنه يبدو أنه كان مدعومًا لمنصب رئيس مجلس الخبراء من قبل حمد جنتي، ومحمد تقي مصباح يزدي، ما زاد من توتر المناخ السياسي في إيران، إذ أنَّ يزدي (83 عامًا) ليس مرشحًا للقيادة طالما لم يخل هذا المنصب في الأعوام القليلة المقبلة، ولكن انتخابه رئيسا لمجلس الخبراء، كما رجح المراقبون، يعكس نية مقصودة من أمثال مصباح يزدي 80 عامًا، وجنتي 88 عامًا، لسد الطريق أمام شاهرودي.
وقد حذر جنتي العام الماضي مما وصفه بـ"مؤامرة" للسيطرة على المجلس، في إشارة إلى الإصلاحيين، أو التيار السائد من المحافظين البراغماتيين.
وسيظهر 26 شباط/ فبراير من العام المقبل، الانتخابات لكل من مجلس الخبراء، والبرلمان الإيراني، في ظل تنافس شديد، وستُعتبر جزئيًا اختبار للقوة بين مؤيدي حكومة الرئيس حسن روحاني والأصوليين المعارضين، ولكن ثمة مشكلة أخرى في مجلس الخبراء المقبل، قد تستمر لـ 8 أعوان ألا وهي خليفة خامنئي، والذي خضع العام الماضي لعملية جراحية في البروستاتا.
منذ 26 عامًا بعد أن أصبح الخميني خلفا لزعيم الثورة في إيران، التي حدثت عام 1979، نال تعاطفا واسعا من المعسكر المحافظ، خصوصًا في الأمور الثقافية، ودُعم بقوة في قمع الاضطرابات بعد انتخابات 2009؛ ولكنه وافق من ناحية أخرى على محادثات مباشرة مع أميركا، في البداية حول العراق ثم حول البرنامج النووي، وكانت له طريقة في القيادة تتسم بالهدوء أو انتظار الإجماع بين النخبة السياسية.
ويفضل خامنئي، على عكس سلفه، التوافق حول الرئيس روحاني عن استخدام الشدة، والعجز عن التنبؤ بخليفة محمود أحمدي نجاد، وليس لديه رغبة في رئاسة مصحوبة بمعركة مريرة أو مطولة.
وبدا شاهرودي مرشحًا توافقيا لرئاسة مجلس الخبراء، وقد يصبح زعيما بمرور الوقت، لأنه يحظى باحترام بين الطبقة السياسية الإيرانية، من رجال الدين في قم، وغيرها من الجماعات السياسية مثل جنرالات الجيش.
وصرَّح المحاضر البارز في الدراسات الفارسية والإيرانية في سواس "مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة لندن" نعمة مينا، بانَّ انسحاب شاهرودي من انتخابات رئاسة مجلس الخبراء سببه وجود أربعة مرشحين أقوى منه حضورًا، فضلًا عن أنَّه شخصية "غير مقنعة".
وأوضح مينا أنَّ التفسير الحقيقي ربما يكمن في تقرير نشرته الأسبوع الماضي "سيدا"، مجلة أسبوعية ينشرها صحافيون مثل سعيد ليلاد وثيقي الصلة بمعسكر الإصلاحيين و"المعتدلين".
وذكرت "سيدا" أنَّ القضاء يحقق في أمر يخص شاهرودي، على الرغم من عدم ذكره بالاسم، بشأن مخالفات مالية متعلقة بمنظمة هلال إيران الأحمر، وتحويل الدعم لشراء محركات طائرات وسيارات، جزء من هذه الأموال كما يزعم ذهب إلى العراق حيث آية الله، المولود في النجف، ويتبعه هناك شبكات وأتباع كثر، ويشير التحقيق إلى إمكانية تحول المسألة برمتها إلى قضية من أهم قضايا الفساد المالي في تاريخ الجمهورية الإسلامية.
ويعتقد مينا أيضا أنَّ شاهرودي خسر الدعم في المجلس بدلًا من أن يناله من علاقاته الواسعة في الطبقة السياسية الإيرانية، مشيرًا إلى أنَّه علاقاته تلك جاءت من مواقف سابقة مثل عدم تصويته عام 2013 في مجلس صيانة الدستور ضد استبعاد رفسنجاني من الانتخابات الرئاسية بسبب العمر، وكذلك في عام 2012 حيث استفاد من علاقته بالرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ومحمد شريف ملك زادة، الذي سُجن عام 2011 بسبب مخالفات مالية.
وأضاف "ربما تكون الحقيقة في أنَّ علاقاته المحترمة برفسنجاني، وحتى بفريق أحمدي نجاد اُستغلت ضده"، لافتًا إلى أنَّ "وقوف رفسنجاني ضد يزدي هذا الأسبوع "سوء تقدير"، ومن الصعب توضيح الأمر؛ فلدى رفسنجاني تاريخ مختلط مع مجلس الخبراء، حيث تصدر الانتخابات في طهران المرة الأخيرة في انتخابات مجلس الخبراء عام 2006، وتزعم المجلس من عام 2007 إلى عام 2011، ولكنه أيضا كان مكروها بشكل كبير من قبل رجال الدين الراديكاليين لموقفه الداعم لفتح العلاقات مع الولايات المتحدة منذ فترات طويلة.
وتابع مينا "الأمر يبدو وكأن رفسنجاني ارتكب خطأ تكتيكيًا سيئا عندما فكر بأنَّ الأمر مسألة فوز أو خسارة، قبل التصويت الثلاثاء كان أتباع رفسنجاني يشنون حملة لدعمه، سواء عبر الرسائل النصية، أو المقالات المنشورة في الصحف اليومية مثل "عرمان" و"جمهوري إسلامي" ووكالة أنباء الجمهورية الإيرانية، التي أعاد موقع رفسنجاني نشرها، ولكن مجلس الخبراء بشكل عام أقل شفافية من البرلمان، وأقل تأثرا بشكل عام بأشياء تحدث في المجتمع ككل"
وأبرز أنَّه كانت هناك محادثات منذ أعوام في دوائر قريبة من رفسنجاني حول تأسيس مجلس قيادة لثلاثة رجال عندما أصبح مكان القيادة شاغرًا، ومن المفترض أن يكسب الرئيس السابق المراوغ مقعدًا في هذا المجلس الذي يسمح بذلك باعتباره إجراء دستوري مؤقت وغير مستمر.
واستطرد "أما الآن فقد أصبح رفسنجاني شخصية مثيرة للجدل ومسنة، إذ يبلغ من العمر 80 عامًا، ما يصعب من احتمالات تقلده منصب الزعامة في إيران، على الرغم من وجود بضع أماكن سياسية في إيران لم يقترب منها أحد، ولكن انتخاب يزدي يبين بشكل واضح أنَّ رفسنجاني ليس هو الساعي الوحيد وراء خلافة خامنئي".
واستدرك "إنَّ جبهة المقاومة تجمع المتشددين الراديكاليين بما فيهم مصباح يزدي، كما أنَّهم عازمين على التحكم في السيطرة على الجمعية المقبلة من الخبراء، ويلعبون أيضا دورا حاسما في اختيار خليفة خامنئي، وهذا لا يعني أنهم ماضون في ترشيح مصباح يزدي نفسه للزعامة، ولكن ثمة أشخاص آخرين مثل رئيس السلطة القضائية صادق لاريجان، أو أحمد خاتمي الذي يبلغ من العمر 54 عاما".
ونوَّه الباحث الإيراني، بأنَّ دور لايريجاني يكمن في زيادة الضوء الملقى عليه، لأن تسريب المُساءلة القضائية ربما دفعت شاهرودي إلى الانسحاب.
وأشار إلى أنَّ لاريجاني (54 عامًا) وحده الذي ينتمي لعائلة بارزة دينيا هو صاحب الحظ الأكبر في احتمالية النجاح لقيادة إيران، على الرغم من أنه رجل دين ولا يصل إلى منزلة "آية الله"، ويتحدث كثيرًا عن ضآلة احتمال نجاحه في تقلد منصب القيادة مقارنة بأي شخص آخر قد يعيد دور رفسنجاني في اللعب خلف الكواليس في مساعدة خامنئي بتأمين موقفه إبان نجاحه.
واختتم مينا "كثير من المراقبين يعتمدون الآن على نتائج انتخابات شباط/ فبراير المقبل، وطريقة تخلي خامنئي عن هذا المنصب الرفيع، علمًا أنَّ مجلس الخبراء المقبل سيكون أصغر من الحالي، أشعر بلاريجاني يريد أن يكون منافًسا على منصب الزعيم، وآية الله خاتمي لا يزال أيضا في الخمسينات من عمره".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر