أصبح الجانب الرقابي الأمني في سورية منذ انزلقت إلى الحرب الأهلية قبل ثماني سنوات، هو أحد أبرز التحديات والمخاطر التي تواجه الإعلاميات والإعلاميين طوال فترات عملهم، وخاصة أنه تعزز بشكل أكبر بعد 2011.
فالمشاق التي تواجه العاملات في مجال الإعلام متعددة وصعبة إلى درجة أن الصحافة وصفته بأنه «مهنة المتاعب»، ويجد معظم العاملين في المهنة أن الوصول إلى قمة الهرم الوظيفي الإعلامي مهمة شبه مستحيلة لا يبلغها إلا القليلون، ومع ذلك، فإن التحديات التي تواجهها المرأة في مجال العمل الإعلامي تتضاعف أحياناً فوق تلك التي يواجهها الرجال؛ الأمر الذي أوصل عدداً قليلاً فقط من النساء إلى المراكز القيادية الإعلامية حتى في الدول الغربية. هذا ليس حال الصحافيات السوريات فقط، بل أخريات في مناطق النزاع كالصحافيات الفلسطينيات. قد تختلف معاناة صحافيات سوريا عن تلك في مصر، على سبيل المثال، إلا أن التحديات لا تزال موجودة وتشكل عوائق على النساء في مهنة المتاعب، أكثر من الرجال.
في عام 2018 وعندما كانت الإعلامية السورية لجين حاج يوسف تغطي قضايا النساء المهاجرات من دول الشرق الأوسط والتحرش الجنسي الذي طال قريناتها النساء السوريات، لم تكن تعلم أنها ستحصل على جائزة «الإعلام المعني بالهجرة» نهاية العام نفسه لتغطيتها الصحافية، وهي مكافأة التميز للأهمية الإخبارية بدعم من الاتحاد الأوروبي. تعمل لجين خبيرة جندرية وقامت بعدد من الدورات الصحافية المختصة بقضايا المرأة والتمكين المجتمعي، وشاركت مع منظمة اليونيسكو التابعة لهيئة الأمم المتحدة في ورشات لصياغة النظام الداخلي المراعية للنوع الاجتماعي بالمؤسسات الإعلامية، إلى جانب صياغة السياسات الإعلامية المتخصصة في شؤون الهجرة بدعم من مفوضية الاتحاد الأوروبي و«المركز الإعلامي المفتوح».
لدى حديثها إلى صحيفة «الشرق الأوسط»، وعن أهمية تغطية قضايا مثل هذه في ظل استمرار الحرب في بلدها ودول الشرق الأوسط، قالت: «من المعروف أن النساء والأطفال من أكثر الفئات هشاشة في البلدان التي تعاني من النزاعات، مما يجعل اهتمام الإعلام بقضاياهم أمراً ملحاً بالدرجة الأولى»، لكنها أشارت بأن النساء: «أقوياء ولديهنّ شجاعة وشخصية وقدرة على تحمل أحلك الظروف، لكن الحروب نالت من قدرتها، سيما النزاع السوري الذي دخل عامه العاشر».
لجين المتحدرة من العاصمة السورية دمشق، حاصلة على شهادة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة دمشق، عملت قبل 2011 كمعدة ومقدمة برامج في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السوري الحكومي. وتشغل اليوم منصب رئيس التحرير في «مؤسسة روزنة للإعلام» منذ عام 2014. كما أسست مع الفريق التحريري أول غرفة أخبار مدمجة في الإعلام لكادر موزع بين ثلاث دول: الداخل السوري وتركيا وفرنسا، وتدير حالياً مشروع المرأة المدعوم من برنامج المرأة - الأمم المتحدة منذ بداية عام 2019.
مؤسسة روزنة تحمل شعار «إذاعة حرة... مهنية عالية»، انطلقت منتصف عام 2012 لتبث أثيرها عبر موقعها الإلكتروني بالعام نفسه، وفي يونيو (حزيران) 2013 افتتحت استوديو في العاصمة الفرنسية باريس، وفرعاً ثانياً في مدينة غازي عنتاب التركية في الأول من يناير (كانون الثاني) 2014، وتعمل لجين ولينا الشواف مدير تنفيذي وميس قات مديرة الميديا الرقمية في قيادة مؤسسة سورية إعلامية.
وعن تجربة «روزنة» تابعت لجين حديثها قائلة: «في روزنة كان الإصرار على وجود النساء في غرفة الأخبار والإدارة على أساس الكفاءة، اليوم تحقق بوجود خبرات من الصحافيات المتميزات واستطعنا تحقيق هذا التوازن»، فالحرب رغم تأثيراتها السلبية خلقت فرصة لإفساح المجال للصحافيات في التغطية الإعلامية داخل مناطق الصراع وعلى خطوط التماس، «يمكن القول إن تجربة المواطن الصحافي التي تعززت بسوريا كان لها أثر كبير في انخراط العديد من النساء ضمن المجال الإعلامي، وبالمقارنة قبل 2011 يمكن ملاحظة هذا الأثر بشكل واضح».
وترى أن وجود نساء إعلاميات ومراسلات يعملنّ في التغطية الميدانية، ساهم في إيصال واقع إيجابي داعم للنساء على الأرض، بدلاً من تقديم صور الانتهاكات المستمرة ضدهن بشكل نمطي، «فحساسية النساء تجاه الخبر ونقله له ميزة أخرى لأنها أكثر فهماً بما تعانيه من كافة النواحي»، وتتبنى مؤسستها «روزنة إف إم» استراتيجية وسياسية تحرير حيادية وتبتعد عن الأخبار المزيفة، وأضافت: «الخبز الصحيح ومن مصادر متطابقة شعار وهوية للعمل، بدل أخبار عاجلة التي يمكن أن تكلف المؤسسة سمعتها».
واختتمت لجين حاج يوسف حديثها لتقول: «بعد 2020 تحول الإعلام إلى (إعلام رقمي): لكن سيزداد التحدي الذي يواجه المؤسسات مع التحول نحو الإعلام الرقمي، وهو تحدٍ كبير سيواجه المؤسسات الكبيرة قبل الصغيرة»، ويضعها أمام تحديات على مستويات مختلفة: «سواء كانت متعلقة بالمحتوى أو التمويل أو الوصول للجمهور أو الكفاءات الإعلامية»، على حد تعبيرها.
بين فكي الاحتلال والانقسام
عام 2014 وخلال ذروة أجواء العدوان الإسرائيلي التي كان يعيشها قطاع غزة، بدأت الصحافية الشابّة نفين إسليم عملها كمراسلة تلفزيونية من قلب الأحداث الساخنة. ومنذ ذلك الحين أدركت أنّ عليها تحمل الكثير من التحديات، لتكون قادرة على إثبات وجودها في ساحة عملٍ مجتمعها «محافظ»، وتضج دائماً بالأحداث المتوترة.
تقول في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط»: «الأمر بداية ساهم في إكسابي قدرات خاصّة، مكنتني من تجاوز العقبات، ودفعتني نحو الاستمرار في الظهور ضمن التغطيات الساخنة التالية للعدوان إلى أن وصلت لمسيرات العودة التي اندلعت على حدود غزة، واستمرت لأكثر من عام ونصف، وقمعتها إسرائيل بوسائل مختلفة»، شارحة أنّ الأخطار التي تواجهها كصحافية تتعدى الاحتلال، وتصل لحالة الانقسام الداخلي، الذي يزيد من الانتهاكات الميدانية، التي تطال حرية العمل والرأي، على حد وصفها.
وعلى صعيدها الشخصي، تسرد إسليم التي تعمل في فضائية «الغد» أنّها واجهت صعوبات أخرى تتمثل، بنظرة المجتمع الذي يستنكر أحياناً فكرة غياب الصحافية عن البيت لأيامٍ طويلة خلال الأوقات الساخنة، ويرفض كذلك أمر وجودها في أماكن الخطر والنزاعات، وتروي أنّها تعاني أيضاً من الحالة النفسية الصعبة التي تمرّ بها، كلما تعايشت مع أجواء القصص الإنسانية الصعبة، التي تحرص دائماً على أن تُفرد لها مساحات خاصّة، في أصول عملها.
«في التقارير التلفزيونية التي أعدها، أحاول دائماً أن أمنح مساحة خاصّة للنساء، لأتمكن من إبراز جوانب حيواتهنَ المتنوعة»، تردف، مبيّنة أنّه ورغم ذلك، فهي ترى أنّ الإعلام الفلسطيني بشكلٍ عام ما زال مقصراً في اهتمامه بالقضايا النسوية، حيث تبرز المرأة في تغطيته ضمن تواريخ ومناسبات محددة.
الصحافية في «شبكة نوى النسوية» آلاء أبو عيشة، توضح لـ«الشرق الأوسط» أنّ الصحافيات الفلسطينيات، عانينَ على مدار سنوات طويلة، من الانتهاكات الإسرائيلية المختلفة، التي ترمي للنيل من الرسالة الإعلامية الوطنية تماماً كما عانى زملاؤهم الصحافيون الرجال، قائلة: «رغم تلك المعيقات، فإنّ الصحافيات بشكلٍ عام، أبدين في المناسبات المختلفة وأوقات الأزمات، أداءً مميزاً شمل تغطية كلّ تفاصيل الأحداث، من مواقعها الأكثر سخونة وتوتراً، وأيضاً أظهرن تميزاً كبيراً في إيصال الرسالة الإعلامية بعيداً عن القوالب الإخبارية الجامدة، وكتبن عن فلسطين ومأساتها: شهداؤها وأسراها وجرحاها، بأساليب إنسانية استقطبت التعاطف الدولي».
ومضت تحكي عن المكانة التي تحظى بها الصحافيات في الوسطين المحلي والعربي، فقالت: «كثيرات هن الزميلات اللاتي استطعن إيجاد موطئ قدمٍ لهن في إدارات بعض الوسائل الإعلامية، ذلك رغم الثقافة الذكورية التي تمنح الرجال غالباً نصيباً أكبر لدى الحديث عن المناصب الإدارية وأماكن صنع القرار في المؤسسات الإعلامية»، مطالبة بإعطاء الصحافيات فرصة أكبر في إطار قيادة المشهد الإعلامي الفلسطيني وإثبات جدارتهن في ذلك.
التنميط والتهميش...
أجمع خبراء إعلام في مصر على أن «التنميط، والتهميش، والأمومة، تحديات غير مهنية تواجه الصحافيات المصريات»، مؤكدين أن «المرأة مُنفذ جيد للسياسات الإعلامية؛ لكنها حتى الآن ليست راسمة لها»؛ إلا أنهم في الوقت نفسه أشاروا إلى «وجود نماذج جديدة وتجارب ناجحة لنساء في الإعلام حالياً، لكن تحتاج لتسليط الضوء عليها».
فعلى مدار ما يقرب من قرن اختبرت صناعة الصحافة والإعلام بمصر المرأة، كناشرة، ومؤسسة صحف ومجلات، ورئيسة للتلفزيون والإذاعة، حتى وصلت لمنصب وزير الإعلام؛ لكن تراجع دور الإعلام، ومعه تراجع دور المرأة في قيادته.
«تجربة المرأة المصرية في مجال الإعلام والصحافة (ميزتها) عن باقي الدول العربية، ودول العالم»، على حد قول الإعلامية، منى سلمان، إن «مصر عرفت القيادة النسائية في مجال الإعلام منذ بدايات القرن الماضي، فكان بمصر مجلة سياسية مهمة أنشأتها فاطمة اليوسف عام 1925 (وهي مجلة روز اليوسف بمصر)، وأيضاً هناك درية شفيق التي قدمت مفهوماً مختلفاً وسابقاً للصحافة النسائية في الأربعينيات من القرن الماضي، وكانت قيادات التلفزيون منذ إنشائه عام 1960 نسائية، وتعد تماضر توفيق، أول رئيسة للتلفزيون»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون كان نموذجاً، وحالة مختلفة لقياداته النسائية على مدى عقود».
«ورغم الدور القيادي للمرأة المصرية في الإعلام سابقاً؛ فإن المجتمع الآن أصبح أقل ليبرالية عما كان عليه في بداية القرن العشرين»، بحسب الدكتور أيمن منصور ندا، رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «ما حدث في بداية القرن العشرين لم يكن استثناء، فمجلة (روز اليوسف) نشأت مع ظهور الحركة النسوية، وتوافقت مع الفترة الليبرالية بمصر (1919 - 1952)، وكانت هناك نماذج مماثلة لريادة المرأة في المسرح والسينما والأدب والثقافة وغيرها»، مضيفاً: أن «المجتمع الآن (متحفظ) أكثر مما كان عليه من 100 سنة، ونظرة المثقفين للمرأة أقل ليبرالية عما كانت عليه، لذلك لا نتوقع بروز دور القيادات النسائية في ظل مجتمع لا يؤمن بهذا الدور أصلاً - على حد قوله -»، مشيراً إلى أن «وضع المرأة لم ولن يتغير، ما لم تتغير الصورة الذهنية عن دورها في الإعلام، فحتى الآن المرأة متلقٍ في مجال الإعلام». فيما تؤكد منى سلمان «تراجع دور المرأة المصرية في الإعلام مقارنة بدورها قبل 100 عام».
على أرض الواقع يهيمن الرجل على المشهد الإعلامي المصري، وعلى مستوى الصحف اليومية القومية والخاصة، باستثناء رئاسة المرأة لتحرير بعض المجلات والإصدارات الخاصة بالمرأة في بعض المجلات، والدوريات ربع السنوية، وبعض المواقع الإلكترونية الخاصة مثل «ولاد البلد» و«المنصة»، رغم أن المرأة استطاعت في السابق الوصول لمنصب وزير الإعلام، الذي تولته الدكتورة درية شرف الدين من منتصف 2013 ولمدة عام.
فاطمة فرج، مؤسس موقع «ولاد البلد»، قالت لـ«الشرق الأوسط» إنه «رغم وجود المرأة في غرف الأخبار؛ فإن وجودها القيادي ضعيف، ويحتاج لتوازن أفضل»، مشيرة إلى أن «هناك نماذج جديدة وتجارب ناجحة لنساء في الإعلام حالياً؛ لكنها تحتاج لتسليط الضوء عليها، وعدم الاكتفاء بالاحتفاء بالماضي».
وعلى مدار عقود كانت هناك محاولات لتنميط دور المرأة، وقصره على المهام والموضوعات الخاصة بالمرأة والطفل، فإن الإعلامية المصرية كانت دائماً ما تسعى لكسر هذه القوالب، وهو ما فعلته الصحافية الاستقصائية صفاء صالح، التي غطت الحروب والنزاعات الأخيرة في اليمن والعراق وليبيا وسوريا. وقالت صفاء صالح لـ«الشرق الأوسط» إنها «كانت تواجه نظرات دهشة من زملائها الذكور لتغطيتها مناطق نزاعات خطرة؛ لكن على الأرض كونها امرأة كان يحقق لها ميزة في بعض المجتمعات القبلية التي تشعر بالتعاطف معها وتحاول مساعدتها».
في السياق نفسه، ترى فاطمة فرج أن «محاولات كسر الصورة النمطية ترتبط بتوفر الميزانيات، والأمر ينطبق على الرجال والنساء معاً، في ظل ضعف الميزانيات المخصصة للتطوير، ولإرسال مراسلين حربيين مثلاً»، مشيرة إلى أن «تعزيز دور المرأة مرتبط بمناقشتها القضايا العامة لتقديم نفسها كإعلامية وليس كناشطة نسوية».
وتنقل منى سلمان، عن رئيسة تحرير إحدى الصحف الغربية، قولها إنه «إذا كان المطلوب من رئيس التحرير الرجل، أن يصدر الصحيفة بشكل يومي، فالمطلوب مني كامرأة أن أنقذ مهنة الصحافة»، موضحة أن «المرأة مطالبة بأن تثبت أنها (خارقة) في العمل والمنزل كأم، وهذا يأتي على حساب صحتها واستقرارها النفسي».
وقد يهمك ايضا:
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر