الرباط - المغرب اليوم
يتمثل المجتمع المغربي فضاء البيت على أنه فضاء أنثوي بامتياز، لكون المرأة، خاصة ربة البيت، هي التي تقضي وقتا أكثر في هذا الفضاء، مع أن المرأة العاملة أيضا تكون موزعة بين العمل والعودة بسرعة إلى البيت، لكنّ جائحة "كورونا" فرضت على الجميع أن يلزموا بيوتهم، حماية لأنفسهم من الفيروس التاجي. فكيف يدبّر الرجال في المجتمع المغربي تواجدهم القهري بهذا "الفضاء الأنثوي"؟.
في مقال تحليلي، نُشر بمجلة "منصات"، تجيب بشرى زمان، الباحثة في علم الاجتماع، عن السؤال أعلاه، وعن سؤال آخر يتمحور حول إلى أي حد يستطيع الرجال بالمجتمع المغربي تقبل الحصار داخل البيوت، والتنازل عن حركيتهم بالمجال العام؟ لتخلُص إلى أن "الحبس الرمزي الممارَس على الأنثى تحوّل في ظرف استثنائي إلى قهر للجسد الذكوري بحبْسه داخل أسوار المجال الأنثوي".
وأوضحت الباحثة المغربية أن الذكور يتعلمون شفَرات الرجولة في الفضاء العام، مثل الملاعب والنوادي وحتى المقاهي والمساجد والشارع عموما، حيث تتحقق "معالم الرجولة" بشكل مبكّر، من خلال التنشئة الاجتماعية، في حين تحاصَر الأنثى بالمجال المحكوم بأسوار المنزل.
تستعرض بشرى زمان جملة من التعبيرات المتداولة في المجتمع الذكوري بالمغرب، التي تعكس مظاهر اقتران المنزل بالمرأة، من قبيل "مّالين الدار"، أو "الدار"، للإشارة إلى الزوجة، مبرزة أن هذه التعبيرات تجعل المرأة، في تمثل الرجال، تتماهى، باعتبارها جسدا، أو "شيئا"، مع المكان، الذي هو الدار، وكأن الرجل لا يصح انتماؤه إلى هذا المجال الخاص.
وتشير الباحثة في علم الاجتماع إلى أن التمثل السائد في المجتمع يفسر مكوث الرجل في البيت بمثابة "عملية سحب للشرف ونخوة الرجولة وفاعليتها التي لا تتحقق إلا خارج حيطان المنزل، ما يعرض الرجل إلى الوصم بتشبيهه بالمرأة أو اتهامه بعدم الجدوى أو بالخضوع للمرأة، فيفقد التتويجَ الاجتماعي الذي يبارك انعتاقه من سياج الظل المنزلي الملازم للكيان الأنثوي".
ومع انتشار جائحة "كورونا"، انقلبت الهندسة الاجتماعية التي ترسم الحدود المجالية بين الذكور والإناث، حيث أصبح الجميع، تحت سلطة الإكراه، يعيش في حيز مكاني موحد، هو البيت. وفي ظل هذا الوضع، توضح بشرى زمان، أن الرجل وجد نفسه مجبرا على ترتيب مجاله القديم/الجديد، وفق إستراتيجية مؤقتة.
عملية التدبير هذه، كما ترى الباحثة، يحتاج خلالها الرجل إلى تدبير تواجده بالمجال الخاص دون أن يفقد سلطته الذكورية أمام "منافس" ليس بالضعف الذي يُنعت به، يتشاطر معه هذا المجال، أي المرأة، التي ألِفتْ بسْط سلطتها الأنثوية بالحيز الجغرافي الضيق كمدبرة ومالكة رمزية لهذا المجال الخاص.
وتوضح بشرى زمان أن الرجل الذي وجد نفسه فجأة مرغما على المكوث بين جدران البيت يحوّل صراعه المنزلي مع المرأة إلى خطاب ساخر، من قبيل: "ما حيلْتي لكورونا برّا ما حيلتي للمرا فالدار"، ويعيش موزعا بين صراعين، صراع اجتماعي يخوض غماره مع المرأة داخل "الإقامة الإجبارية" بالبيت، ومعركة الخوف من مواجهة الوباء في حالة الخروج المشروط والاستثنائي.
وتوقفت الباحثة في علم الاجتماع، في ختام مقالها التحليلي، عند شعور القهر الذي يعتري الرجال داخل بيوتهم؛ ومن أبرز تجلياته ما يعانيه المنتمون إلى الطبقة الاجتماعية الهشة، الذين وجدوا أنفسهم فجأة في مواجهة الخوف من الوباء في الخارج والجوع بالداخل، مشيرة إلى أن هذا الواقع يجعل الرجال يتجاوزون الملل من الحبس المنزلي إلى فقدان القيمة والجدوى، بعد أن أصيبوا بالإعاقة على مستوى القوامة، حيث كان الرجل الذي اعتاد على إعالة أسرته يشعر بقيمته وجدواه وكرامته من خلال القيام بهذه المهمة.
وقد يهمك ايضا:
النيابة العامة تعلن انخفاض عدد المتابعات من أجل العنف ضد النساء في المغرب
وزيرة المرأة التونسية تؤكّد ارتفاع العنف ضد النساء بسبب الحجر الصحي
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر