الرباط -المغرب اليوم
في بيت من طين وحجر، تتكدس مجموعة من النسوة بالكاد تسمع أنفاسهن، هو مقر لتعاونية كرول، حيث لا صوت يعلو على صوت أسنان المشط، يشتغلن في صمت أشبه بالصمت المطبق على قرية “أرك” الكائنة بمنطقة كرول التابعة ل جماعة آيت ماجضن بالمغرب العميق.الحياة في كرول عامة كثيرا ما تختلف عن الحياة في قرى إقليم أزيلال، حيث يعيش الناس ليصحوا كل يوم على واقع هش تؤثثه مشاهد البؤس والفقر التي يشتمها الزائر من جدران البيوت الطينية ويراها على وجوه الأهالي الشاحبة من آثار الزمن القاسي.“في هذه القرية، الحياة شاقة للغاية. لا توجد مبادرات تنموية مهمة؛ فالشبان يهاجرون مبكرا إلى المدن السفلى، والنساء يكتفين بالعمل داخل البيوت أو مد يد المساعدة في تربية المواشي والدواجن والاهتمام بالأشجار المثمرة وتوفير حطب التدفئة، يقول رضوان بويزضاض، ناشط جمعوي بالمنطقة.
ويضيف: “حتى هذه المبادرات النسوية ما تزال متعثرة أمام حجم الإكراهات المحيطة بها، ما يعني أنه دون تدخل الدولة والمجالس المنتخبة، يبقى الحلم في خلق تعاونية مدرة للدخل كفيلة بإدماج المرأة والفتاة القرويتين في المجتمع في هذه القرى، محفوفا بالفشل”.في دوار “ارك”، تقول نهيلة بوحة، إحدى المنخرطات في تعاونية كرول: “أسسنا هذه التعاونية لدعم النساء القرويات في وضعية هشة، ونروم من خلالها التخفيف من آثار الهشاشة، عبر تسويق المنتجات المحلية، خاصة الزربية والزعتر وأملو باللوز والزيت، وصناعة الأطباق التقليدية وسجادات ذات البصمة المحلية، والأهم من ذلك تحفيز المرأة في منطقة كرول على الإنتاج ومحاولة دمجها في سوق الشغل”.
في “تعاونية كرول”، لم يمنع ضيق المكان وبدائية وسائل الإنتاج نسوة البلدة من مواصلة تحديهن للخروج من براثن الفقر؛ ففي صباح كل يوم، تقول نهيلة، “نلتقي لبدء يوم طويل، بعد قضاء الأشغال المنزلية ونحن كلنا أمل وعزيمة لتحسين وضعيتنا داخل المجتمع”، مشيرة إلى أن التجربة فتية، وأن الإقبال جيد والمنتوجات أصلية وبيولوجيةويقول رضوان بويزضاض: “تعاونية كرول وُلدت من رحم التهميش والإقصاء، جاءت لتُكسر الصمت المطبق على القرية ولتصنع الأمل في منطقة تبخس فيها الأحلام، هي نقطة ضوء في نفق مظلم يحتاج إلى طاقة أكبر ليضيء الطريق أمام نساء وفتيات قرية أرك”.
وتحكي نهيلة قائلة: “في هذا المقر الصغير القابع وسط قرية كرول، الذي يفتقر إلى أبسط أدوات العمل، بدأ الحلم يرى النور، حيث جرى في البدء إقناع بعض الأزواج بجدوى المشروع، قبل أن يتم شرح تفاصيل العمل للنساء الراغبات في الانخراط وتوفير وسائل الإنتاج من طرف العضوات، خاصة ما يتعلق منها بالنسيج والمواد الأولية لصناعة الأطباق ومنتوج أملو البلدي”.وتضيف: “في الواقع، لم يكن أمر إقناع الآباء والأزواج صعبا في البداية، لكون أغلب المستهدفات من المشروع كن من الدوار نفسه، كان التخوف الأكبر الذي ما زال يلازم الأهالي يتعلق بكفية تمويل المشروع مستقبلا وتسويق المنتوج في ظل العزلة التي تعرفها المنطقة ككل”.وتقول عضو الجمعية المذكورة “سهيلة”، اسم مستعار، في تصريح لهسبريس: “كنا بضع نساء حين أنشأنا التعاونية، لم نكن نملك رأس مال للبدء، وبالرغم من كل تلك الإكراهات أصررنا على التضحية والاستمرار، إيمانا منا بأن النساء القرويات يستطعن إنقاذ أنفسهن بأنفسهن، وبأن الدولة لا يمكن لها أن تدعم مشروعا إذا لم تتحسس إرادة قوية وتجربة فريدة، وهذا ما نطمح إليه”.
وتضيف: “النساء في كرول مهمشات ومقصيات، ويحسسن بالخجل لكنهن في حاجة إلى التأطير والتكوين لتأهيل أنفسهن وتحسين مردوديتهن في الإنتاج والعمل، وإدراك أنهن قادرات على تغيير مصيرهن من خلال الانخراط في مبادرات تنموية من هذا النوع”.
من جانبها فاطمة أبلاغ، عضو تعاونية تيمغارين نكرول، الكائنة بالدوار نفسه، تقول: “نحن مساكين وفقراء، أسسنا هذا المشروع لنساعد أزواجنا وأبناءنا. نريد أن نساعد أنفسنا كما نرغب في مساعدة منكم”، تعني المسؤولين عن الإقليموتضيف: “أنشأنا هذه التعاونية في هذا الدوار من أجل تحسين وضعنا وملء أوقات الفراغ، حيث لا وجود لمنشآت صناعية قريبة أو ضيعات للعمل، كما أن فرص التشغيل المتاحة بالجوار غالبا ما تكون من نصيب الرجال. لذا، جاءت فكرة المشروع الذي يبقى نجاحه رهين دعم من عامل الإقليم ورئيس الجماعة”.وتلتمس نسوة تعاونيتي “كرول” و”تيمغارين” من عامل إقليم أزيلال دعم مبادرتهن التنموية للخروج من براثن الفقر الذي ينخر القرية، إسوة بباقي التعاونيات التي تمكنت من انتشال مئات النساء في وضعية الهشاشة وإدماجهن في المجتمع. كما يناشدن فعاليات المجتمع المدني دعمهن على مستوى التأطير والتكوين.
قد يهمك ايضا:
مشاركة النساء في الحكومات المغربية مسار يتراوح بين الصعود والنزول
"معهد سلا" يحتفي بعطاء المرأة المغربية وأصالة التراث الموسيقي
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر