وكأنه “فخور بنساء المناطق المنكوبة التي ينتمي إليها”، قال حسن، في حديث ، إن “المرأة القروية بينت مرة أخرى أنها تستحق لقب “المرأة الحديدية”، لكونها ما زالت تعاند هذا المصاب الجلل، الذي نسف بيوتهن وقتل أزواجهن وأطفالهن”، مضيفا: “هن تعانين من حيف كبير في الجبال، بحكم أن هذه المناطق جزء كبير منها معزول، وهن في الأصل يتمتعن بمكانة اعتبارية بالنسبة لنا نحن، ومكانتهن مذهلة بحق”.
ضيافة وسمر ورأفة
وصلت هسبريس مجددا إلى دوار تيكخت بجماعة أداسيل، الدوار الذي توفي به نحو 70 من الساكنة، وكان من بين الدواوير التي تلقت أثرا عنيفا للزلزال نفضَ البيوت بمجملها دفعة واحدة. الوصول كان عند صلاة العصر حينها. نقترب رويدا رويدا، وتظهر النساء بحركاتهن في أزقة هذا المخيم. نسمع ضحكات لهن هنا وتقديمهن للتعازي هناك. أفراح بما جاء من المغاربة والدولة وأقراح بما خلفه الزلزال من دمار وخسائر بشرية.
اقتربنا من مجموعة من النساء، في المخيم. ألقينا التحية، فعزمتنا فورا امرأة بينهن لتناول حسوة الأرز. اسمها الكبيرة أفلاح، كانت تغسل الأواني حينها؛ لبينا نداء حسن الضيافة لدى هؤلاء النساء، وقالت الكبيرة: “غير دخلوا متحشموش، مرحبا، راه كاين الراجل هنا”، ونادته في الحين ليخرج، وأخذت تتحدث قائلة: “الزلزال الآن بالنسبة لنا نحن النساء صار شيئا من الذاكرة، سنحكيه وسيحكيه أبناؤنا وأحفادنا، والحمد لله على كل حال”.
وأضافت بلغة أمازيغية تصحبها محاولات متلكئة للترجمة: “الهم زاد فاش ضرب الزلزال، ولكن دابا كاين الخير.. ما خلاونا المغاربة”، مضيفة: “ما زالت النساء تجتمعن وتتحدثن مثلما كان الوضع قبل الفاجعة. الآن موضوع الحديث في الغالب هو تلك الليلة وما كن يقمن به”، مؤكدة أن “المرأة ستساهم في إعادة الإعمار، فالأدوار تكاملية، يساهم فيها الرجال والنساء، حسب قدرة كل منهما”، وفق تعبيرها.
و في المخيم، حيث صارت كل تفاصيل الحياة العادية تعود إلى سابق عهدها. تجمعات لنساء ما زلن تطبعن وجودهن في الجبال: مساءات السمر. في أماكن كثيرة من الدوار بدين يجتمعن لمناقشة تفاصيل اليوم وأشياء أخرى لا يعلمنها سوى هن. ويبدو أن حجم الدمار لم يخرب آفاق نساء الهامش، بحيث ما زلن فاعلات في هذه المجتمعات.
نعود إلى امرأة سبعينية تدعى فاطمة فاوزي آيت محند، وتعلن تمسكها بالأرض، قائلة: “هذا المكان قدري. هنا ولدت وهنا كبرت، وهنا سأموت. لا أريد الذهاب لأي مكان آخر”، مضيفة أن “المرأة ستدلي برأيها فيما سيأتي بخصوص الدواوير؛ فالآن نُستشار ويؤخذ برأينا، فهذه ثقافتنا، وعازمات على التمسك بها، حتى لو جاء هذا الزلزال وخسرنا بيوتنا، فنحن نريد أن نبقى هنا بين أهلنا وأحبابنا”.
يظهر نوع من الشرود في عيني فاطمة؛ لكنها تقدم صورة كاشفة لقدرة النسوة على التأقلم مع الوضع، بحيث تعتبر أن “الدوار سيبنى وستكون المرأة عند الموعد لكي تقوم بما كانت تقوم به”، خاتمة: المرأة الآن بخير، والمغاربة شعب آمن وكريم، والمطلب الذي تريده نساء القرى أن يصل إلى المسؤولين هو أن الشتاء قادم، وهذه الخيام ستجعلنا نواجه تحديات حقيقية بسبب الأمطار أو البرد القارس”.
لكن ربما أوضحت هذه الشهادات المختلفة من الدواوير المتباينة أن الزلزال لم يكن فرصة لإعادة فرض الهيمنة على المرأة القروية التي ما زالت تمارس أدوارها التقليدية، ليس تقديمها كمنزع بطولي؛ ولكن كوصف أنثرولوجي يساعد لبناء صورة تقريبية لوضع المرأة القروية بعد الزلزال.
وفي النهاية، فإن هذا الانخراط الحيوي للنساء القرويات في التخلص من البقايا العالقة عن الزلزال لم يوقف مدا استراتيجيا لدى الحركة النسائية المغربية التي ما زالت تطالب بـ”تأهيل المرأة القروية بشكل حقيقي يجعلها تنخرط في سيرورة التنمية، وإلا ستكون المخططات تكريسا لوضع قديم يعيد تدوير العديد من القيم التي في عمقها تعد عنفا ممنهجا ومتأصلا ثقافيا ومجتمعيا ضد النساء”.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
وزارة التضامن المغربية تُباشر عملية إحصاء الأطفال اليتامى ضحايا زلزال إقليم الحوز
عدد المصابين في زلزال الحوز الذين تكفلت بهم وزارة الصحة بلغ 6125 حالة 873 منها خطيرة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر