لوس أنجلوس - مادلين سعادة
يشارك فيلم "A Girl in the River" أو "فتاة في النهر" من ضمن الترشيحات لنيل جائزة أوسكار خلال الحفل المُنظَم في ولاية لوس أنجلوس الأميركية. وأدى الكشف عن الفيلم إلى مناقشات غير متوقعة حول ممارسات القتل بداعي الشرف في ذلك المجتمع المسلم الذكوري. وفي انفراجة حاسمة، تعهد في الوقت الحالي رئيس الوزراء نواز شريف بتخليص باكستان من هذا الشر من خلال إجراء تعديل في القانون يقضي على تلك الثغرة التي يستند إليها القتلة.
ووعدت المخرجة شارمين عبيد شينوي في وقابلة معها، بتمرير تشريعات من شأنها خضوع القتلة لأحكام عقابية وعدم إفلاتهم من الملاحقة القضائية والإعفاء عنهم في الجرائم التي يرتكبونها بحق عائلاتهم. وأعربت السيدة عبيد شينوي خلال حديثها إلى صحيفة "التليغراف" عن سعادتها بحالة النقاش التي أدى إليها فيلم A Girl in the River. فعلى مدار عدة أعوام، لم يكن القتل بداعي الشرف يمثل جريمة في باكستان، نظرًا لأنه لا أحد يحاكم أو يتم إدراجه في السجن. وذهب الجميع في باكستان إلى تفسير القتل بدمٍ بارد على أنه بعيدا عن مسألة الدين أو التقاليد، إلا أن تعهد رئيس الوزراء بمحاولة إجراء إصلاح تشريعي من أجل التغلب على الإعفاء من الوقوع تحت طائلة القانون وتجنب الملاحقة القضائية كان بمثابة لفتة رائعة منه.
وتقدر الحكومة بأن هناك ما لا يقل عن ألف قتيل كل عام، أي حوالي ثلاث حالات كل يوم. إلا أن بعض النشطاء يرجحون ارتفاع ذلك الرقم من أعداد القتلى. حيث تتعرض الآلاف من الحالات الأخرى في العديد من الأماكن داخل المجتمعات الإسلامية في بريطانيـا وأميركا الشمالية إلى القتل على أيدي أقاربهن الذكور بحجة الدفاع عن شرف العائلة لأسباب يمكن أن تشمل رفض الدخول في زواجٍ مرتب أو العلاقة التي تفتقر إلى موافقة أو الجنس خارج إطار الزواج وارتداء ملابس غير ملائمة أو حتى الوقوع ضحية الاغتصاب. وبموجب القانون الباكستاني الحالي، فإن عائلة الضحية يمكنها إعفاء القتلة وبالتالي إنهاء الملاحقة القضائية. وفي جميع الحالات تقريباً، فإن أقارب السيدة المقتولة سوف يكونوا أيضاً أقارب القتيل. وغالباً ما ينطوي ذلك الصفح علي دفع ما يسمي " بالدية ".
وأحجم القادة السياسيين في باكستان منذ فترة طويلة عن معالجة هذه القضية الحساسة. خوفَا من رد الفعل الديني العنيف على الرغم من عدم وجود مبرر في القرآن الكريم لهذه الممارسة مثلما يوضح الفيلم، ولذلك تعهد المحافظ الذي دعم مبادئ الشريعة في الماضي السيد شريف السياسي بضرورة إجراء تعديلات تشريعية للحد من هذه الممارسة. فيما هددت الأحزاب الدينية بالفعل بمواجهة تحدي السيد شريف بالنظر إلى أن ذلك يعد من قبيل التقاليد الإسلامية. وكانت جريمة الفتاة صبا في أعين أقاربها حينما تجاهلت رغباتهم وهربت من أجل الزواج من صديقها العامل في مصنع من طبقة أكثر فقراً. وأشارت السيدة عبيد شينوي البالغة من العمر 37 عامَا والأم لإثنين من الفتيات الشابات إلى أنها حينما قرأت عن قضية صبـا في الصحف، ذهبت إلى المستشفى مباشرةً لتجد أمامها شابة رائعة وشجاعة للغاية كانت تريد إخبار قصتها ومن ثم بدأت السيدة عبيد شينوي في التصوير.
وأكدت الفتاة على أنها لن تغفر لوالدها وعمها، وإنما ستتجه إلى مقاضاتهم. إلا أن والدها الذي تم تصويره خلف القضبان في أعقاب إلقاء القبض عليه لم يبدو عليه أي علامات للندم بشأن ما اقترفه، مؤكدًا على أن ما فعله جاء استنادًا إلى الدفاع عن الشرف بعدما قامت بتدمير كل شيء. مضيفًا بأنه على استعداد للبقاء في السجن بقية حياته. وتحدث محقق الشرطة علي أكبر، والذي يتمتع بلحية كبيرة عن رفضه لذلك النظام، حيث كشف عن أن "الإسلام لم يذكر في تعاليمه القتل بداعي الانتقام للشرف. كما أن الخالق وهبنا الحق في الاختيار بحرية، وهو ما لم تتمتع به صبـا وزوجها الشاب اللذان رضخا في نهاية المطاف إلى ضغوط الكبار". وأضاف محقق الشرطة، أن السماح والعفو يجعل من يقوم بارتكاب جريمة القتل بأن يذهب حرًا طليقًا، إلا أنه يفتخر بموقف صبـا من رفضها لهذه الممارسة التي سيرويها لأحفاده. ونتيجةً لموقفه، فقد تلقي العديد من عروض الزواج لابنته الأخرى.
وشارك فيلم A Girl in the River أو فتاة في النهر في إنتاجه كل من تينا براون المسؤول التنفيذي في الإعلام البريطاني والتي تدير مؤسسة the Women in the World إضافةً إلي شيلا نيفينز رئيس HBO للأفلام الوثائقية. وكان أول مشروع ناقشته السيدة براون قد تناول قضية مالالا يوسفزاي الفتاة الباكستانية الأخرى التي أصيبت بطلقة نارية في الرأس بسبب معتقداتها ودعمها لقضية تعليم الفتيات. وتحدث جرائم القتل للشرف في كافة أرجاء العالم مع إخفاء ذلك تحت ستار الدين أو الثقافة، ولكن في نهاية المطاف فإنها تعد جريمة قتل. وكانت بريطانيـا قد واجهت مشكلة كبيرة مع جرائم القتل من أجل الثأر للشرف، إضافةً إلى 11 ألف واقعة قد تم تقريرها في فترة زمنية مدتها خمسة أعوام.
واجتمعت السيدة عبيد شينوي مؤخرًا مع بارونيس وارسي و بارون أحمد التي تحمل الجنسيتين الباكستانية والبريطانية من أجل التخطيط لعرض الفيلم داخل المجتمعات الضعيفة في بريطانيا. وترى مخرجة الفيلم الفائزة بجائزة أوسكار واحدة في عام 2012 عن فيلم Saving Face الوثائقي حول ضحايا هجوم الأسلحة البيولوجية بأنه لا شرف من جراء القتل بداعي الشرف. فهي ليست جزءًا من الدين أو الثقافة.
يُشار إلى أن الفيلم يروي قصة صبيَة بالغة من العمر 19 عامًا، هربت خوفًا من أن تصبح واحدة من بين ألف امرأة تعرضت للقتل تحت مسمى "الشرف" كل عام في باكستان، وأقسم والد صبا (قيصر علي) أنه لن يضر ابنته في حال عودتها إلى موطنها، حتى يستطيع زوجها الجديد أن يجمعها بشرف. وافقت على ذلك ووثقت في كلاهه. وبدلًا من ذلك، اقتادها والدها وعمها إلى ضفة النهر لتتعرض بعدها للضرب وإشهار المسدس في جبينها، لتخترق الرصاصة وجهها من عينيها إلى شفتيها وتسقط على إثرها فاقدةً للوعي، ثم يقوم الرجلان بإدراج جسدها في جوال مصنوع من مادة الخيش ومن ثم إلقائها في النهر والانطلاق بعدها واثقين من أنهم استعادوا شرف العائلة.
ولم تنتهي قصة الفتاة صبـا عند إلقائها في النهر مثلما هو الحال بالنسبة إلى الكثير من الفتيات في باكستان اللواتي يتعرضن للقتل بداعي الشرف، ومن المقرر بأن يستضيف الإثنين السيد شريف في مكتبه في إسلام آباد.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر