تمر الذكرى السنوية الأولى لسيطرة تنظيم "داعش" المتطرف على مدينة الموصل، الثلاثاء، في مشهد عدّه الكثيرون من السياسيين والقادة العسكرين "دراماتيكي"، بعد أن اقتحمها وأبقى العراق من شماله إلى جنوبه في حالة ذهول.
وطرحت أسئلة كثيرة وتداولت اتهامات لسياسيين وقادة ميدانيين بأنهم كانوا سببًا في وقوع ثاني أكبر مدن البلاد في أيدي متشددي داعش.
سقطت 4 فرق عسكرية كانت تحمي نينوى، وبسقوطها كُسرت هيبة المنظومة الأمنية العراقية وهذا ما كان يبحث عنه عناصر التنظيم.
وبدأ الهجوم على الجانب الأيمن من الموصل بنحو ألفي مقاتل واستهداف مقر الشرطة الاتحادية، ثم السيطرة على سجن بادوش والمطار، وترك الجيش العراق وراءه كميات هائلة من الأسلحة الثقيلة والعتاد، من دبابات ومدرعات ومنظومة صواريخ للدفاع الجوي، كما كانت توجد طائرتان مروحيتان في المطار.
وسببت السيطرة على الموصل نزوح ما يقرب من 3 ملايين عراقي من ديارهم، وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة.
وخلال هذا العام كانت الحرب والاشتباكات مع متطرفي "داعش" مابين كرّ وفرّ، بينما تمكنت البيشمركة الكردية من استعادة بعض المناطق في محافظة نينوى وكركوك، واستطاعت القوات العراقية المدعومة بالفصائل الشيعة من استعادة السيطرة التامة على محافظة ديالي وغالبية مدن وقصبات محافظة صلاح الدين.
والمنظومة العسكرية العراقية اليوم بين نارين، نار استرجاع وتحرير ثاني مدن البلاد وبين تحرير أكبر محافظة عراقية من حيث المساحة وهي الأنبار الملاصقة للعاصمة بغداد، بعد أن تمكنت عناصر التنظيم من السيطرة على مدينة الرمادي وقبلها كانت الكثير من أقضيتها ونواحيها وقراها ترزخ تحت سيطرة التنظيم المتطرف.
ووصف نائب رئيس الجمهورية العراقي أسامة النجيفي احتلال الموصل بـ"أنـه يوم كارثي أسود"، مضيفًا "فيه طغي وتجبر وأفسد في الأرض من حمل راية الإسلام كذبًا، وأمعن في طعن ثوابت الدين الحنيف، فكانت داعش رمزًا، وطاقة عدوانية على الأرض والإنسان، لم يسلم من شرورها شاخص حضاري، ولا مقام لنبي، ولا جامع أو كنيسة، ولا آثار يمتد زمنها إلى ما قبل التاريخ، ولم يسلم شيخ أو طفل أو امرأة، فكانت تدميرًا حقيقيًا لذاكرة الإنسان وهويته".
واعتبر النجيفي النازحين بأنهم "ضحايا أبرياء يدفعون ثمنًا باهظًا لرفضهم داعش، ويشهدون تقصيرًا واضحًا من قِبل أجهزة الدولة، وتقصيرُا من المجتمع الدولي، إننا ندرك أن الحل النهائي يكمن في عودتهم إلى مدنهم وقصباتهم بعد دحر داعش، وإعادة تأهيل البني التحتية وشروط الحياة لهم، وهذا يدعونا جميعًا إلى التكاتف من أجل القضاء النهائي على التطرف".
وعدّ نائب رئيس الجمهورية تحرير مدينة الموصل بأنه "كسر ظهر التطرف، ويعني سقوط الهالة المزيفة التي صنعت حول داعش، لذلك فإن أمام أبناء نينوى الأصلاء مهمة تاريخية سينحني العالم أمامها وهي تخليص المجتمع الدولي من شرور منهج معادٍ للإنسانية".
وسقوط الموصل كان السبب المباشر لسقوط رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي، على الرغم من حصول كتلته على أصوات كبيرة في الانتخابات التي جرت نهاية العام الماضي.
وأقدم تنظيم داعش عقب سيطرته على مدينة الموصل إطلاق ألف معتقل من السجن المركزي، واتهمت أطراف رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بسقوط المدينة نتيجة اعتماده على قيادة عمليات نينوى، التي لم تكن تطلع مجلس المحافظة على الخطط، وأنه كان يستمع إلى تقارير استخباراتية ولا يستمع إلى القيادات المدنية في المحافظة، بحسب مسؤولين محليين.
وبحسب مصادر خاصة، أنه بعد سقوط الموصل تنظيم داعش لم يكن وحيدًا في هجومه على المدينة، بل تحالف معه عدد من الفصائل الإسلامية المعارضة مثل جيش المجاهدين وهو تنظيم سلفي، كان من أبرز فصائل المقاومة ضد القوات الأميركية، وجيش رجال الطريقة النقشبندية وهو تنظيم صوفي يقوده نائب الرئيس العراقي السابق عزت إبراهيم الدوري، وأنصار السنة وهو تنظيم متشدد قديم في العراق، كما يشارك ضباط سابقون في الجيش العراقي المنحل بالتنسيق مع هذه الفصائل التي لا تستطيع تجاهلهم؛ كون الموصل معقل نخبة الضباط في المؤسسة العسكرية في عهد صدام حسين.
وتحدث عن رؤيته بأن "هناك مشروعًا مستقبليًا قد يفرض على الأرض من قِبل التحالف الدولي والولايات المتحدة الأميركية يستند على وجود أكثر من قوة على الأرض للتصارع لرسم خارطة جديدة".
وبعد أن أتمّ التنظيم المتشدد سيطرته التامة على مدينة الموصل، أعلن عن "الخلافة الإسلامية" ومبايعة أبي بكر البغدادي "خليفة المسلمين"، ليظهر في المسجد الكبير في مدينة الموصل ويلقي خطبة يوم الجمعة، حيث كان ظهوره الأول فيها.
وقبيل موجة النزوح من الموصل، شهدت الكثير من القرى القريبة من هذه المدينة الاستراتيجية حالات نزوح كبيرة لسكان مسيحيين؛ خوفًا من دخول المسلحين المتطرفين إليها، وبينها بلدة برطلة المسيحية التي يعيش فيها نحو 30 ألف شخص وتقع إلى الشمال من الموصل.
وبالفعل غادر المسيحيون للمرة الأولى في تاريخ العراق مدينة الموصل، مخلفين وراءهم كنائس ومنازل ومحال وحياة ماضية في مدينة انقلبت معالمها، ما إن سيطر عليها تنظيم "داعش" المتطرف الذي عمد بعدها إلى تفجير هذه الكنائس، كما توجه الكثير من النازحين إلى مدن إقليم كردستان التي تتمتع بأمن نسبي.
وبالرغم من تأكيدات القادة الأميركان فإن المعركة مع تنظيم داعش ستبقى مفتوحة لاعوام، إلا أن القادة العراقيين يقولون إنهم في تهيئ لعملية عسكرية واسعة تبدأ بعد شهر رمضان المقبل.
وبحسب المعلومات، فإن العملية المرتقبة ستشهد مشاركة قوات البيشمركة وأبناء العشائر والقوات العراقية، إضافة إلى أبناء مدينة الموصل الذين يجرى تدربيهم في معكسر في إقليم كردستان، ويدور الجدل كثيرًا بشأن مشاركة الفصائل الشيعية أو ما يعرف بالحشد الشبعي في هذه العملية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر