جماعة البراكسة القرويَّة نموذج للتهميش الرسمي في إقليم خريبكة المغربي
آخر تحديث GMT 23:52:41
المغرب اليوم -

جماعة البراكسة القرويَّة نموذج للتهميش الرسمي في إقليم خريبكة المغربي

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - جماعة البراكسة القرويَّة نموذج للتهميش الرسمي في إقليم خريبكة المغربي

جماعة البراكسة القرويَّة
الرباط - يوسف عصام

على بعد 23 كيلومترًا شمال شرق مدينة الشهداء وادي زم، على الطريق الإقليمية 3508، يوجد مقر جماعة البراكسة القروية التي يمتد ترابها على مساحة 89 كيلومترًا مربع إلى الحدود شمالا مع جماعة ايت رحو في إقليم خنيفرة، واحدة من أصعب المناطق في إقليم خريبكة وأكثرها وعورة وأقلها تنمية وحظا.

جماعة البراكسة القرويَّة نموذج للتهميش الرسمي في إقليم خريبكة المغربي

ويُقدر عدد سكان جماعة البراكسة المنتمين الى قبائل السماعلة، ب 7435 نسمة تشكل نسبة الإناث حوالي النصف منها وفق إحصاء 2014، موزعين على أكثر من 1380 مسكنًا، موز عةلى 5 دواوير يبعد بعضها بحوالي 20 كيلومترًا عن مركز الجماعة في غياب تام لأبسط متطلبات الحياة الكريمة. طرق غير معبدة، مسالك وعرة، وغياب الماء والكهرباء في الجزء الأكبر من الجماعة يجعل العيش في هذا المكان تجربة صعبة، تزداد صعوبة كلما ابتعدت عن مركز الجماعة في اتجاه الحدود مع إقليم خنيفرة.

جماعة البراكسة القرويَّة نموذج للتهميش الرسمي في إقليم خريبكة المغربي

ويعتمد سكان البراكسة على الرعي والزراعة في معاشهم الذي يظل مرتبطًا بالخصوصيات الجغرافية للمنطقة التي تشكل فيها السهول 27 في المئة، والهضاب 42 في المئة والجبال 31 في المئة، مما يعكس ضعف الاقتصاد لقلة الموارد المائية ومحدودية الأراضي الزراعية، فمن بين 2403 هكتار (من السهول) الصالحة للزراعة تمثل المساحة المسقية نسبة ضعيفة جدا لا تتعدى 60 هكتارًا. وتمتد الأراضي المخصصة للرعي على مساحة 3670 هكتارا، بينما يمتد الغطاء الغابوي على مساحة 4400 هكتار أكثر من 80 في المئة منها عارية من أي أشجار أو نباتات بفعل عدة عوامل. وتبقى سبل تطوير وتنمية الزراعة بالجماعة جد محدودة أمام قلة الماء وغياب الوسائل الضرورية لتعبئة المياه السطحية من أجل توفير مياه السقي والشرب.

نصيب جماعة البراكسة من الطرق المعبدة، لا يكاد يتعدى 4 كيلومترات تمثلها الطريق الإقليمية المارة عبر مركز الجماعة، فيما تبقى الطرق الأخرى المؤدية إلى دواوير الجماعة غير معبدة وشديدة الوعورة في غالب الأحيان. أما بخصوص القطاع الصحي فيتوفر مركز صحي وحيد في مركز الجماعة، بنايته متهالكة، ويفتقر للتجهيزات والمعدات كما يعرف نقصًا مهولاً في الأطر العاملة إذ يوفر طبيب وممرض فقط لأكثر من 7400 من السكان.

أما قطاع التعليم في المنطقة يحتاج هو الآخر لتأهيل وإصلاح فالمدارس الابتدائية المتناثرة هنا وهناك وسط الجبال والهضاب دون طرق أو ماء أو كهرباء تفتقر لأبسط المتطلبات من مراحيض وأسوار وأبواب، فيما يبقى المشكل الأكبر في هذا المجال هو اضطرار عدد كبير من المتعلمات لمغادرة الدراسة بعد النجاح في السلك الإعدادي نظرا لغياب نواة ثانوية تأهيلية في مركز الجماعة.

مطالب سكان البراكسة تبقى جد بسيطة، ف"عبد الكبير" وهو شيخ لا يذكر سنه يبدو في الثمانين من العمر، يسكن على بعد حوالي 18 كيلومترًا عن مركز الجماعة، له أمنيتان فقط أن تصلهم الكهرباء ويتمكن من مشاهدة التلفاز، وأن يُبنى مركز صحي بالقرب منهم لاستقبال المرضى والنساء الحوامل. ويذكر لنا "بوعزة" وهو شيخ في السبعينات، معاناتهم مع لسعات العقارب صيفًا وصعوبة نقل المصابين لغياب وسائل النقل وصعوبة المسالك الطرقية، يشير هذا الشيخ بكثير من الحسرة إلى أن السلطات تعتبرهم رعاة رُحّلا، رغم أن مساكنهم التي عاش فيها آباؤهم ويعشون فيها الآن رفقة أبنائهم وأحفادهم شاهدة على استقرارهم في المنطقة.

وأرغمت الظروف الصعبة في هذه الدواوير وندرة المياه صيفًا، كثيرين على الهجرة نحو مدينة وادي زم ومدن أخرى تاركين منازلهم مهجورة. "أحمد" شاب في السادسة والعشرين من عمره، فضل مغادرة القرية والبحث عن عمل في المدينة، يزور مسقط رأسه بين الفينة والأخرى وخلال المناسبات، يؤكد ل "المغرب اليوم" أنه لولا وجود والديه وأهله هنا لما فكر في العودة، ولفكر في الاستقرار في المدينة مثل بعض رفاقه. فعلى حد تعبيره لا يتحمل العيش في قريته لغياب الكهرباء وشبكة الاتصالات والمسالك، ويضيف أنه عوض أن يحلم كشاب بمرافق للترفيه والتثقيف والرياضة، فإنه وأقرانه لا زالوا يحلمون فقط بأبسط متطلبات الحياة، يحلمون بحقوق أساسية وجب على الدولة ضمانها.

وأكد عبد الإله الهلالي، رئيس مجلس جماعة البراكسة، في تصريح لـ"المغرب اليوم"، أن الجماعة قد أعدت برنامجا من أجل تأهيل المنطقة بإنجاز عدة مشاريع تروم تعزيز البنيات التحتية المتعلقة بالتجهيزات الأساسية، من تغطية بشبكة الكهرباء والماء الصالح للشرب وتقوية الطرق وفتح المسالك وتأهيل المركز الصحي وبناء آخر في منطقة "لبيار اجداد"، وإنجاز مرافق سوسيو رياضية وثقافية في مركز الجماعة، لكن يبقى تحقيقها رهين بتوفر الاعتماد المالي وجدية الشركاء.

وذكر رئيس جماعة البراكسة، أن عددًا من الاختلالات تعيق التنمية في المنطقة، ففي المجال الديمغرافي يعرقل السكن المتفرق في الجماعة بعض البرامج كالربط بالكهرباء مثلا، والمجال الزراعي الذي يعيش مشاكل كثيرة ترتبط بغياب التأطير التقني والتنظيم المهني والتمويل الكافي، إضافة إلى ندرة الموارد المائية وتدهور القطاع الغابوي، وأضاف الهلالي، أنه في إطار برنامج عمل الجماعة قد تم اقتراح تصورات على شكل مجالات تنمية من شأنها تمكين الجماعة من لعب دورها التنموي في إطار رؤية تحدد الأولويات على المدى القصير والتوجهات على المدى المتوسط.

ويبدو أن تعاقب المجالس المنتخبة، رغم الجهود المبذولة مؤخرًا، لم يحد من معاناة سكان هذه المناطق ولم يرفع التهميش عنهم، فما زالت النساء الحوامل يجدن صعوبة في الوصول للمستشفى ولا زالت الدواب هي وسيلة النقل الرئيسية في المنطقة، وزيارات الوزراء والبرلمانيين الى المنطقة لم تساهم هي الأخرى في فك العزلة عنهم. فزيارة البرلماني الحبيب المالكي (الرئيس الحالي لمجلس النواب) خلال انتخابات 2007، 2011 و2016 لم يجنِ منها سكان المنطقة غير وحدة مدرسية على بعد أكثر من 15 كيلومترًا عن المركز، وثانوية إعدادية في مركز الجماعة، عندما كان المالكي وزيرًا للتربية الوطنية، ولم يتمكن الحبيب الشوباني وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني السابق، الذي زار مسقط رأس والده عدة مرات في دوار أولاد موسى في المنطقة، من فك عزلة أبناء عمومته.

آلاف السكان في البراكسة وغيرها يصبرون على قساوة الظروف الطبيعية مفضلين المكوث في أراضي أسلافهم، يطمحون في رفع التهميش عنهم وتحقيق متطلباتهم البسيطة، فلربما الأموال الطائلة التي تنفق على مشاريع كمالية في عدة مناطق مغربية كمشاريع "المدن الذكية" كان أولى أن تصرف على تنمية المناطق المهمشة وفك العزلة عنها.

 

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جماعة البراكسة القرويَّة نموذج للتهميش الرسمي في إقليم خريبكة المغربي جماعة البراكسة القرويَّة نموذج للتهميش الرسمي في إقليم خريبكة المغربي



GMT 10:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 09:57 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

منظمة الغذاء العالمي تكشف أن إسرائيل تقيد عمل المخابز في غزة

GMT 08:59 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أميركا لن تغير سياستها بشأن نقل الأسلحة إلى إسرائيل

GMT 18:18 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

مكتب نتنياهو يواجه 5 قضايا بعضها قيد التحقيق

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 17:18 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا
المغرب اليوم - روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 14:55 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"واتساب" يُعلن عن ميزة تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
المغرب اليوم -

GMT 02:13 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تمثال لدبين قطبيين يُثير ذهول عملاء مركز تسوق

GMT 07:35 2016 الأحد ,18 كانون الأول / ديسمبر

أفضل مناطق لسياحة التزلج على الجليد في أوروبا

GMT 14:22 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 3.2 درجة تضرب ولاية "مانيبور" الهندية

GMT 19:58 2020 الخميس ,09 كانون الثاني / يناير

أسماك القرش تنهش جثة لاعب كرة قدم في أستراليا

GMT 18:31 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تشابي ألونسو يؤكد جوارديولا سبب رحيلي عن ريال مدريد

GMT 21:58 2019 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

لطيفة رأفت تلهب مواقع التواصل الاجتماعي بمظهر جذاب

GMT 19:58 2019 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

دراسة تكشف عن قدرات النمل في علاج نفسه والنباتات

GMT 16:57 2019 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

تأجيل مباراة الرجاء البيضاوي ورجاء بني ملال

GMT 13:23 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لعبة SPIDER-MAN الأكثر مبيعا داخل اليابان في سبتمبر

GMT 15:35 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

وفاة شخص في حادثة سير خطيرة وسط الدار البيضاء
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib